بالأمس كنا نتغنى ونفتخر بأننا أبناء ابن سينا والكندي وأبي بكر الرازي، ونفاخر بأننا أحفاد الشيخ صالح العلي وإبراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش، ونقص القصص لأطفالنا قبل النوم عن الزعماء الراحلين جمال عبدالناصر وحافظ الأسد والشيخ جابر الصباح والشيخ زايد والقائمة تطول. نتحدث إليهم عن بناء بانوراما حرب تشرين في المدخل الشرقي لمدينة دمشق، وعن أهرامات الجيزة ومتحف القاهرة الذي يضاهي أكبر متاحف العالم، نظرا لما فيه من حضارة شعب مصر العظيم. ومع الأسف اليوم أصبحنا نستفيق على رئيس امتطى طيارته هاربا من بلاده بعد عشرين عاما من الظلم والقهر لشعبه. ورئيس يقبض عليه في جحر تحت الأرض ويقدم أضحية مذبوحا كبشا للعيد، مما يجعل لدى أطفالنا وشبابنا وشيابنا نوعا من الهستيريا، وكم تمنينا ان نصاب بالزهايمر ولا نرى أوطاننا تقسم كما في السودان ولا نسمع عن الطائفية المعشعشة في لبنان. وفوق كل هذا وذاك لماذا لا نتساءل، ترى لماذا الآن ظهرت وثائق ويكيليكس والحقيقة ليكس وشهود الزور على الفضائيات العربية؟! لماذا أحبنا الغرب فجأة، فقدم لنا الوجه الآخر للرؤساء؟! أليس من المخجل ان نسمع رئيس دولة عربية يدعو الولايات المتحدة الأميركية لضرب بلاده بالصواريخ. وهذا رسام يرسم كاريكاتيرا في صحيفة عربية يتندر ضاحكا بأن الطيار يخاطب زميله عبر الجو، انه يقل «رئيسا هاربا وعقيلة الرئيس الهاربة وأصهرته وأفراد عائلته» والجو يحار بهم ترى من يتصدق عليهم ويمنحهم حق اللجوء السياسي، مع الإقامة الجبرية المهم ان يبقوا على قيد الحياة ونتيجة لذلك خرجت الجماهير المظلومة لتملأ شوارع تونس، والأردن، واليمن، وبدأت «التحليلات عن حال العالم العربي، ترى الى أين وصل معدل النمو في أوطانهم الجريحة؟ وما نسب النمو المطلوبة كي يتمكن كل هؤلاء الشباب والشابات من إيجاد فرص عمل والانخراط الحقيقي يصنع المستقبل؟ وبدأت الحكومات الغربية المحبة لحقوق الإنسان، بالدعوة الى عدم استخدام العنف ناسية ومتناسية، ماذا فعلت في فلسطين والعراق وأفغانستان وسعيها الحثيث لسرقة نفطنا وثرواتنا، على مر العقود ولاتزال. وكلنا نعلم أن هذا الغرب لا يهمه من أمرنا سوى حماية أمن إسرائيل والنفط. ولذلك كانت صرخة الشاب العربي التونسي بوعزيزي الذي أشعل النار بنفسه فأشعل فتيل ثورة الجماهير العربية حقيقة قبل التونسية. حقيقة ما كانت إلا صرخة من أجل كرامة المواطن في هذه البلدان العربية، هي كرامة عربية مهانة من رؤية أهل محاصرين في غزة، ومن رؤية ستة ملايين فلسطيني يعيشون منذ أكثر من ثلاثة وستين عاما في المعتقلات الكبيرة داخل بلدهم المحتل عام 1948 وفي المخيمات، ويقتلون يوميا أمام العجز العربي سواء في العراق أو فلسطين او غزة، هذا الشعور الذي تهمله دوائر القرار الأميركية والأوروبية، لأنها تستهدف أساسا إلحاق الإهانة بالعرب معتمدين على قدرة الأجهزة الحكومية على خنق الصوت العربي. وعندما كانت إسرائيل تقصف المدنيين في بيروت عام 2006، وعندما كان مجرمو الحرب الإسرائيليون يقصفون المدنيين في غزة بالأسلحة الذكية والقنابل المحرمة دوليا، كل هذا أدى الى الغضب العربي في قلوب الملايين، وهاهو اليوم ينفجر، قائلا عبر حناجر ملايين الشعوب المقهورة، كفى لن ننسى حصار غزة، سئمنا نكبات مشابهة لنكبة 1948 وسئمنا هزائم من نوع 1967، وما هذا إلا مؤشر الى أننا عرب نريد ان نعيش بكرامتنا لا أن نعيش كالأموات ومن الذل والعار ان نحمل شعار «الخبز والماء والكرامة في وجه حكامنا».
هدى العبود