يقول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في أول موقف له من الضربة الأميركية على سورية ان هذه الضربة لم تحقق أهدافها المفترضة سواء لجهة التهويل من أجل الخضوع والابتزاز وتقديم التنازلات، أو كسر معنويات السوريين وحلفائهم، أو خصوصا لجهة تغيير المعادلة لمصلحة إسرائيل.
في رأي نصرالله، الضربة لن تؤدي إلا الى تأزيم العلاقات الدولية وتعقيد مسار جنيف ان لم يكن نسفه.
هذا التقييم من جهة حزب الله يلتقي ويتقاطع مع تقييم إسرائيل التي استنتجت أيضا أن الضربة لم تغير شيئا، وأنها لم ترفع إلا بطاقة صفراء باهتة جدا بوجه اعداء اسرائيل، وأن هذه الهجمات لم تضعف الأسد وإنما زادته قوة وجرأة ويقينا من أن موسكو ستقف الى جانبه دائما.
وبالنتيجة، فإن الهجوم الأميركي كان مجرد عملية محدودة وحذرة من دون أي مخاطرة يمكن أن تدفع الى اشتباك مع الروس، والضرر الفعلي الذي نجم عنه كان على نقيض مع الخطاب المرتفع لدونالد ترامب.
وفي تقيم وآراء خبراء أميركيين ومسؤولين سابقين ما يصب في هذا الاتجاه أيضا: الضربات الصاروخية لن تترك أثرا يذكر على الموقف من سورية بشكل عام، وقد تقنع بوتين بمنع الأسد في استخدام المزيد من الأسلحة الكيماوية وليس أكثر من ذلك.
إدارة ترامب لم تتحرك لإضعاف النظام وضرب قدراته الجوية، وليس هناك من تغيير ملحوظ في السياسة الأميركية حيال سورية، وإزاحة الأسد لا تشكل أولوية والضربات قد توجه رسالة الى الأسد مفادها أنه لا يحق له شن هجمات كيميائية ولكن إذا أراد القيام بكل ما تبقى فيمكنه أن يفعل.
من الواضح انه ليس هناك من استراتيجية واضحة في سورية، ولكن الرسالة الأميركية من وراء هذه الضربة هي رسالة واضحة في اتجاه روسيا أولا، ترامب لا يهدف من وراء ضربات كهذه الى قلب موازين القوى، وإنما يهدف الى التأثير على ورقة القوة التي يتسلح بها بوتين لمقارعة أميركا وأوروبا وتعديل النظام الدولي، فما يريده ترامب من وراء الضربة هو تغيير قواعد اللعبة التي أرساها بوتين عاملا على تقويض القرارات الدولية ومعولا على الحسم العسكري وعلى تحالف مع إيران وتركيا صاحبتي النفوذ على الأرض، وما تسعى إليه إدارة ترامب هو وقف كل المسارات التي نهجتها موسكو ووضع حد لطموح بوتين في استخدام سورية منصة انطلاق الى المنطقة كلها، خصوصا أن هناك اتهامات أميركية لموسكو بأنها خرجت على تفاهمات أبرمتها العام الماضي مع واشنطن وقضت بتقسيم سورية مناطق نفوذ في انتظار نضوج التسوية السياسية، وما حدث أن موسكو فتحت مسار أستانة وقررت مناطق خفض التوتر وسمحت لأنقرة بالتوغل في شمال سورية وعفرين، وغضت الطرف عن دعوات إيران الى «تحرير» شرق سورية حيث التواجد الأميركي، وأعطت الضوء الأخضر للنظام للحسم في الغوطة الشرقية.
اما الروس فهم قلقون من هذا المنحى الأميركي الاعتراضي على دور روسيا وابتعادها عن تفاهمات سابقة خصوصا فيما خص التمدد الإيراني.
الروس يحذرون من أن الضربة هدفها تدمير العملية السياسية برمتها في سورية ويقصدون بذلك خطة بوتين ومشروعه هناك.
وهم يتوقعون استمرار الغرب في دفع العلاقات مع موسكو نحو مزيد من التصعيد.
