- فرنسا لا ترى «تطبيقاً» للعفو بل تفاقماً للقمع وتركيا لا تتدخل في شؤون سورية
شهدت الدعوات إلى التظاهر في سورية أمس تحت عنوان «جمعة أطفال الحرية» استجابة واسعة وخرج الآلاف في عدة مدن بدءا من القامشلي وعامودا والبوكمال في الشرق وانتهاء بدرعا، وقالت وكالة الأنباء الفرنسية ان سورية شهدت أمس أضخم تظاهرات منذ انطلاق الحركة الاحتجاجية ضد النظام منتصف مارس وخصوصا في حماة حيث قتلت قوات الأمن ما يزيد عن 50 مدنيا لدى مشاركتهم في تظاهرة تكريما للأطفال الذين قضوا في قمع الاحتجاجات.
وقدر رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان ان عدد المشاركين في التظاهرة في حماة فاق الـ 50 ألف شخص، وأضاف ان مظاهرات الأمس «هي الأضخم في سورية منذ بدء الاحتجاجات بالرغم من قرار العفو الذي أصدره الرئيس الأسد، هذا يدل على ان الشعب لم يعد يثق بالنظام» بحسب الناشط الحقوقي.
وقد ارتفع عدد قتلى حماة الى 34 شخصا على الأقل وأصيب العشرات بجروح لدى إطلاق قوات الأمن النيران لتفريق متظاهرين كانوا يهتفون مطالبين بإسقاط النظام، بحسب عبدالرحمن الذي قال لـ «رويترز» «أتوقع ارتفاع عدد القتلى نظرا لأن عددا كبيرا من الناس إصاباتهم خطيرة»، وأضاف «الأرقام لا تشمل كل المستشفيات».
وأكد الناشطون ان قوات الأمن أطلقت النار «بشكل مباشر» على المتظاهرين بالقرب من مقر حزب البعث في المدينة، وقال احد الناشطين «لقد سقط بين 25 و30 شهيدا وهناك مئات الجرحى أيضا»، وأضاف «لقد قاموا بإطلاق النار بشكل مباشر على المتظاهرين ولم يحاولوا تفريقهم بالغاز المسيل للدموع، استخدموا الغاز المسيل للدموع فقط بعد ان قاموا بإطلاق النار».
واكد الناشط ان المتظاهرين كانوا يرددون «بشكل سلمي» هتافات مطالبة بالحرية وتدعو لإسقاط النظام، وتحدث ناشط آخر عن عدد اكبر من القتلى «قد يتجاوز الخمسين»، وأضاف «ما جرى مجزرة حقيقية».
في المقابل أعلن التلفزيون الرسمي السوري عن «مقتل ثلاثة مخربين خلال اقتحامهم وحرقهم لمبنى حكومي في حماة وتصدي قوات الشرطة لهم»، وفي شمال سورية، احتشد عشرات آلاف الأشخاص أتوا من المناطق المجاورة، في معرة النعمان، كما قال ناشط، وتظاهر أكثر من خمسة آلاف شخص أيضا في القامشلي ورأس العين وعامودا، كما أكد الناشط الكردي في مجال حقوق الإنسان حسن برو.
وفي الساحل الغربي، تظاهر أكثر من خمسة آلاف شخص في مدينة بانياس الساحلية (غرب) كما قال احد النشطاء، وفي الجنوب، أطلقت قوات الأمن النار في الهواء لتفريق تظاهرة في جاسم قرب درعا مهد التظاهرات، كما ذكر ناشط في مجال حقوق الإنسان اتصلت به وكالة «فرانس برس»، واحتشد آلاف المتظاهرين أيضا في دمشق والقرى المجاورة، كما قال رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان عبدالكريم ريحاوي، كما شهد عدد من أحياء دمشق تظاهرات بينها المعضمية الحجر الأسود داريا برزة ودوما في حين تشهد المدينة انقطاعا لخدمة الانترنت.
وافيد عن مقتل شخص وجرح آخرين في حي برزة بدمشق، واكدت وكالة الأنباء السورية من جهتها ان «مئات الأشخاص» احتشدوا في حماة وتحدثت عن تجمعات في محافظة ادلب، وتحدث التلفزيون السوري عن «حوالي 10 آلاف» متظاهر في مدينة أبي الفداء «حماة».
في هذه الأثناء توقفت خدمة الانترنت صباح أمس في معظم المدن وخصوصا دمشق واللاذقية، بحسب ما ذكر سكان العديد من الأحياء في المدينتين لوكالة «فرانس برس»، وقال العديد من السكان ان «الانترنت مقطوع» في دمشق منذ الصباح.
واكد ناشط حقوقي في اللاذقية «الانترنت مقطوع» أيضا، من جهتها نقلت وكالة «يونايتد برس إنترناشيونال» عن نشطاء أن المتظاهرين الذين تراوح عددهم ما بين 60 و70 ألفا انطلقوا من أحياء القصور الحاضر طريق حلب ـ الحميدية وحي جنوب الملعب وجامع السرجاوي، وتوجه المتظاهرون إلى ساحة العاصي في وسط المدينة ووقعت صدامات رشقوا خلالها الحجارة على قوات الأمن التي أطلقت القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي.
كما جرت تظاهرات في دير الزور شرق البلاد حيث انطلقت من أحياء الجورة والوادي والقصور ودوار غسان عبود وسجلت اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين، وأشارت تقارير إلى سقوط خمس إصابات نتيجة هذه الصدامات، وقال شهود عيان ان دير الزور شهدت حشودا أمنية غير معتادة قوامها الآلاف من عناصر الأمن ومكافحة الشغب والإرهاب والشرطة.
