باريس ـ هدى العبود
بموازاة الشق السياسي من زيارة الرئيس بشار الأسد الى فرنسا الاسبوع الماضي، قامت السيدة الأولى أسماء الأسد بعدة نشاطات ثقافية كانت «الأنباء» برفقتها فيها. ولعل أبرز الأنشطة كان لقاءها في الأكاديمية الديبلوماسية في باريس عددا من الشخصيات الثقافية الفرنسية والمهتمين بالشأن الثقافي، حيث تحدثت معهم حول الرؤية الجديدة لقطاع الإرث الثقافي في سورية وآفاق التعاون السوري ـ الفرنسي، حيث أشارت السيدة أسماء إلى تاريخ سورية الغني باعتبارها مهدا للحضارات الإنسانية عبر آلاف السنين والتي تركت خلفها إرثا عظيما من العمارة والآثار واللقى ودرتها أقدم مدينة مأهولة باستمرار في التاريخ مدينة دمشق. وأكدت السيدة الأولى أن هذا التاريخ الحضاري المعماري واكبه تراكم العادات والمعتقدات وقيم الانفتاح التي تميز بها الشعب السوري.
وتهدف هذه الرؤية إلى إقامة شبكة متفاعلة ومتجددة لربط المتاحف والمواقع الأثرية الثقافية بحيث تقوم هذه الشبكة بتحديث ودمج وتوسيع ما تحتضنه المتاحف السورية الأربعة والثلاثون القائمة حاليا بالإضافة إلى تطوير المدن التاريخية القديمة والمواقع الأثرية الثقافية.
وسيساهم هذا المشروع في التنمية الاجتماعية المتوازنة وفي تحديث البنية التحتية والنقل والسياحة على مستوى القطر وسوف تعمل مؤسسات الشبكة مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني لتطوير وتحديث المتاحف وغيرها من المؤسسات الثقافية وإقامة تجارب مشتركة وتشجيع السوريين على تحقيق انخراط أفضل مع تاريخهم وثقافتهم.
وتأخذ هذه الرؤية بعين الاعتبار الاستثمار والتنمية المتوازنة في كل أنحاء القطر كما أن القطاع التربوي الرسمي وغير الرسمي سيكون مستفيدا من البرامج التنفيذية والتي ستكون متاحة لكل السوريين.
ويقام هذا المشروع بالتعاون مع متحف اللوفر في باريس بالإضافة إلى جهات أخرى فرنسية وايطالية ودولية.
وقالت السيدة أسماء إن لدى فرنسا بعض أهم المؤسسات لدراسة وتفسير الماضي بينما لدينا في سورية بعض أهم المختبرات والمواد البحثية في العالم المتمثلة في مواقعنا وأوابدنا الأثرية ومن هنا فإن سورية وفرنسا المتطورتين ثقافيا تكملان بعضهما في هذا المجال.
واعتبرت في ختام اللقاء أن الإرث الحضاري السوري ليس فقط للآباء والأجداد بل ملك للأولاد والأحفاد إذا ما أحسنا استثماره ثقافيا وتنمويا لما فيه خير أجيال شعبنا ومستقبل أبنائه.
ثم أجابت السيدة أسماء عن عدد من الأسئلة المتعلقة بالرؤية الجديدة لقطاع الإرث الثقافي في سورية وآفاق التعاون الثقافي السوري ـ الفرنسي. من جانبه تحدث فردريك ميتران وزير الثقافة الفرنسي مؤكدا الرغبة المشتركة السورية ـ الفرنسية في تعزيز التعاون الثقافي بينهما خاصة أن لسورية طابعا ثقافيا وأثريا مميزا يعكس غناها الحضاري لافتا إلى البعثات الفرنسية التي تعمل في تنقيب الآثار وترميمها في سورية.
وقال ميتران إن زيارة الرئيس بشار الأسد وعقيلته إلى فرنسا أعطت زخما جديدا للتعاون الثقافي وتوسيعه بين المؤسسات الثقافية السورية ونظيرتها الفرنسية.
وأشار ميتران إلى الأهمية الثقافية للرؤية الجديدة لقطاع الإرث الثقافي في سورية الذي يحظى بدعم السيدة أسماء الأسد مؤكدا أن هذا المشروع يفتح المجال لآفاق واسعة للتعاون بين البلدين. أما النشاط الآخر الذي قامت به أسماء الأسد فكان متابعة لما تم إنجازه على صعيد التعاون في مجال الثقافة والتراث بين سورية وفرنسا حيث عقدت لقاء مع مديري متحف اللوفر والكلية الفرنسية للإدارة والمعهد الفرنسي للآثار ومدرسة اللوفر بحضور د. رياض عصمت وزير الثقافة واريك غراندو المستشار الثقافي والإعلامي للرئيس الفرنسي ومدير عام المؤسسات الثقافية في وزارة الثقافة الفرنسية حيث جرى خلال اللقاء بحث الرؤية الجديدة للمتاحف الوطنية والمواقع الأثرية في سورية وذلك بالاستعانة بالخبرة الفرنسية في هذا المجال. كما تمت مناقشة الاستراتيجيات وخطط العمل التنفيذية التي تم إعدادها من قبل فريقي العمل السوري والفرنسي لتجديد النظام المتحفي السوري بشكل يعكس قصة سورية بوصفها قصة لتنوع الحضارات وإبداع الانجازات الإنسانية والتي تركت أثرها على ثقافات وحضارات أخرى عديدة.
وجرى بحث موضوع تهيئة الكوادر العلمية وتطوير مناهج الإدارة المقدمة في سورية لتشمل مناهج الإدارة الثقافية وذلك لإعداد الكوادر البشرية والكفاءات القادرة على ادارة النظام المتحفي الجديد.
وكانت أسماء الأسد قد بدأت برنامجها في فرنسا بتلبية دعوة السيدة الفرنسية الأولى كارلا ساركوزي إلى مأدبة غداء في قصر الاليزيه تم خلالها بحث عدد من الاهتمامات الثقافية والتنموية المشتركة.
وقال مدير متحف اللوفر هنري لواريت إن اتفاقية التعاون الثقافي التي وقعت بين البلدين العام الماضي في مجال المتاحف تشجع على تعزيز التعاون بين متحف اللوفر والمؤسسات الثقافية السورية وان هذا التعاون يتطور بشكل فعلي وملموس بفضل دعم وإرادة السيدة أسماء الأسد حيث تمحورت المباحثات مع السيدة أسماء حول هذا الموضوع بالإضافة إلى إنشاء مشاريع ثقافية مشتركة في سورية في المستقبل.
وأشار إلى أن المجموعة السورية الموجودة في متحف اللوفر مهمة جدا وأن التعاون مع سورية يمثل شراكة حقيقية تسمح بأن يكون متحف اللوفر موجودا في بعض المشاريع بسورية وفي المؤسسات والمتاحف والمواقع الأثرية.
ورأى لواريت أن متحف اللوفر بحاجة الى سورية وأنه لا يمكن أن يكون اللوفر بدون سورية بكل حضاراتها منذ القدم وحتى عصرنا الحالي.
وأوضح أن متحف اللوفر توسع في أقسامه وطريقة تفكيره وتحركه في المجتمع حيث انشأ قسما للفن الإسلامي ويقوم حاليا ببناء قسم للفن البيزنطي وهو لمسيحيي الشرق مؤكدا أهمية أن تأخذ سورية مكانها في متحف اللوفر في هذا الخصوص. وأضاف أن اللوفر بأفكاره الجديدة بحاجة إلى التعاون الثقافي الدائم مع سورية.