إبراهيم التركي
لاتزال مدينة تدمر الحضارة والتاريخ، قبلة السياح الأجانب من جميع أنحاء العالم، تسير وفق منهجية بطيئة بعض الشيء مقارنة مع غيرها من المواقع الأثرية الأخرى في العالم، على الرغم مما يميزها كونها مدينة أثرية متكاملة الأبعاد يهواها القاصي والداني. ويعتبرها المدينة الأعجوبة لما تحتويه من قصور ومعابد وأعمدة وتماثيل ولوحات جنائزية مميزة، تجعل الزائر مذهولا أمام هذه العظمة والازدهار الذي طال معظم مناحي الحياة في تلك الفترة. وهو ما يدفعه لقضاء وقت أطول في تدمر حتى يطلع أكثر على هذه المعالم الخالدة. الأمر الذي يحتاج الى وقفة لان ما يتم تخصيصه من قبل مكاتب السياحة لزيارة تدمر لا يتجاوز يوما أو يومين. الأمر الذي يفوت الفرصة على السائح في التعرف اكثر على هذه المدينة العجيبة. ورغبة من «الأنباء» في الوقوف عن كثب على الواقع السياحي والأثري في هذه المدينة الخالدة، أجرت العديد من اللقاءات مع مختلف الجهات المعنية.
طاقة استيعابية محدودة
محمد صالح، مدير سياحة تدمر قال لـ «الأنباء» ان وزارة السياحة ومن خلال المنتجات السياحية الخاصة لمدينة تدمر، تسعى للقضاء على الموسمية وزيادة الليالي السياحية للسياح المقيمين مع القيم المضافة لتصبح تدمر منتجا سياحيا متكاملا. مشيرا إلى أن الطاقة الاستيعابية الحالية للمدينة تبلغ 1816 سريرا، وهي غير كافية في مواسم الذروة، لذلك فإن هناك العديد من المشاريع السياحية قيد الإنجاز بمستوى 3 و4 نجوم طاقتها الاستيعابية 400 سرير نصفها سيدخل في التشغيل خلال العام 2010.
أما فيما يخص تخديم المنطقة الأثرية، وأفاد الصالح بأنه تم تخديم بعض المواقع بالحمامات منها المدافن الجنوبية والبرجية ومعسكر ديومكسيان ومركز الزوار، كما تم وضع نقطة استعلامات سياحية في مركز الزوار تتضمن مكتب الاستعلامات وقطع التذاكر للمنطقة الأثرية، إضافة إلى كا?تريا للسائحين وخدمة انترنت، ومكتبة ومركز بيع هدايا وتذكارات، وتخديم السائح بتلسكوبات لمشاهدة الواحة والمنطقة الأثرية ومراقبة النجوم، وقاعات لعرض الأفلام الوثائقية والصناعات اليدوية وحيوانات ونباتات الصحراء والأعمال الفنية والتشكيلية الأخرى، وقاعة مخصصة للبعثات الأجنبية العاملة في تدمر.
من جانبه أكد مدير آثار تدمر م.وليد أسعد أن آثار تدمر التي تمتد على مساحات واسعة من باديتنا السورية، تحتاج منا إلى بذل المزيد من الجهود لحمايتها ومنع التعدي عليها بكل صوره من خلال إيجاد أجهزة حراسة وحراس، وإنارة بعض المواقع لتوفير عامل الأمان والحماية في عموم المنطقة الأثرية، نظرا لما تتعرض له من أعمال حفر وتنقيب سري من قبل بعض ضعاف النفوس.
وتشير الكثير من الحالات التي جرت بالماضي لما حدث لبعض المواقع من أعمال سلب ونهب وتخريب لهذه الثروة الوطنية المهمة التي يجب حمايتها بكل الطرق المتاحة. بحسب م.أسعد، مشيرا إلى أن السورية للشبكات تقوم بدراسة مشروع إنارة «تزيينية وأمنية» بالتنسيق مع محافظة حمص ومديرية السياحة ومجلس المدينة ومديرية الآثار، مما قد يساهم في تأمين عامل الأمان للمنطقة الأثرية، ويساعد في تقديم إمكانية الزيارة المسائية للمنطقة الأثرية ليلا، في حين يتم التنسيق بين مختلف هذه الجهات من أجل العمل على إظهار مدينة تدمر كموقع متميز على الخارطة السياحية في العالم.