وفي منطقة البوكمال على الحدود السورية مع العراق سجلت اكبر المظاهرات منذ انطلاق الاحتجاجات في سورية ولم تشر التقارير إلى وقوع أي صدام نظرا لعدم انتشار قوات الأمن في هذه المنطقة، واللافت كان رفع المتظاهرين العلم السوري القديم الذي تتوسطه ثلاث نجمات علما أن العلم الجديد تتوسطه نجمتان، وفي حلب سارت تظاهرة محدودة مؤلفة من العشرات بحسب شهود عيان. وانطلق المحتجون من منطقة سيف الدولة ومن «جامع آمنة»، وبثت صفحات المعارضة على «فيس بوك» لقطات فيديو عن تظاهرات في كفرنبل والقامشلي حيث سمع المتظاهرون يهتفون «الشعب يريد إسقاط النظام» و«الشعب يريد دستورا جديدا» وعبارة «آزادي» التي تعني «الحرية» باللغة الكردية.
كما أكد المرصد السوري «إن مدينتي بانياس واللاذقية وبلدات جاسم وداعل وأنخل بمحافظة درعا وبلدة الميادين بمحافظة دير الزور ومدينة دير الزور نفسها وبلدات رأس العين وعامودا والقامشلي بمحافظة الحسكة شهدت تظاهرات أيضا للمطالبة بالحرية».
وأضاف «ان قياديين أكرادا انضموا لأول مرة بشكل علني لتظاهرات محافظة الحسكة ومن بينهم فؤاد عليكو القيادي في حزب يكيتي وعبدالعزيز تمو القيادي في تيار المستقبل الكردي»، وأضاف عبدالرحمن «رغم تشكيل لجنة تحقيق حول أسباب سقوط الشهداء في درعا ومدن سورية أخرى إلا أننا لم نر أي شخص يقدم للمحاكمة بصورة علنية أمام الشعب السوري حتى الآن».
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا أعلن أن السلطات السورية أفرجت بموجب العفو الرئاسي عن المعارض السوري مشعل التمو القيادي في تيار المستقبل الكردي والناشط الحقوقي مهند الحسني رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان «سواسية».
وقال المرصد أمس إن السلطات السورية «أفرجت بموجب العفو الرئاسي منذ مساء الثلاثاء الماضي عن مئات المعتقلين ومن بينهم القياديون في حزب العمل الشيوعي عباس عباس وأحمد النيحاوي وغسان حسن وتوفيق عمران والناشط محمد عوض العمار ود.تهامة معروف والمعارض محمود عيسى»، وأضاف المرصد أن مصادر قانونية أكدت «أن العمل يجري لإنهاء قضايا أكثر من 300 معتقل إسلامي وكردي كانت محكمة أمن الدولة العليا السيئة السمعة والصيت التي ألغيت في شهر ابريل الماضي أصدرت أحكاما بالسجن بحقهم».
وكرر المصدر مطالبة السلطات السورية بـ «الإفراج الفوري عن كل معتقلي الرأي والضمير في السجون والمعتقلات السورية».
على صعيد ردود الفعل الدولية أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أمس ان فرنسا لا ترى «بداية لتطبيق» للعفو الذي أصدرته السلطات السورية، وإنما «ازدياد» لانتهاكات حقوق الإنسان، وقال المتحدث باسم الوزارة برنار فاليرو في ندوته الصحافية «على رغم الإعلانات عن العفو ورفع حالة الطوارئ التي لم نر بداية وضعها موضع التنفيذ، تستمر الانتهاكات الكثيفة لحقوق الإنسان والحريات وتتفاقم».
وأضاف المتحدث ان «سكان بضع مدن سورية ولاسيما الرستن وتلبيسة ودرعا، يواجهون في هذا الوقت أوضاعا غير إنسانية: فهم محرومون من الماء والمواد الغذائية والكهرباء والخدمات الصحية، ويتعرضون لعمليات قتل واعتقالات عشوائية بما في ذلك في المستشفيات».
وقال المتحدث ان باريس «تدعو السلطات السورية الى وقف اعمال العنف الوحشية هذه، وتطبيق إصلاحات تتسم بالمصداقية وإجراء حوار سياسي وطني شامل، وتدعو شركاء سورية إلى حشد جهودهم للتنديد بالأعمال غير المقبولة التي يجب ان تتوقف».
من جهته اعتبر وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو ان تركيا تعتمد سياسة متوازنة فيما يتعلق بسورية والمنطقة، وقال داوود أوغلو «نريد الأفضل لسورية ولا نريد التدخل بشؤونها الداخلية».
واشار إلى ان تركيا ستكون على رأس الدول التي تتأثر بجو الفوضى في سورية لذا رأى انه من المستحيل بالنسبة لبلاده ألا تبالي بالتطورات وتشجع خطوات إيجابية مثل إعلان الرئيس السوري بشار الأسد العفو العام، وأشار إلى ان اجتماع المعارضة السورية في انطاليا قد يزعج الإدارة السورية لكن تركيا بلد ديموقراطي.
وكرر الموقف التركي القائل ان بإمكان المجموعة المؤيدة للأسد أن تجتمع على الأراضي التركية »وما من أحد سيمنع ذلك بل نريد أن تكون تركيا بلدا تجتمع فيه كل الأطراف وتتمازج فيه كل الآراء»، وأكد داود أوغلو ان تركيا متفائلة على المدى الطويل لكن مثل هذه الاضطرابات يمكن أن تحصل.