وإذا كانت المواجهة العسكرية خيارا مكلفا وكارثيا، فإن الحرب الديبلوماسية الاقتصادية ستكون البديل.
أما في سورية، فكان واضحا من خلال «الهجوم» عدم استعداد الأميركيين والأوروبيين لإخلاء الساحة السورية أو القبول بالتموضع خارج اللعبة، وعلى النحو الذي ظهر أخيرا في قمة بوتين ـ أردوغان ـ روحاني في أنقرة.
إذا توقفت الضربة الأميركية عند هذا الحد مع وجود رغبة ومؤشرات لدى واشنطن بأنها لمرة واحدة ولن تتكرر، السؤال بات الآن: ماذا بعد هذه الضربة، وكيف سيتطور الوضع على المستوى الأميركي ـ الروسي؟!
الأوساط القريبة من دمشق تفيد بأن ما بعد الضربة مثل ما قبلها، وأن النظام وحلفاءه سيواصلون تنفيذ الأجندة العسكرية المقررة. وبعد حسم معركة الغوطة سيكون التحرك في اتجاه ريف حمص لحسم الوضع في «بؤرة تلبيسة الرستن»، ولاحقا التحرك صوب درعا، وفي المستقبل صوب إدلب.
الأوساط الديبلوماسية الأوروبية في بيروت تتحدث عن نتيجة مباشرة للأحداث هي تعزيز فكرة بقاء القوات الأميركية شرق نهر الفرات، بعدما كان ترامب طلب خططا للانسحاب، مع تعزز فكرة تعاون الدول الثلاث شمال سورية وشمالها الشرقي في المرحلة المقبلة على قاعدة البقاء الأميركي لأمد مفتوح، ومنع استعمال الكيماوي ومنع ظهور «داعش» مجددا، وتقليص نفوذ إيران والضغط باتجاه عملية الانتقال السياسي.
إذا كانت الأسئلة المطروحة الآن هي من نوع: هل تمضي إدارة ترامب فعلا في سياسة الانخراط بدلا من الانكفاء والانسحاب؟! وهل يدفع الخيار العسكري أميركا وروسيا الى تفاهمات جديدة في شأن سورية تتناول مستقبل نظام الأسد والوجود الإيراني؟! وهل تعود موسكو الى قاعدة جنيف كقاعدة وحيدة لحل سياسي؟! فإن الإجابة عن أسئلة كهذه ليست متوافرة حاليا.
ما يمكن تأكيده هو أن روسيا المدعوة الى تغيير سلوكها وسياستها في سورية يصعب عليها أن تغير، وأن تسلم بتقليص دورها في سورية بعد كل الجهود التي بذلها بوتين وبعدما باتت سورية قاعدة انطلاق وتأثير في المنطقة والعالم.
وما يمكن توقعه وافتراضه هو أن الضربات العسكرية عززت فرضية وظروف العودة الى العمل الديبلوماسي ومساعي العملية السياسية، ومن غير المستبعد أن تميل واشنطن الى فتح حوار مع موسكو والى إعادة تحريك مسألة اللقاء بين ترامب وبوتين، وبوساطة فرنسية هذه المرة، وعلى قاعدة ممارسة الضغوط على الطرفين: على واشنطن من جهة لإقناعها بالحاجة الى ان تبقى منخرطة في البحث عن حل في سورية وليس الانسحاب في أقرب وقت، وفق ما يريده ترامب الذي سيلتقيه ماكرون الأسبوع المقبل في واشنطن.
والضغوط من جانب آخر على موسكو لإفهامها أن الانتصارات العسكرية التي حققتها في سورية لن تكون كافية، وهي عاجزة عن ترجمتها لانتصارات سياسية، والدليل على ذلك عزلتها في مجلس الأمن كما ظهرت ليل الجمعة السبت، حيث لم يقف الى جانب مشروع قرارها سوى دولة واحدة، وكذلك فشل كل دورات مؤتمري «أستانة» و«سوتشي» في تحقيق نتائج ملموسة.