أعمال التنقيب
وكشف اسعد عن أن أعمال التنقيب التي تقوم بها البعثات الأجنبية والوطنية منذ نحو 150 عاما ولغاية هذا اليوم، أثمرت اكتشاف أكثر من 40% من آثار تدمر الخالدة، لتبقى الـ 60% الأخرى تنتظر معاول المنقبين لاكتشافها ولكشف المزيد من عظمة هذه المدينة وجبروتها عبر العصور. واشار إلى أن هناك ما يقارب 20 ألف قطعة أثرية مسجلة ضمن متحف تدمر الوطني، إضافة إلى وجود عشرات الآلاف من القطع الصوانية وبقايا العظام لدى البعثات الأجنبية العاملة في مواقع مختلفة من البادية، ولاتزال مئات الآلاف من القطع الأخرى تنتظر الاكتشافات لعرضها أمام السائحين. أما فيما يخص نظافة المنطقة الأثرية، فقد أشار م.عدنان خلف، رئيس مجلس مدينة تدمر إلى أن بلدية تدمر تقوم بأعمال نظافة المنطقة عامة، لما تتركه من انطباع لدى السائح كونها تدل على حضارة الأمم وتطورها، حيث قامت محافظة حمص بدراسة مشروع نظافة يشمل المنطقة الأثرية والمحاور الرئيسية في المدينة وهو حاليا قيد الإعلان. في حين أشار بعض رؤساء المجموعات السياحية القادمين إلى سورية إلى أن السورية للطيران لا تعمل على تحديد برنامج طويل الأمد تحدد من خلاله الرحلات، مما يضطر بعض المجموعات لإلغاء سفرهم أو يقومون بالحجز عبر شركات الطيران الأخرى.
ورأى خلف انه، وبهدف إيجاد الركائز والدعائم الأساسية التي من خلالها يمكن الارتقاء بالواقع السياحي نحو الأفضل، والمحافظة على أوابدنا الأثرية واللقى الهامة والتي تعتبر كنزا وطنيا لابد من حمايته، هناك ضرورة لتزويد وتجهيز متحف تدمر الوطني والمنطقة الأثرية بشبكة إنذار سريع ضد السرقة وضرورة العمل على تعيين حراس جدد وفنيين لأعمال التنقيب، وزيادة الميزانية اللازمة لأعمال التنقيب والترميم، وكذلك ضرورة إنجاز أعمال تحديد وتحرير للمواقع الأثرية في البادية تمهيدا لتسجيلها على لائحة التراث الوطني. وطالب بإنجاز مشاريع إعادة تأهيل العرض المتحفي في متحف تدمر وحديقته. وكذلك متحف التقاليد الشعبية المغلق، بالتعاون مع البعثات الأجنبية، وإنجاز مشروع بطاقة الزيارة الموحدة لكامل المدينة الأثرية واعتماد البطاقة الرقمية الذكية، كذلك إعادة ترميم سور المنطقة الأثرية بشكل كامل، ليتم إغلاق المنطقة، وتنظيم مسارات خاصة للجمال والفورويل.
ومازالت آثار تدمر من أكثر المواقع الأثرية شهرة في العالم، وقد وصلت إلى أوج ازدهارها في عصر زنوبيا، وكانت محطة أساسية لقوافل الشرق والغرب، ونالت من روما مكانة رفيعة، فقد أطلق عليها اسم هادريانا ثم حصلت على تسمية المستعمرة في عصر الأسرة السيفيرية السورية التي حكمت روما 211-235م. وتتوزع الأطلال فيها على مساحة تتجاوز الـ 10كم2 يحيط بها سور دفاعي من الحجر المنحوت، وسور للجمارك من الحجر واللبن، وتتوزع بيوتها حسب المخطط الشطرنجي، وأهم معالمها المعابد، منها معبد الإله بل وبعلشمين ونبو واللات وارصو ومناة بعل (معناه الرب أو السيد) ثم الشارع الطويل وقوس النصر والحمامات ومجلس الشيوخ والمصلبة، والسوق العامة، ووادي القبور وبيوتها الشرقية الطراز ذات الحدائق والأروقة ومئات المدافن، مدافن الأبراج ومدافن البيوت الأرضية والأقبية. سكنها الكنعانيون والعموريون والآراميون منذ 3000 عام قبل الميلاد، وهم الذين أعطوها اسمها تدمر، ومعناها: الجميلة أو الأعجوبة وتتألف أبجديتها من 22 حرفا تكتب وتقرأ من اليمين إلى اليسار.