مع اقتراب الشهر الفضيل من آخره، بدأت أسواق الحلويات في دمشق تحضيراتها لاستقبال عيد الفطر فيما بدأ المواطنون يضربون أخماسا بأسداس بحثا عن فائض في ميزانيتهم لشراء «ضيافة العيد» أو على الاقل مكوناتها لصنعها في البيت. وكما في الاعوام الاخيرة يأتي العيد هذا العام ايضا متزامنا أو سابقا للعام الدراسي بأيام قليلة إضافة الى اقتراب الشتاء مما يشكل أعباء مادية كبيرة على المواطنين. ولكن من ينجح في تدبر أمره لمواكبة مصاريف هذا «المحلق» الذي يضاف موسميا على الميزانية سواء بجمعية هنا أو سلفة من هناك، فإن الخيارات أمامه كثيرة بما يتناسب مع هذا المصروف «الملحق». فالأسعار تتفاوت بحسب نوع الضيافة وجودتها ومكوناتها. لا بل إنها قد تتفاوت من محل لآخر. وبحثا عن «الضيافة» المناسبة للميزانية، يندفع السوريون عامة والدمشقيون ضمنهم، إلى الأسواق التي بدأت تشهد ازدحاما حتى ساعات متأخرة من الليل، غير عابئين أو كما يقولون مطنشين الأعباء المادية التي تترتب على ذلك حتى لو اضطرهم الامر الى الاستدانة. وقد بات موضوع «ضيافة العيد» ضمن الموروث الاجتماعي السوري. كيف لا وهم من أكثر شعوب العالم استهلاكا للحلويات وخاصة في الأعياد، بحسب الدراسات. وقد جعلهم ولعهم بالحلويات في مقدمة مصنعي ومصدري الحلويات الشرقية في العالم.
ولعل سوق الجزماتية في حي الميدان بدمشق أحد أشهر هذه الاسواق جذبا للباحثين عن الضيافة والحلويات بين الزائرين العرب والدمشقيين على حد سواء.
وقد جدت الحلويات السورية الشهيرة سوقا جديدة تضاف الى مئات الأسواق التي دخلتها عندما افتتحت السيدة لونا الاجه جي محلها لبيع هذه الحلويات في هولندا مؤخرا.
فدمشق التي أنجبت أشهر البغجاتية صناع الأطعمة والحلويات أضحت رمزا لهذه الصناعة حول العالم.
ويؤكد الحاج ماجد حقي لـ «سانا» أن هناك عددا من المحال في دمشق والتي اشتهرت بصناعة الحلويات منذ القرن التاسع عشر منها محل عادل الزين عام 1880 ومكحول أبو حرب 1890 في منطقة باب البريد وقيسر نحو العام 1900 ومهنا وأسدية 1935 وأبو راشد علوان 1939.
وتشهد الحلويات الدمشقية الآن إقبالا كبيرا في العديد من الأسواق حول العالم حتى أضحت تصدر نحو 85 نوعا من الحلويات والتي وصلت الى أكثر من 3 مليارات ليرة سورية.
500 حرفي
ويقول رئيس جمعية صناعة الحلويات في دمشق محمد الإمام إن عدد الحرفيين العاملين في هذه المهنة والمنتسبين للجمعية يصل الى نحو 500 حرفي ونحو ذلك في ريف دمشق بينما يتجاوز عدد العاملين فعليا في المحافظتين ثلاثة أضعاف هذا العدد تقريبا.
ويؤكد أبو عرب حيدر وهو يقف أمام محله الكائن في سوق حي الميدان المكان الأشهر لصناعة الحلويات منذ نحو مائة عام والذي تمتد على طول شارعه الرئيسي عشرات محال صنع الأطعمة أن الحلويات الدمشقية أصبحت على رأس المشتريات لزوار سورية من السواح العرب والأجانب وان هناك عدة محال أصبحت تصدر يوميا مصنوعاتها الفاخرة الى الأسواق العالمية المختلفة.
ويقول محمد احد العاملين في هذه الصناعة إن أصناف الحلويات الدمشقية تجاوزت 300 صنف منها البلورية والمبرومة والآسية والمغشوشة والمعمول بالفستق والجوز والنارنج والفواكه والعجوة.
وتشير التقديرات الى أن متوسط احتياجات الأسرة السورية من الحلويات في العيد يصل الى نحو ستة كيلوغرامات ثمنها من النوع الجيد نحو 7 آلاف ليرة وربما يصل الى العشرة آلاف ليرة.
ورغم ذلك الارتفاع إلا أن عددا من محال بيع الحلويات الشهيرة أعلن انه لن يستقبل طلبيات للعيد منذ منتصف شهر رمضان فكل إنتاجه وحتى يوم العيد مبيع بالكامل واغلبه من أصناف التواصي التي يصل سعر الكغ منها الى نحو 2000 ليرة.
