كثف تنظيم داعش في الأسابيع الأخيرة هجماته ضد مواقع قوات النظام السوري وحلفائه في البادية السورية، في عمليات متتالية يرجح محللون أن تكون غيضا من فيض ما يخطط له في الفترة المقبلة.
وبرغم الخسائر الميدانية الكبرى التي مني بها في سورية والعراق المجاور، لايزال التنظيم المتطرف قادرا على التسلل وتوجيه ضربات موجعة لخصومه، وأسفرت هجمات مفاجئة نفذها منذ مطلع الشهر الجاري في البادية السورية عن قتل العشرات من قوات النظام والمسلحين الموالين لها.
وبعد ستة أشهر على طرده منها، تمكن مقاتلوه الجمعة وإثر سلسلة عمليات انتحارية من اقتحام مدينة البوكمال الحدودية مع العراق، وخاضوا فيها مواجهات عنيفة ضد قوات النظام وحلفائها لأيام قبل أن ينسحبوا منها أول من امس. ويقول الباحث نوار أوليفر من مركز عمران للدراسات، ومقره اسطنبول، لوكالة «فرانس برس»: «عندما أعلن النظام السوري أو الحكومة العراقية أنهما تمكنا من دحر التنظيم، لم تكن تلك التصريحات دقيقة».
ويوضح أن النظام السوري بدعم من حلفائه «تمكن من طرد التنظيم من مدينة دير الزور والبوكمال والميادين وتدمر، لكنه لم يتمكن من القضاء عليه في البادية، وهذه هي مشكلته الرئيسية اليوم».
وتعد المناطق الصحراوية الأكثر مناسبة لمسلحي التنظيم للتواري عن الأنظار وشن هجماتهم، بعدما باتوا يسيطرون على نحو 3% من الأراضي السورية فقط. ويتبع داعش بشكل أساسي تكتيك التسلل ضد مواقع قوات النظام وحلفائها، قبل أن يشن عمليات انتحارية إن كان عبر العربات المفخخة أو «الانغماسيين». وأحيانا كثيرة، يشن هجمات متوازية على أكثر من جبهة لتشتيت خصومه.
وكثف التنظيم خلال الأسابيع الماضية من وتيرة عملياته بعد إجلاء المئات من مقاتلين من أحياء في جنوب العاصمة دمشق كانوا يتحصنون فيها منذ العام 2015.
ووثق المرصد السوري لحقوق الانسان الأسبوع الماضي مقتل العشرات من قوات النظام وحلفائها بينهم مقاتلون روس وايرانيون، جراء هجمات متفرقة للتنظيم في البادية وخصوصا جنوب مدينتي البوكمال والميادين في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي.
وينظر مقاتلو التنظيم الى هذه الهجمات على أنها «انتصار»، بينما يعملون على التخطيط لهجمات اخرى في الفترة المقبلة، وفق أوليفر الذي يقول «ستتواصل الهجمات انطلاقا من الصحراء لتستهدف حقول وأنابيب النفط والطرق الرئيسية وحتى المعابر الحدودية، ما سيسبب صداعا هائلا لأي حكومة».
في شرق سورية، يتواجد التنظيم المتطرف في البادية السورية في جيب بين مدينة تدمر الأثرية (وسط) وجنوب البوكمال. كما في منطقة محدودة على الجهة المقابلة للبوكمال عند الضفة الشرقية لنهر الفرات الذي يقسم محافظة دير الزور إلى قسمين.
في العام الماضي، خسر التنظيم سيطرته على مدينتي البوكمال والميادين الواقعتين في محافظة دير الزور الحدودية مع العراق اثر هجوم نفذته قوات النظام بدعم روسي وإيراني تمكنت بموجبه من السيطرة على الضفاف الغربية لنهر الفرات. وبموجب هجوم منفصل بدعم من التحالف الدولي، انتزعت الميليشيات الكردية المسيطرة على قوات سوريا الديموقراطية (قسد) من التنظيم الضفاف الشرقية للفرات، حيث بات وجوده يقتصر على قرى محدودة. وتخوض تلك القوات معارك وان كانت محدودة لطرده من تلك القرى الحدودية الأخيرة. ويتوقع الباحث في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط حسن حسن أن «يبقى شرق سورية وشمال شرق العراق نقاط ضعف البلدين وحيث سيواصل التنظيم نشاطه لسنوات عدة مقبلة».
ويقول لـ «فرانس برس»: «يعرف التنظيم المنطقة جيدا وقد أنشأ بنية تحتية لتمرده وسط الصحراء والوديان وفي المناطق الريفية الممتدة من كركوك وديالى في العراق الى منطقة القلمون» في ريف دمشق.
ولا يستطيع خصوم التنظيم في البلدين، وفق حسن، «إدارة وضمان أمن هذه المناطق بطريقة مستدامة».
ولا يستبعد الناشط عمر أبو ليلى، المتحدر من دير الزور وجود تنسيق بين مقاتلي التنظيم المتطرف على طرفي الحدود عبر «حركتهم الخفية في الصحراء وربما من خلال تنكرهم كسائقين محليين».
في سورية، يشرح مدير المرصد السوري رامي عبدالرحمن لـ «فرانس برس» أن «مقاتلي التنظيم أكثر دراية بطبيعة البادية الجغرافية وتلالها من قوات النظام المنتشرة في نقاط متباعدة، وهو ما يجعل الاخيرة تعتمد بالدرجة الأولى على سلاح الجو في مواجهة التنظيم».
وبالإضافة إلى شرق البلاد، شكل هجوم داعش الأسبوع الماضي ضد قوات النظام في بادية محافظة السويداء جنوبا مفاجأة جديدة ألقت الضوء على تواري مسلحيه في منطقة تعد من الأماكن القليلة التي بقيت الى حد ما بمنأى عن المعارك والهجمات خلال سنوات النزاع.