هدى العبود
حملة جاءت من مواطن أوروبي فرنسي يقول فيها «اعمل بطل كرة قدم متقاعد، ولكن أقول أنا المتقاعد إيريك كانتونا، أطلق حملة وادعوكم فيها الى هدم النظام المالي العالمي، من خلال مصارفه» جملة أثارت فضولي خاصة عندما اطلعت على الفقرة الأخيرة من مطالب القائمين على الحملة وهي استشهاده بالمصارف الإسلامية ونجاحها عبر العالم من خلال رفضها القاطع لأي شكل من أشكال الربا لأسباب دينية يجب أن يكون حافزا لنا على رفض هذا الربا المدمر لأسباب مدنية ديموقراطية تتعلق بنا كمسلمين وكعرب نعلم جيدا تعاليم ديننا الحنيف.
هذا الكلام مؤكد يجب ألا يكون بعده كلام . أجل كي نتعظ في عقر أوطاننا نحن كمسلمين، ونلتفت إلى تطوير البنى الاقتصادية والمالية. بشفافية أكثر تجعل من بلداننا مثالا يحتذى في نظر العالم، ونزيل تلك النظرة الفوقية لنا بأن شبابنا يهربون بشكل غير شرعي وشرعي فقط من اجل الحياة الكريمة والحضارة التي تنتشي وتتفاخر بها تلك الدول التي تعاني من العجز المالي في مصارفها وبدء الانهيارات في بعض دول الاتحاد الأوروبي بدءا من اليونان والحبل على الجرار.
أوضاعهم وبنوكهم تعتمد نظاما ماليا واقتصاديا رأسماليا جشعا، يقوم على المضاربات الربوية في أسواقه المالية، على حساب الاقتصاد الإنتاجي الناجم عن استغلال موارد الأرض. وصاحب الحظ الأوفر في الاستغلال هذا مع الأسف العالم العربي أولا والإسلامي ثانيا. أي تحويل المواد الأولية إلى مواد مصنعة، وها هو الآن يجد في النظام المصرفي الإسلامي قدوة ومثالا يحتذى.
وتعالوا لنقف معا، ترى ماذا تعني الحملة المفتوحة التي أطلقها المجتمع المدني على مستوى القارة الأوروبية والرامية إلى حث جميع المواطنين على سحب إيداعاتهم ومدخراتهم من المصارف فورا، والامتناع نهائيا عن التعامل مع هذه المصارف الربوية، في عودة صريحة وواضحة، إلى نظام المقايضة القديم: عملة نقدية مقابل سلعة.
يعلل القيمون على الحملة: لقد فرض النظام المالي العالمي علينا منذ مطلع القرن العشرين حتى الآن قوانينه التي تجعل منه المؤتمن الوحيد على أموالنا وثرواتنا، التي حولها مع التقدم التكنولوجي إلى مجرد أرقام إلكترونية، تتحرك بأوامر منه على شاشات الكمبيوترات عبر العالم.
هذا النظام الذي يهيمن على كل مؤسساتنا الديموقراطية الحكومية يجعل منها ومن الشركات الاقتصادية المنتجة لعبة في خدمة ثراء لا ينتهي.
واعلموا ان معظم الناس الذين يتركون أموالهم في هذه المصارف لا يعرفون تماما كيف تستثمرها هذه المصارف الربوية لصالحها فقط. ولا يعرفون ماذا تعني مصطلحات مثل: الفقاعات المالية، أو سندات الخزينة، أو الأسهم الاسمية، كل ما تعرفه الجماهير الغفيرة التي تغذي هذه البنوك بأموال ناجمة عن جهدها. إن أفظع الجرائم المالية التي ارتكبت حتى الآن ظلت بلا عقاب، وان من يدفع الثمن بالنهاية هو الزبون الذي وضع كل شقائه ومستقبله في أيدي غير أمينة. ولكن بعد فوات الأوان.
ويعرفون جيدا أن القادة السياسيين الذين انتخبوهم وائتمنوهم على البلاد والعباد ورعاية مصالحهم هم في حقيقة الأمر أكثر ميلا لإرضاء شهوات أسواق المال. لهذه الأسباب مجتمعة تعالوا لنضرب هذا النظام المالي العالمي المتوحش من أكثر الجوانب حساسية لديه، وهي مصارفه الخاصة، وذلك بالامتناع التدريجي عن التعامل معها، وصولا إلى دفعها القسري نحو إعلان الإفلاس والإغلاق.
من هنا أقول نحن العرب والمسلمين تعالوا لنفكر معا ومليا، ترى ما الذي يمنع المصارف الإسلامية من أن تندمج في مجموعات كبرى لتدخل الأسواق الأوروبية بقوة بدل ترك رؤوس الأموال الباحثة عن فرص، تستثمر في شركات غربية تترنح، أو مقبلة على الانهيار؟
السوق الأوروبية متعطشة لانبثاق نظام مصرفي جديد أكثر عدالة. وقد ألمحت الحملة إلى البديل المحتمل، متمثلا بالمصارف الإسلامية التي ترفض الربا.. فهل تبادر إداراتها إلى تنظيم أطرها وأخذ الفرصة التي ربما لن تتكرر، أم ان انعدام الثقة والخوف من التعامل مع البنوك والشركات الأوروبية أعطت دروسا لا ولن تنسى من انعدام الثقة بتلك البنوك التي عملت على انهيار اقتصاد بلادها. ترى هل تفكر باقتصاد بلدان من امتصت ثرواتها عبر عقود وعقود والتاريخ خير شاهد.