القانون المتخم!
كما في كل مرة يصدر فيها قانون انتظرته شرائح واسعة من الناس لسنوات طويلة، يتضح أثناء التطبيق العملي، بعد فترة وجيزة، أنه كغيره من القوانين المماثلة، مليء بالمثالب والثغرات، أو الفقرات الغامضة، التي تحتاج، كما في كل مرة، للائحة توضيحية، يصدرها الوزير المختص في وقت لاحق، كي تساعد أجهزته التنفيذية على حسن تطبيق بنوده.
عكف مجلس الشعب على مناقشة قانون «التطوير والاستثمار العقاري». وتقول الأنباء الواردة من تحت قبته، ان هذا القانون قد أخذ بعين الاعتبار الحاجة الملحة لدفع عملية البناء، وتفعيل دور القطاع الخاص الإنشائي في هذا المجال، بهدف تأمين مساكن لذوي الدخل المحدود بسعر التكلفة، وعلى نطاق واسع، من خلال إقامة مدن وضواح سكنية متكاملة. إضافة إلى معالجة مناطق السكن العشوائي، بهدف تأمين الاحتياجات الإسكانية للشرائح الضعيفة من المجتمع بشروط ميسرة.
وفي توضيح أكثر لماهية القانون المنتظر، فإن الدولة سوف تقوم باستملاك الأراضي، وتسميتها «منطقة للتطوير العقاري»، بعد إعداد المخططات التنظيمية لها، وتحديد مستواها العمراني (شعبي، سكن أول، فيلات، أو منشآت أخرى) ثم العمل على تسليمها لمتعاقد يقوم بأعمال التنفيذ العمراني وفق شروط ومدة زمنية محددة، يتفق عليها، كشكل من أشكال الاستثمار.
الآن، وبعد صدور القانون، من حقنا أن نتساءل: هل لحظ القانون المنتظر فقرة تلزم شركات البناء بالقيام بمهامها الأساسية الموكلة إليها، المحددة حصرا في البناء، وليس في المضاربات العقارية، التي جعلت منها شركات أموال دون أن تفعل شيئا على الأرض؟
وهل وضع القانون الجديد حدا لتداول العقارات التي تبنيها الدولة، وتمنحها للعاملين لديها من التداول في السوق السوداء، عن طريق نقل ملكيتها وفق حكم قضائي، أو بموجب عقد يدونه الكاتب بالعدل، ثم تصدر المحكمة المختصة قرارا يصادق عليه؟
لو أن قانونا واحدا منع بيع شقق مؤسسة الإسكان والجمعيات السكنية، مع تشجيع استثمارها في عقود إيجار معفاة من الضرائب والرسوم، لساهمت منذ عقود بالتخفيف من وطأة السكن. قدر لي أحد الخبراء عدد المساكن المغلقة، جاهزة أو على الهيكل، بنحو مليون شقة سكنية في عموم المحافظات السورية، ثلثها في العاصمة دمشق وللتذكير اغلبها في منطقة تنظيم كفر سوسة حي الأغنياء الراقيين! وليعلم القارئ إن ثمن المتر هناك يتراوح بين 250 ألفا و 300 ألف للمتر الواحد أي ثمن اقل منزل مساحته 200 «40 مليون ليرة سورية» هل لاحظتم كيف حلت مشكلة السكن في العاصمة السورية دمشق جيوب التجار اتخمت والمواطن ازداد فقرا أما الضواحي فهي ليست بأفضل حال فالأسعار كاوية نسبة لدخله!
هذا رقم كبير، يعطي مؤشرا عن حجم اختناق السوق العقارية التي لا تخضع لأي منطق في حركة تداولها، لأنها قامت بالأصل وفق مزاجيات سوق لا تحكمها أية قوانين.
هدى العبود