هدى العبود
من يقرأ التاريخ جيدا يجد ان العراق لم يستبح لأن الرئيس صدام حسين حارب الفرس ثمانية أعوام، أو لأنه ديكتاتور عصره في اضطهاده للشعب العراقي. هذا ما يتسترون خلفه من أجل ذر الرماد في العيون، وهل يصدق أحد أن السبب الذي دفع فرنسا لاحتلال الجزائر ومكوثها أكثر من مائة وثلاثين عاما، هو رد الاعتبار لمندوبها السامي الذي أهين في مجلس حاكم الجزائر آنذاك؟! لابد أن نصدق أيضا أن الرصاصة التي أطلقت على موكب الكونت النمساوي فوق جسر سراييفو في ديسمبر عام 1914 هي السبب في اندلاع أبشع حرب عالمية راح ضحيتها ملايين من الأوروبيين الأبرياء.
ولابد ان نقرأ جيدا أنه من أوضح نتائج تلك الحرب الوحشية اللاإنسانية بالمطلق، تفكيك الإمبراطورية العثمانية، وبدء بزوغ شمس إمبراطورية جديدة صاعدة، الولايات المتحدة الاميركية التي وضعت أوروبا المنهكة من الحرب تحت وصايتها، تمهيدا لتفكيك إمبراطوريتها القديمة، من خلال حرب عالمية أتت لاحقا عام 1939، سبقها عام 1914 إلغاء الذهب كمعيار ثابت للنقد العالمي، ثم اتفاقية بريتون وودز عام 1944، والتي تكرس بموجبها الدولار الأميركي كعملة احتياطة عالمية.
مقدمة شرحها الكثيرون من محللين واقتصاديين وسياسيين، لأصل في زاوية «كونوا معنا» الى أن الإعلام الأميركي المحتكر للمعلومة والمهيمن على انتشارها عالميا، بأنه لابد للخروج من الأزمة المالية التي تتراوح في المكان منذ صيف العام 2008 من عودة النمو إلى الاقتصاد العالمي الذي يحتاج بالمقابل إلى السيولة كي يمد الشركات المنتجة بالأموال اللازمة لتدور عجلة الإنتاج ومن بعدها دورة الاستهلاك اليومية.
جئنا معكم ترى أين هي الأموال؟ ومن أين يؤتى بها؟ ومن المخول بمنحها؟ ووفق أي شروط؟
ألم نر ذلك جليا في الأشهر الأخيرة لولاية سيئ الذكر جورج بوش، عندما انفجرت الأزمة المالية في الشهور الثلاثة السابقة المتبقية له، وكيف ختمها بتقديم هدية كبيرة للمصارف الكبرى عبر حقنها بـ 800 مليار دولار من جيب دافع الضرائب الأميركي الذي بلع الطعم وصدق الكذبة، كما صدق في الماضي كذبة الحادي عشر من سبتمبر. من هنا ألا تشاطروني الرأي بان الشعب الأميركي الذي نتخيله، بحكم الدعاية الإعلامية الجبارة، شعبا متقدما ومتطورا ومثقفا ربما، هو في الحقيقة مستلب الإرادة منذ زمن بعيد، لا يعرف، كما يعرف أي مراقب بعيد عن هذه القارة المسكونة بالعنف والجشع وشهوة السيطرة. أنه محكوم من طبقة أوليغارشية عالمية، لا تشكل سوى نسبة 6% من الشعب الأميركي. لكنها تملك ما نسبته 90% من ثروات الولايات المتحدة واقتصادها العملاق، عبر كارتلات الصناعات الحربية، والبترولية. جملة مختزلة قالها الرئيس الأميركي المغدور جون كينيدي بعد أشهر من دخوله البيت الأبيض، مرفوعا على الراحات: يجب وضع حد نهائي لديون الخزينة العامة، والنظر في إيجاد حل للقضية الفلسطينية. كان الثمن لزلة اللسان هذه حياته. الرئيس باراك اوباما، يعرف جيدا هذه المحظورات في صميم الايستابليشمانت. لكنه لم يستطع إزاء القهر، أن يتجنبها، فزل لسانه هو الآخر، عندما نطق بالمحظور، وأثار مجددا مسألة الدين العام، وعدم رغبته في تغذية القطط السمينة في وول ستريت، واستخدامه لهجة غير ودودة مع المدلل نتنياهو.
هل يرغب الرئيس الرابع والأربعون لهذه الإمبراطورية في أن يسجل بدمه فصلا مأساويا جديدا، يشبه إلى حد بعيد مأساة سابقه، لأنه لم يتجنب المحظورات، والى متى يصدق العرب ان من اغتال الرئيس رفيق الحريري هي سورية او أشخاص من حزب الله؟! ترى من يفشل أي اتفاق عربي ومن يقف وراء ما نحن به الآن؟! اقرأوا الزاوية وعودوا للتاريخ انه يعيد نفسه بأوجه مختلفة والنتيجة واحدة صاحبة الجلالة الولايات المتحدة الأميركية.