ما من مواطن حريص على تطور وازدهار اقتصاد بلده، يمكنه أن يناوئ أي ضريبة جديدة من شأنها أن توفر موارد كافية ومنتظمة للخزينة العامة، تساعد السلطة التنفيذية على تحسين مستوى معيشة مواطنيها، وتنفيذ برامج تنمية متعثرة، بسبب عدم توافر الموارد الكافية لانجازها في مواقيتها. هذا أمر متفق عليه، ويكاد يكون من المسلمات. لكن السؤال الذي يفرض نفسه في كل مرة تطرح فيه وزارة المالية منتجا جديدا: هل خضع مشروع ضريبة القيمة المضافة t.v.a إلى قدر واف من الدراسة والتدقيق؟ وهل سيخضع إلى تجارب جزئية قبل إقراره، كي لا يكون مصيره كقانون «الفوترة» الذي مضى على إصداره شهور دون أن يكون له أي وجود في تداولات السوق حتى الآن؟
ما لا يريد أحد الإشارة إليه في هذه الضوضاء الإعلامية التي تدور حاليا حول الانتقال إلى ضريبة القيمة المضافة عام 2010، هو أن الإصلاح المالي والضريبي، عملية بناء هرمية، تحظر على القائمين عليها الانتقال من مرحلة إلى أخرى، دون التأكد من حسن تطبيق المرحلة التي سبقتها، كي يتم التأسيس عليها، لمرحلة أكثر تطورا وتلبية لاحتياجات الإصلاح. بمعنى أننا لا يمكن لنا القفز في الفراغ نحو ضريبة القيمة المضافة، المغرية جدا بمواردها، والتي ابتدعتها دوائر المال الأوروبية في بداية ثمانينيات القرن الماضي بنسبة 15% على كل سلعة يتم تداولها في الأسواق قبل أن تصل إلى المستهلك. وأتت نتيجة تطور مذهل في آليات إحكام الشفافية الضريبية، لتحقق بسرعة أهم موارد الدولة، تفوق بكثير الضرائب الأخرى المباشرة على الأرباح، سواء للشركات، أو الأفراد. وللاستئناس بالأرقام، فقد شكلت هذه الضريبة في موارد الخزينة الفرنسية لعام 2006 نسبة 44%، في حين أن الضريبة المباشرة على الأرباح لم تتجاوز نسبة 20%. ضريبة القيمة المضافة، تستوجب بالضرورة وجود تداولات تجارية سلسة وشفافة، تتسم بآليات صارمة، تبدأ من دخول السلع عبر المنافذ الحدودية وفق بيانات جمركية ومالية واقعية، أو تخرج من المعامل ومواقع الإنتاج المحلية باتجاه الأسواق، وفق فواتير نظامية، يحظر تسديد قيمتها نقدا من خارج الأطر المصرفية المعتمدة.
فهل أنجزت وزارتا الاقتصاد والمالية نظام «الفوترة» وأصبح متداولا في الأسواق بآليات صارمة، تؤكدها حركة الحسابات المصرفية لجميع المتعاملين، بدءا من المنتج والمستورد وتاجر الجملة وانتهاء ببائع المفرق، حتى تنتقل بقفزة كبرى نحو ذروة الهرم الضريبي؟
ولكن عن أي أسواق نتحدث، إذا كان «اقتصاد الظل»، الذي لا يعترف أصلا بالفواتير ولا بالمصارف ولا يدفع أي ضريبة من أي نوع كان، ويشكل باعتراف الحكومة نسبة 48% من هيكل الاقتصاد السوري، سيبقى على هامش كل هذه الإجراءات؟!
كل الدلائل الملموسة تشير إلى أن هذه الضريبة لن تحقق الأهداف التي تنشدها الحكومة، مادامت تصدر قوانين وتشريعات، دون آليات لتنفيذ ما سبق منها. بل ستكون عبئا إضافيا على شركات القطاع العام، التي ستلتزم بتطبيقها، فتحرمها ميزة التنافسية مع القطاع الخاص، الذي يمتلك خبرات خارقة في الالتفاف على القوانين، وسيكون الخاسر الأكبر منها في ظل هكذا ظروف، القطاع العام والمستهلك في آن معا.
هدى العبود