- تقاذف المسؤوليات والحلم السوري
هدى العبود
ما زلنا نحلم وما تزال السوق العقارية، بكل ما يتصل بها من تشريعات وقوانين صدرت، محفزة للقطاع الخاص والتعاوني على الاستثمار فيها، تعاني من اختناقات تحد من تطورها، وبلوغها درجة التناغم مع إيقاع الطلب، الذي ما تزال وتيرته أسرع تقدما، مما ينجز على أرض الواقع حتى الآن.
نخص بالذكر قطاع السكن الذي يشارك فيه القطاع العام، ممثلا بمؤسسة الإسكان، والقطاع الخاص، والجمعيات التعاونية. وهي رغم اختلاف توجهاتها الاجتماعية، إلا أنها تشترك جميعا في ميزة واحدة: الإيقاع البطيء في التنفيذ، وهدر الوقت والإمكانات المادية والبشرية، وغياب الخطط والبرامج، القائمة على تعداد واقعي لتنامي سكان المدن الكبرى.
في كل مرة يقدم أحد ما على «حشر أنفه» في هذا الملف الشائك، تتعالى الأصوات معترضة، أو معلقة، وربما يذهب بعضها إلى ما هو أبعد من ذلك. ليبدأ بعدها فصل تقاذف المسؤوليات، وإلقاء التبعات.
الجمعيات التعاونية تنسب عجزها عن الوفاء بوعودها أمام أعضائها، إلى وزارة الإدارة المحلية، تارة في تأخرها بإنجاز الدراسات اللازمة بتخطيط الضواحي المحيطة بالمدن، وتسليمهم المحاضر في مواعيدها المقبولة، وأخرى بتقاعس البلديات المحلية عن أداء دورها، في إنجاز البنى التحتية والمرافق العامة، التي لابد لأي مشروع بناء أن يقوم من دون توفرها.
الإدارة المحلية تقذف المسؤولية عنها، متذرعة بالتأخر المزمن في صدور قرارات الاستملاك، التي لابد منها، كخطوة أولى، لإعداد دراسات التوسع العمراني.
أما القطاع الخاص الذي يبقى اللاعب الأساسي في تلك السوق، نظرا لمرونة القوانين التي يعمل بموجبها، فهو المستفيد الأكبر من استمرار تقاذف المسؤوليات بين الجهات العامة نفسها من طرف، والقطاع التعاوني من طرف آخر، ليحكم الخناق على حركة التداول في هذا القطاع وفق منظومة أسعاره التي لا تستند إلى أي منطق في حساب التكاليف والأرباح. وطبعا خارج رقابة الدولة، ممثلة بأجهزتها المالية التي لا تستفيد بدورها من حجم التداولات الهائلة في هذا القطاع بسبب تخلف أنظمتها حتى الآن عن استيفاء الرسوم عن أي واقعة بيع تتم بسعرها الحقيقي.
ما الذي يمنع من إنجاز التشريعات الكفيلة بتسهيل استملاك الأراضي أو تخطيط مدن إضافية ضمن أراضي أملاك الدولة حول المدن الكبرى ومدها بشبكة مواصلات سككية أو تحقيق حلم المترو الدمشقي أو الحلبي وأقصد في المدن الكبرى سواء أكان تحت الأرض أم فوقها كما هو الآن في الشقيقة تونس العاصمة وطرحها كمشاريع استثمارية على الشركات العمرانية الكبرى؟
إن في تدهور بعض البورصات العربية المرتبطة بأسواق الأوراق المالية وسندات الخزينة الأميركية، فرصة مواتية جدا لجذب تلك الإيداعات المالية إلى قطاع البناء في سورية، كونه سوقا عطشى وما زالت بكرا، وتحتمل دخول العديد من شركات البناء سواء العربية منها أو الأجنبية الكبرى فهل يشبع تجار العقار في سورية أم أن سعر العقار الذي وصل المائة مليون ليرة سورية لم تعد ترضي أطماعهم التي ضاق بها المواطن وليعلموا أن التاريخ يسجل ولا ينسى فهل يسمعنا مسؤولونا أم أنهم شركاء في الحقيقة المرة وآخر همهم المواطن والمهم المدام ومتطلباتها؟!