هدى العبود
كان الحافز للنخبة الاقتصادية التركية، في التجاوب مع إجراءات حكومة حزب العدالة والتنمية، لاجتثاث الفساد وإعادة هيكلة الاقتصاد التركي المنهار، يكمن في طموح تلك النخبة في انضمام بلادها إلى منظومة الاتحاد الأوروبي بأي ثمن.
من لا يعرف تركيا في تسعينيات القرن الماضي، وحتى مطلع العام 2002، لا يمكن له أن يدرك بسهولة حجم القفزات النوعية التي تحققت، وأخرجت الاقتصاد التركي من عنق الزجاجة، وجعلته يحقق معدلات نمو غير مسبوقة، لم تشهد لها مثيلا أي من البلدان النامية، ولا حتى النمور الآسيوية، في ثمانينيات القرن الماضي.
عام 2001 كان الاقتصاد التركي يعاني من معدلات تضخم قياسية، وكان متوسط دخل الفرد يلامس الحدود الدنيا بالمقياس العالمي، إذ وصل إلى أقل من ألفي دولار في العام، متزامنا مع معدلات بطالة تزيد على 30% من حجم القوة العاملة، وبنية تحتية متداعية، واحتقان اجتماعي ينذر بالأسوأ، في أبسط توقعات المحللين الاقتصاديين آنذاك.
الآن، يقف الاقتصاد التركي بشموخ خلف كل من هولندة واستراليا، بناتج محلي بلغ عام 2007 نحو 414 مليار دولار، وبمتوسط دخل للفرد يبلغ 9000 دولار في العام، أي ما يوازي معدلات دخل الفرد في بلدان الخليج العربي، والعديد من دول الاتحاد الأوروبي الواقعة خارج منطقة اليورو كتشيكيا وبولونيا.
لا أحد ينكر أن وصفة الإصلاحات الشاملة التي فرضتها المفوضية الأوروبية، كشرط مبدئي لمناقشة الطلب المقدم من تركيا منذ تسعينيات القرن الماضي لترشيح عضويتها للاتحاد الأوروبي، كان لها الأثر الحاسم في ديناميكية الاقتصاد التركي وبلوغه درجة من التنافسية العالمية جعلته مصدر جذب للاستثمارات العالمية ومقصدا للسياحة التي حققت في العام الماضي دخول عشرين مليون سائح من مختلف أنحاء العالم.
الحافز الذي نقل تركيا من بلد أقل من متخلف إلى بلد متقدم في غضون 4 سنوات فقط، مازال يستأثر على اهتمام الكثير من المراقبين والمحللين الاقتصاديين الذين لم ينتهوا بعد من تحليل الطفرة التركية التي فاجأت الجميع.
أهو فقط الطموح الذي داعب مخيلتهم لسنوات بالانضمام إلى النادي الأوروبي الثري، والذي بدأ يخبو وهجه مؤخرا في نفوسهم، إثر المجاهرة الأوروبية الرسمية وشبه الرسمية في رفض طلب الترشيح؟ أم أن هناك أسبابا أخرى لعبت دورا كبيرا في دفع عجلة ذلك الاقتصاد الذي ظل في حالة سبات لأكثر من نصف قرن؟ لاشك في أن الدعوة التي أطلقها المهندس محمد ناجي عطري، رئيس مجلس الوزراء، أثناء انعقاد الملتقى التركي ـ العربي الثالث في اسطنبول الأسبوع الماضي، الرامية إلى ضرورة تشكيل تكتل اقتصادي تركي ـ عربي، على غرار التكتلات الإقليمية والعالمية، ستلقى صدى ايجابيا لدى الشعبين، خصوصا في سورية. وستشكل هذه الدعوة فرصة لكلا الطرفين في مواجهة تحديات ما بعد الانحسار الأميركي عن المنطقة وبروز تركيا المفاجئ كعملاق اقتصادي جار وصديق، حيث تبشر الشراكة الكاملة معه بأن الأيام المقبلة ستحمل معها رغدا من العيش انتظرته شعوب المنطقة طويلا.