هدى العبود
تشهد سورية حالة انحباس للمطر تكاد تكون غير مسبوقة، انعكست على العديد من تصريحات المسؤولين السوريين لجهة التحذير من تضرر قطاع الزراعة لاسيما في منطقة الجزيرة السورية (شمال شرق) والتي أخذ أهلها بالنزوح إلى المناطق الداخلية بحثا عن العمل.
وترى مديرية الأرصاد الجوية أن الانحباس الحالي هو نتيجة سيطرة المرتفع الجوي الصاد تمنع تشكل الغيوم وخاصة ليلا، ما يؤدي إلى زيادة نسبة الإشعاع الأرضي، فضلا عن زيادة عدد ساعات الليل، فيكون الفرق بين درجات الحرارة العظمى والصغرى كبيرا.
واوضحت المديرية أن تغيرات تطرأ على خرائط الطقس تؤدي إلى انحسار المرتفع الجوي الصاد، وسيبلغ عمر المرتفع الصاد نحو 50 أو 51 يوما بحلول يوم الاثنين المقبل حيث يتوقع أن يتقدم منخفض جوي يهيئ الفرصة لهطولات مطرية تتمركز في المنطقة الشمالية الغربية والمنطقة الساحلية والجزيرة.
الانحباس المطري
حالة الانحباس المطري دفعت مدير مشروع الاستمطار عباس علي عباس للقول في تصريحات صحافية بأن الوضع الراهن حرج جدا بالنسبة لمناطق البادية والزراعات البعلية والمخزونات المائية. مشيرا إلى أن لدرجات الحرارة على مدى الموسمين الماضيين انعكاسا سلبيا على ارتفاع درجات التبخر والنتح وزيادة حاجة النباتات إلى المياه.
وأكد عباس أن المنطقة معرضة لموجات جفاف على مدى التاريخ بحكم وقوعها ضمن النطاقات الجافة إلا أن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت زيادة في تواتر موجات الجفاف مع زيادة في حدتها أيضا بحسب عباس ضاربا مثالا عامي 1998-1999 حيث كانا الأشد حرارة قياسا للسنوات العشرين التي سبقت هذا التاريخ.
موجة الجفاف
ولفت إلى ارتفاع موجة الجفاف خلال المواسم منذ عام 2006 حتى 2009 وكان موسم 2007-2008 أشدها جفافا.
واضاف: ان الموسم الحالي الأسوأ بحسب المعطيات الحالية على مدى السنوات الخمسين الماضية إلا أنه يمكن أن يتحسن خلال الأشهر والأسابيع القادمة. وتوضح بيانات رسمية أن متوسط كمية الأمطار المتساقطة نزل إلى 152 ملليمترا من 163 ملليمترا في التسعينيات و189 ملليمترا في الثمانينيات. وتعرضت المنطقة لموجة حرارة غير مسبوقة هذا العام وتجاوزت درجات الحرارة 40 درجة مئوية لمدة 46 يوما على التوالي في يوليو وأغسطس.
يشار الى أن موجة الجفاف التي شهدتها سورية خلال السنوات الخمس الماضية أدت إلى نفوق 85% من الماشية، بحسب بعض الإحصائيات، وغادر ما يصل إلى نصف مليون نسمة المنطقة الشرقية من سورية في واحدة من أكبر موجات الهجرة الداخلية.
هذا وقد فرض التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة في مناطق مختلفة من العالم بينها سورية تحديا جديدا أمام قطاع الزراعة الذي يعد احدى ركائز الاقتصاد الوطني ويعمل فيه نحو 20% من اجمالي قوة العمل ويسهم بنحو 25% من الناتج المحلي.
تنويع الانتاج
وبعد انحباس الامطار أكثر من 50 يوما أصبحت الجهود الحكومية تنصب حاليا على العمل على تنويع الانتاج الزراعي وتحسين نوعيته واستنباط أصناف زراعية قادرة على التكيف مع الشروط البيئية والتبدلات المناخية وتحسين السلالات الحيوانية وتشجيع الاستخدام الامثل للموارد المائية والتنمية الزراعية في البادية تكفل الحد من التصحر وتعيد التوازن لمكوناتها البيئية.
وأولت الحكومة في خطتها الخمسية العاشرة دعما كبيرا لقطاعي الزراعة والري لاقامة شبكات الري والسدود وتنفيذ المشاريع المائية واستصلاح الاراضي والتحول الى الري الحديث ودعم المنتجات الزراعية. وبحسب «سانا» يشير الباحث الزراعي محمد القدوة الى أن الزراعة في المنطقة وبينها سورية تشهد تحديات جراء حالة الجفاف والتبدلات المناخية وموجات الحرارة المرتفعة والعواصف الغبارية واتساع رقعة التصحر وتراجع الغطاء النباتي وتدهور الموارد المائية والرعوية لافتا الى ضرورة المبادرة باستراتيجيات متكاملة لمواجهة التحديات الراهنة وايجاد الحلول الناجعة لمعالجتها وتقليل آثارها والحد من أضرارها.
ويعزو مدير عام المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والاراضي القاحلة (أكساد)، رفيق صالح في دراسة تحليلية أسباب العجز الغذائي في الوطن العربي الى ازدياد معدل النمو السكاني وازدياد الطلب على المنتجات الغذائية وقلة المساحات المزروعة بالقمح وتراجع حجم الموارد المائية الجوفية والسطحية العذبة وتناقص خصوبة التربة وتفاقم مشكلة التعرية بسبب الاستمرار في تطبيق نظم الزراعة التقليدية والمكثفة وتدني كفاءة النظم البيئية الزراعية الانتاجية.
العواصف الغبارية
من جهته أوضح د.محمود العسكر استاذ الزراعة في جامعة الفرات أن العواصف الغبارية بدأت بالتوسع في المحافظات الشرقية الثلاث: دير الزور والرقة والحسكة، وأخذت تنتشر البؤر الساخنة للكثبان الرملية المسببة لتلك العواصف فيما لوحظ مؤخرا أن منطقة الجزيرة التي لم تكن تعاني سابقا من العواصف الغبارية أصبحت تتكرر فيها هذه الظاهرة نتيجة الجفاف وحرث أراضي البادية وتدهور الغطاء النباتي. وربط العسكر بين العواصف الغبارية وانخفاض معدل الامطار حيث ازدادت العواصف الغبارية في المنطقة الشرقية منذ عام 2000 وأخذت تتضاعف تلك العواصف سنويا حيث سجلت 27 عاصفة في 2000 و74 عاصفة في 2008 وعلى الرغم من أن وتيرة العواصف تناقصت خلال العام الحالي الا أن ذلك يجب ألا يؤدي الى الركون اليها انما القيام بعدد من الاجراءات لمواجهة توسع البؤر الساخنة للتصحر والجفاف والمناطق المؤهلة لتشكل الكثبان الرملية.