النقل الداخلي، لاسيما في مدينة دمشق، لم يعد مقبولا سيما ونحن نطل على العام العاشر من الألفية الثالثة. المشهد العام لهذه الوسائط التي تتحرك عبر شوارع العاصمة، وكأنها وحوش صغيرة منفلتة من عقالها، لم يعد لائقا لمدينة بوزن ومكانة دمشق على خارطة المنطقة العربية: سرافيس مهترئة، يستوجب الدخول إليها والخروج منها، ثني العمود الفقري بزاوية لاتقل عن 90 درجة، تسبب الكثير من الآلام للكهول والنساء والمسنين.هذا فضلا عن ترقيع مقاعدها من الداخل وعدم ثباتها واحترام حد أدنى من مسافات الراحة الفاصلة بين كل مقعد. والأهم من كل ذلك مزاجية القائمين عليها، لكونها ملكيات فردية خاصة لا تخضع لقانون وأخلاقيات محددة، بقدر ما تخضع لقوانين ومزاجيات مالكيها وسائقيها.
هذا ليس كل شيء، هناك إعادة تعمير باصات النقل الداخلي القديمة المنسقة، وقد عهد استثمارها من قبل مجلس المحافظة، لتحتل خطوطا تخترق المدينة بكل ماتعنيه من ملوثات بيئية وصوتية وبصرية.
وزارة النقل تعتبر نفسها غير معنية في كل ما نكتبه بهذا الخصوص، متسلحة بذريعة أنها فوضت مجالس المحافظات بالتصرف في مسائل النقل العام بين المدن وداخلها، في اعتراف صريح بعدم مسؤوليتها عن تردي خدمات نقل الركاب إلى مستويات لم تعد مقبولة بكل المقاييس. ولعل أمر إلقاء تبعات هذه المسألة الحساسة على مجالس المدن، التي لا يتحسس أعضاؤها جوانب المشكلة لبعدهم عن أوجه المعاناة الشخصية منها، كونهم لا يستخدمون أصلا هذه الخدمة، لا يعفي الوزارة من مسؤوليتها الأخلاقية، مادام أن الطرف الذي تم تفويضه وائتمانه على هذه المسألة لا يقوم بواجباته كما يفترض. وانطلاقا من العرف القانوني القائل: «إذا حضر الأصيل بطل دور الكفيل» فإننا نهيب بوزارة النقل إعادة النظر في أمر تفويضها، أو على الأقل تشكيل لجنة تقييم لعمل مجالس المحافظات، والحكم على احترامهم لمعايير الوزارة في هذا الشأن الحيوي والحساس.
في معظم دول العالم المتقدمة، يمنح حق استثمار خطوط النقل الداخلي في كل مدينة لشركة كبرى، قادرة على تلبية شروط الوزارة المعنية في الرفاهية والسعر المنافس، وتقديم بطاقات اشتراك أسبوعية ونصف شهرية وشهرية، تخول حاملها التنقل على كافة الخطوط التابعة للشركة بغض النظر عن مرات الاستخدام اليومي. وكذلك احترام الشروط البيئية في الحد المسموح من انبعاث الغازات السامة داخل وفي محيط المدينة، إلا في مدننا التي تصر مجالس مدنها على ترك هذه المسألة الحضارية جدا لأفراد يرتجلون ما يتراءى لهم على أنه الأنسب لجيوبهم، وجيوبهم فقط، إلى حد استخراج حافلات من مقابر الخردة، وإعادة تعميرها بوجه من الطلاء، ووضعها في الخدمة، بعد أن أصبحت التسعيرة الرسمية مغرية جدا. فهي من موقف إلى موقف تسع ليرات سورية، وبالتطنيش عن الليرة تصبح عشر ليرات. لكنها تشكل في نهاية اليوم فاقدا إضافيا من جيوب المستخدمين يشكل كتلة مالية تقدر بنصف مليون ليرة سورية، تذهب يوميا لجيوب مستثمري هذه الخطوط خارج أي ضريبة، بحجة عدم وجود قطعة من فئة الليرة.
إذا كان هذا هو حال النقل في العاصمة، فكيف هو في باقي المدن البعيدة عن رقابة الوزارات المعنية؟