بينما استمر بعض المحال بتصدير كامل إنتاجه اليومي الى فروع له في عدد من الدول العربية والأجنبية.
واقع اسواق العيد وأسعارها رصده موقع «دي برس» الالكتروني السوري في تحقيق خاص أظهر انتعاش سوق القلوبات (المكسرات) مع اقتراب العيد خاصة في سوق البزورية الشهير، لاسيما الجوز والفستق الحلبي ومستلزمات صناعة حلويات العيد.
ولاحظ التحقيق ارتفاع أسعار الفستق الحلبي إلى نحو 1200 ليرة للكغ الواحد من الإنتاج المحلي ونحو 700 - 800 ليرة من المستورد بينما بيع كغ الجوز بين 300 و 600 ليرة، إضافة إلى أن سعر كغ للطحين المحلي بيع بين 35 - 45 ليرة، وهي من المكونات الاساسية للمعمول السوري المشهور. وكما في كل عيد بدأت رفوف المحلات تغص بأنواع الشوكولا والسكاكر والملبس والراحة والنوكا وغيرها من أصناف «ضيافة العيد» كما يطلق عليها السوريون، بأسعار تتراوح للكغ من الشوكولا ما بين 150 و 800 ليرة وللملبس بين 100 و 400 ليرة وللراحة بالفستق بين 200 و 650 ليرة والنوكا 200 و 550 ليرة.
ولفت التحقيق الى حرص مصنعي وباعة الحلويات على التنويع في الإنتاج بحيث تراعى القدرة الشرائية لجميع شرائح المستهلكين، فهناك أنواع يصل سعر كيلو المشكل العادي منها إلى 350 ليرة سورية في حين يصل سعر النوع الفاخر منها إلى أكثر من 1500 ل.س، وكما أن أسعار الحلويات الجاهزة العادية تتناسب ونوعها، فإن حلويات الطلب (التواصي) لها أسعارها المتناسبة مع أهميتها وتحضيرها حيث يصل سعر الكيلوغرام منها لحوالي 2000 ل.س.
وتتنوع الحلويات المعروضة في هذا السوق بأشكالها المختلفة كالبقلاوة والمبرومة والنمورة وعش البلبل والوربات وغيرها لدرجة أن الزائر يحار في تنوع هذه الأصناف.
اختلاف أسعار الحلويات بين محل وآخر يعود حسب نبيل داود صاحب محل لبيع الحلويات في حي الجزماتية إلى عدة أسباب تكمن في المنافسة بين البائعين من جهة وجودة ونوعية المواد الداخلة في صناعة الحلويات من جهة أخرى مثل السمن النباتي والحيواني، مبينا ان ارتفاع مدخلات الانتاج الأولية زاد الاسعار بنسب تتراوح بين 100 الى 200% فسعر طن الطحين ارتفع بمقدار عشرة آلاف ليرة سورية وكذلك الفستق الحلبي والسكر وهي المواد الأولية الداخلة في معظم أنواع الحلويات، إضافة إلى ارتفاع في أسعار مادة الجبنة والسمنة النباتية والزبدة.
وأضاف داود أن الإقبال على الحلويات العربية يزداد قبل يومين من عيد الفطر وأن أكثر الأنواع المطلوبة هي المشكل والبيتفور والوربات إضافة إلى المعمول والبرازق.
لا مفر منه
الطلب على شراء الحلويات يرتفع قبيل العيد وليلة العيد حسب ما أكد سامر بيرقدار صاحب احد محلات الحلويات في حي الميدان كون العادات والتقاليد فرضت على المواطنين تقديم الحلوى في مثل هذه المناسبات، مبينا ان محال بيع الحلويات اتخذت الاستعدادات لمواكبة الطلب المتزايد وخاصة الحلويات الرمضانية منها الفطاير والمشكل الاكثر طلبا كونها تحظى بشعبية عالية بين المواطنين، متوقعا أن تشهد إقبالا ملحوظا على خلاف ما كانت عليه في بداية رمضان حيث ارتفاع الاسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين.
أسامة شحادة رب اسرة بين انه على استعداد لتلبية احتياجات الاسرة من حلويات العيد رغم الظروف المادية الصعبة التي يعيشها على حساب السلع الأساسية للأسرة، لكنه استطرد بالقول إن العادات والتقاليد الاجتماعية فرضت عليه تقديمها في المناسبات الاجتماعية كنوع من التعبير عن الفرح بالعيد.
كذلك أكدت نديمة محفوض ربة أسرة أن تقديم الحلويات في مثل هذه المناسبات واقع لا مفر منه حتى لو دفعته الظروف إلى الاقتراض من الآخرين لتلبية طلبات الأسرة في العيد لتقديم الحلوى للضيوف رغم ارتفاع أسعارها بشكل كبير.