الغارات الجوية الأميركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) اقتصرت على العراق وانحصر هدفها في حماية المصالح الأميركية ومنع ارتكاب مجازر ضد الأقليات. وكان لهذه الغارات هدف آخر غير معلن هو رسم خطوط الصراع والكيانات ومنع تقدم «داعش» باتجاه كردستان العراق، والدخول مجددا على خط العراق من باب الشراكة الأمنية والسياسية مع إيران وعلى قاعدة تغيير قواعد اللعبة وإقامة توازنات جديدة تعطي السنة حيزا أكبر وتحت غطاء التفاهم الإيراني السعودي الموضعي في العراق وضد «داعش».
في العراق لا يعترض التدخل الأميركي الجوي عقبات وصعوبات والأمور وضعت «على السكة»، ولكن مشكلة «داعش» لا تنحصر في العراق ولا تنتهي بمجرد ضربات جوية محدودة لا تغير جذريا في الوضع على الأرض، وليست كافية لتدمير «داعش» وإنهائها. والقناعة الراسخة لدى الأميركيين أن الهجمات الجوية ستكون محدودة الأثر إذا لم تتوسع باتجاه سورية ولم تحدث على جانبي الحدود السورية ـ العراقية التي لم تعد موجودة، وأن الاستراتيجية الأميركية في العراق لن تكون فاعلة من دون التوسع بها نحو سورية.
من الواضح أن الولايات المتحدة شرعت في وضع الأطر السياسية والعسكرية لحرب لابد منها أميركيا ضد «داعش».
ولكن قرار توسيع العمليات العسكرية الجوية باتجاه سورية مازال موضع درس ومراجعة نظرا للتعقيدات السياسية والعسكرية والميدانية الموجودة في سورية، والتي يصعب تخطيها على النحو الذي جرى في العراق، ويمكن اختصارها في أبرز النقاط والمسائل التالية:
1- مسألة النظام السوري والموقف الأميركي منه: هل بمقدور واشنطن أن تضرب في سورية من دون التنسيق مع حكومتها؟ وكيف السبيل لحل هذه الإشكالية وهذا التعارض بين الموقف العسكري الذي يدفع باتجاه التنسيق والموقف السياسي المقاطع للنظام والرافض لاستمراره؟ وكيف السبيل الى الحؤول دون أن يصب التدخل الأميركي في خدمة النظام؟
2- مسألة الموقف السني العام في سورية والمنطقة: إذا كانت واشنطن مقتنعة بأن محاربة «داعش» غير ممكنة من دون تعاون وتنسيق مع الدول السنية في المنطقة (السعودية ومصر والأردن. وتركيا)، ومن دون مشاركة ميدانية من العشائر السنية في العراق وسورية لأن لا نية ولا خطط أميركية بإرسال قوات برية، هل هي مستعدة للتجاوب مع مطلب هذه الدول بإزاحة الأسد وأن يتكرر في سورية ما حدث في العراق بإزاحة المالكي؟ وهل تملك واشنطن أجوبة عن أسئلة وخشية لدى هذه الدول والمجموعات من أن تجعل الحرب من الأسد شريكا أو بديلا ضد «داعش»، ومن أن تفتح المعركة ضد «داعش»، العدو المشترك، الطريق أمام اعتراف أميركي متجدد بالنظام السوري؟
3- دور إيران في الحرب الأميركية ضد «داعش» وموقفها من شروط التدخل الأميركي في سورية: هل يفرض توسيع الضربات الأميركية باتجاه سورية توسيعا للتفاهم الأميركي الإيراني بحيث يمتد من العراق الى سورية؟ وهل هذا التفاهم مشروط بالتخلي الإيراني عن الأسد كما حصل مع المالكي؟ وهل الأسد بالنسبة لإيران مثل المالكي أم أن التخلي عنه غير مطروح لديها لأنه جزء من استراتيجيتها في المنطقة وكل الوضع السوري مرتبط بشخصه؟
4- دور تركيا التي تحتاجها أميركا أكثر من أي دولة أخرى في غاراتها على سورية: ودور روسيا التي تحتاج أميركا إليها «استخباراتيا وديبلوماسيا» في مجلس الأمن الذي سيوفر الغطاء والسند الدولي لهذه الغارات: هل يقوم تفاهم أميركي روسي حول الأزمة السورية بمعزل عن أزمة أوكرانيا؟ أم أن باب المقايضة بين الأزمتين فتحته «داعش»؟ أسئلة كثيرة مطروحة والأجوبة عليها تباعا مع تبلور الصورة والمعطيات. وللبحث صلة.