هدى العبود
لم يكن الفيتو الأميركي الأخير مفاجئا.. فهذه هي العادة.. لكنه كان مشينا فقد أجهض مشروعا مدعوما من أكثر من 100 دولة لإدانة الاستيطان الإسرائيلي.. وبذلك تكون واشنطن قد دفعت بعملية السلام إلى مزيد من التعقيدات خاصة في مثل هذا الوقت المحتقن. ورغم التبرير الذي قدمته سوزان رايس سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، الذي ادعت فيه أن معارضة الولايات المتحدة مشروع القرار لا تعني على الإطلاق تأييدها الأنشطة الاستيطانية، وأنها لا ترى مخرجا للصراع العربي ـ الإسرائيلي إلا من خلال حل الدولتين، هذا التبرير لا يمكن أن يتساوق مع هذا الفيتو، الذي سيشجع حكومة نتنياهو/ ليبرمان على التوسع في قضم الأراضي الفلسطينية، والدفع في النهاية باتجاه قبول التفاوض على الأمر الواقع.
الفيتو الأميركي الذي يأتي الآن في هذا الجو المشحون إلى حد الانفجار، يعكس ازدواجية المعايير لدى الإدارة الأميركية، التي نجدها تارة تقدم نفسها على أنها حامي حقوق الإنسان والمرجعية الأممية الكبرى لهذا العنوان، خاصة وهي تواصل بعث الرسائل إلى بعض الأقطار التي شهدت الاحتجاجات الشعبية كمصر وتونس والسودان واليمن للالتزام بحقوق الإنسان، فيما هي تسطو بهذا الفيتو الذي يشعل الضوء الأخضر في وجه إسرائيل على أبسط حقوق الإنسان.. لتتيح لإسرائيل كل الوقت لمواصلة التهامها حقوق الإنسان الفلسطيني في تراب وطنه المحتل، وهي معادلة لا تفصح عن أي نيات حقيقية لرعاية حقوق الإنسان، خصوصا إذا كان الأمر يتصل بإسرائيل.
صحيح أن الولايات المتحدة لا تخفي تحالفها مع إسرائيل، وأنها لا تتعامل إلا بلغة المصالح، مستفيدة من عجز النظام العربي على فرض قناعاته المحقة على السياسة الأميركية، لكن التعامل بمفهوم حقوق الإنسان في اتجاهين متضادين، تدان فيه الأنظمة العربية من جهة، وتنهب فيه حقوق الإنسان الفلسطيني من الجهة الأخرى.. فحقوق الإنسان لا يمكن تجزئتها أو قياسها في كل مرة بوحدة قياس مختلفة، لتتناسب مع الغايات السياسية.