في موازاة الصراع المحتدم بين أميركا وإيران بعد القرار الأميركي الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات جديدة على إيران، وفي خضم التوتر المتصاعد بين إسرائيل وإيران في سورية، رصدت حركة روسية لافتة وناشطة في الآونة الأخيرة تمثلت في لقاء القمة الثلاثي في تركيا (بوتين روحاني أردوغان)، وفي لقاءين مهمين عقدهما الرئيس بوتين تباعا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس السوري بشار الأسد.
زيارة نتنياهو الى موسكو تمت تحت عنوان رئيسي هو «لن نسلم المنظومة الصاروخية الدفاعية «أس ٣٠٠» الى سورية»، وبرز على جدول أعمالها بند عريض هو: «الوجود الإيراني العسكري في سورية».
وزيارة الأسد تمت في ظل موقف روسي مستجد هو الدعوة الى انسحاب كل القوات الأجنبية من سورية.
بدت موسكو معنية بخفض حدة الاحتقان والتوتر بين إيران وإسرائيل ومنع الانزلاق الى حرب مفتوحة، لأن أي انفجار واسع للوضع في سورية يمكن أن يقوض الجهود الكبرى التي بذلت على مدى عامين.
ولذلك فإن موسكو، وبعدما كانت أعلنت إثر الضربة الغربية الثلاثية على النظام، أنها ستقوم بتسليم أنظمة «أس ٣٠٠»، أعادت النظر في موقفها وجمدت الأمر لطمأنة إسرائيل التي تصرفت بعد زيارة نتنياهو كما لو أنها حصلت على ضوء أخضر من روسيا لمواصلة غاراتها وضرباتها الصاروخية في سورية. ولذلك طاولت الضربات الإسرائيلية مواقع يوجد فيها إيرانيون أو موالون لهم.
يقول محللون إسرائيليون إن هدف زيارة نتنياهو، وهي الثانية التي يقوم بها إلى موسكو في أقل من نصف سنة، التوصل إلى تفاهمات واضحة مع الجانب الروسي حول سبل مواجهة المحاولات المكثفة لإيران لتعزيز مواقعها في سورية.
إضافة الى الوجود العسكري الإيراني المتعاظم في سورية والتطورات التي تشهدها المنطقة الحدودية الشمالية لإسرائيل، بحث نتنياهو مع بوتين في موضوع «الاتفاق النووي» بعد إعلان ترامب الانسحاب منه، ذلك أن إسرائيل تدرك أن أي عقوبات اقتصادية سيتم فرضها على إيران لن تحقق ثمارها المأمولة من دون إجماع دولي عليها، من ضمنهم روسيا التي يمكن أن تلعب دورا مؤثرا في هذا المسار. كما تتخوف إسرائيل من أن تؤدي دينامية التطورات إلى تصعيد واسع في المنطقة.
وتستند إسرائيل في مقاربتها إلى أن ترامب لم يقدم بديلا عن الاتفاق الذي انسحب منه، خصوصا أن فشل محاولة إعادة فرض عقوبات دولية على إيران سيحشر تل أبيب وواشنطن أمام خيارات بديلة، وتحديدا بعدما تبادر إيران إلى الرد عبر إعادة تخصيب اليورانيوم. وتحاول تل أبيب أن تكون واقعية في مقاربة موقف موسكو التي لها دورها ومصالحها.
أما زيارة الأسد الى روسيا، فقد جاءت وسط دينامية عسكرية إقليمية تشهدها سورية بعد حسم آخر المعارك الداخلية في محيط دمشق، وفي وقت مازالت الدينامية السياسية مفقودة.
هذه الزيارة جرت تحت عنوان مثير هو مطالبة بوتين بانسحاب القوات الأجنبية (بعد أميركا وفرنسا وتركيا وإيران) من سورية بعد انطلاقة العملية السياسية. زيارة الأسد هي الثالثة الى روسيا في غضون ثلاث سنوات.
الزيارة الأولى حصلت العام ٢٠١٥ بعد عشرين يوما فقط على بدء التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية.
العقدة أمام موسكو كانت في إقناع النظام على السير في المسار السياسي لسوتشي، أي تشكيل لجنة دستورية من قبل المبعوث الدولي ستافان ديمستورا.
وكان لافتا، أن الأمر تطلب لقاء بين بوتين والأسد الذي وافق على إرسال قائمة من مرشحين إلى اللجنة الدستورية لتعديل الدستور الحالي، مع تجنب ذكر مفاوضات جنيف.
ولم يكن هذا الخلاف الوحيد بين موسكو من جهة وطهران ودمشق من جهة أخرى، ذلك أن الخلاف الآخر الذي استدعى لقاء بوتين والأسد، يتعلق بمرحلة ما بعد الغوطة.
بحسب المعلومات، فإن موسكو تفضل التزام «هدنة الجنوب» مع أميركا والأردن.
وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بحث مع نظيره الروسي سيرغي لافروف ترتيبات معينة لجنوب سورية، تتعلق بفتح معبر نصيب الحدودي وتجنب العمل العسكري وتحييد السلاح الثقيل وانسحاب ميلشيات إيران إلى مسافات متفق عليها تصل إلى ٢٥ كيلومترا من الحدود ومحاربة فصائل «الجيش الحر» تنظيمي «جبهة النصرة» و«جيش خالد» التابع لـ «داعش». لكن طهران تدفع النظام للذهاب عسكريا إلى جنوب غربي سورية والسيطرة عليها، وهما يعتقدان بأن لديهما إمكانية الردع العسكري لإسرائيل في حال تصاعدت المواجهات في الجنوب، ما يعتبره الجانب الروسي مغامرة فيها الكثير من المخاطر، قد يستغلها نتنياهو بتصعيد عسكري لتصفية الحساب ومنع أي موطئ قدم إيراني في سورية.
مصادر متابعة للحركة الروسية تلخص الوضع في هذه النقاط:
٭ يأمل بوتين في تحقيق الاستقرار داخل سورية تحت قيادته المنفردة، وهذا خيار يعارض التطلعات الإيرانية في استخدام الأراضي السورية كنقطة انطلاق لمواجهة الولايات المتحدة.
٭ لا يرغب بوتين في إقصاء إيران بالكامل عن مركز القرار في سورية، ولكنه غير مستعد لمنحها المجال الذي تصبو إليه فيها.
٭ الضغوط تزداد على إيران والمشكلات تتراكم عليها داخليا وإقليميا. ولن يكون ما يحصل في سورية أقل تأثيرا على إيران من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.
وثمة إشارات كبيرة الى أن موسكو التي حاربت مع طهران جنبا الى جنب دفاعا عن النظام السوري، تنأى بنفسها عن المواجهة بين إيران وإسرائيل، حتى أنها لم تتحرك لردع الهجوم الإسرائيلي الأخير الواسع على قواعد ومواقع إيرانية.
٭ روسيا لا تريد الحرب ولها مصالح، أما طلباتها من كل الأطراف المشاركة في الحرب السورية فهي: عدم مهاجمة القوات الروسية في سورية. حياة الروس يجب أن تكون محمية. أيضا: لا تأخذوا المنطقة إلى الحرب، ثم الإبقاء على بشار الأسد في السلطة. هو الآن يساعدهم، أما إذا تحداهم فسيتخلون عنه.
يريد الروس وجودا لهم في المنطقة، والمعادلة المطروحة في نظرهم: إسرائيل لأميركا وسورية لروسيا.