- «سماء خفيفة» أخطر العروض شكلاً ومضموناً و«منولوجات غزة» أغفلت النقاط الإيجابية
مفرح الشمري
اكد الاستاذ المساعد في قسم الفنون المسرحية بالجامعة الاردنية د.مؤيد حمزة ان الدورة الـ 17 من مهرجان المسرح الاردني التي انتهت انشطتها قبل ايام قد حققت نقلة نوعية بعد ان اطلق عليها للمرة الاولى وصف «الدولية» حيث شارك فيها 18 دولة منها 7 دول أجنبية والباقي عربية.
واضاف من خلال رؤيته النقدية التي خص بها «الأنباء» ان دورة المهرجان تميزت بوجود ثلاثة عروض مسرحية تناقش موضوعات لها علاقة مباشرة بالقضية الفلسطينية الامر الذي اشاع جوا من الارتياح لدى معظم المتواجدين في المهرجان بل اصبح مصدر فخر للمنظمين، حسب قوله.
واشار الى ان ما عكس الاجواء التفاؤلية بهذه العروض هي المتابعة الدقيقة والتحليلية التي حولتها الى النقيض، ملمحا الى ان هذه الاجواء هي التي استدعته لضرورة الكتابة حول طبيعة تلك العروض المشاركة والاشارة الى السمة المشتركة بينها للاستفادة من هذه التجربة في المرات المقبلة عند تنظيم احتفاليات كهذه.
بانتوميم
وفيما يلي بعض ما جاء في الرؤية التحليلية للدكتور مؤيد حمزة والتي بدأها بمسرحية «48 دقيقة من أجل فلسطين» وهو لفرقة عشتار من رام الله ـ فلسطين، فكرة واخراج: موجيسولا ايبايو، تأليف: ادوارد معلم، رهام اسحق، محمد عيد، رشا جهشان، مشيرا إلى أنه لم يكن هناك نص في العرض، بل مجرد فكرة ناقشت القضية بشفافية، وقد تم تأديتها بشكل صامت (بانتوميم) من خلال: ادوارد يوسف المعلم ورهام اسحق.
وأوضح أن مخرجة المسرحية تتحدث في الكتيب الخاص بالمهرجان حول تجربتها في فلسطين طوال عشر سنوات، وكيف انها فوجئت بتعامل الشعب الفلسطيني مع الاحتلال.
متسائلا: هل فعلا قدم العمل صورة حقيقية لمعنى كلمة احتلال؟ فالعرض دار حول فتاة فلسطينية في وسط المسرح، او هكذا يفترض ان تكون فملابسها عصرية بالكامل ولا يوجد ما يدل على خصوصية معينة، الفتاة تتواجد وسط دائرة تم تشكيلها من الحجارة وحبات البرتقال التي تشير الى حيفا وبرتقالها الشهير، على جانب المسرح هناك كومة من الحجارة وفي وسطها زهرة عباد الشمس، وسط الدائرة هناك فرشة وكتاب، وطاولة زهر. ويظهر كاركتر رجل يهودي من خلال لباسه المميز الذي ارتبط بالمهاجرين اليهود من اوروبا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، يقف امام الباب، فتناوله الفتاة شربة ماء، يدخل يتفحص المكان، ثم يخرج من جيبه ورقة ملفوفة، ويشير الى السماء، عقد إلهي؟
يحاول هذا الرجل خلق حالة تواصل مع الفتاة الا انها ترفض في كل مرة، هي تلعب «الشيش بيش»، والتي تعتمد على الحظ اساسا، وهي في نفس الوقت لعبة ذات اصل تركي، اما هو فيحاول ان يلعب معها لعبة الشطرنج، التي تعتمد على العقل فترفض هي تكتب بالقلم على الدفتر اما هو فيستخدم الآلة الكاتبة التي ترفضها ايضا، وكأن اسرائيل جاءت لتهدينا العلم والتكنولوجيا الا اننا نرفض الا ان نتمسك بالغيبيات، كما تشير دلالات العرض ورموزه.
كما تحدث حمزة عن «منولوجات غزة» وانقتدها بشدة لإغفالها نقاط إيجابية وإظهارها لجوانب سلبية في سكان غزة، كذلك تناول في تحليله العرض المسرحي «سماء خفيفة» الذي قدمته الممثلة السويسرية من اصل فلسطيني تهاني سليم، وهو مونودراما واصفا اياه بالاخطر من حيث الشكل والمضمون، والبراعة الفنية في كتابة النص وفي اداء الممثلة التي تبدأ بسرد قصة فتاة اسمها هند من لحظة دخول الدبابات الاسرائيلية الى مدينة رام الله وحيدة، تقوم بسرد السلبيات لدى الناس من كثرة القيل والقال، ووسط هذا المشهد ينزل جنديا من دبابته عمره بين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة كما تقول هند ، يفتش في اواني الزهور، يسند بندقيته الى الحائط ويدير ظهره ليتبول على الياسمينة، وهنا بالطبع لا يمكن لحالة كهذه الا ان تجلب التعاطف مع ذلك الجندي الولد الخائف الذي قلب اواني الزهور خوفا من ان تكون تحتها قنبلة والذي يشعر بالحاجة للتبول من فرط الخوف، في مقابل كل الصور السلبية التي تم سردها.
ثلاث مرات
وتابع د.حمزة: هذه مجرد بداية فحسب، حيث تواصل هند سرد مقتطفات من حياتها اليومية الى ان تصل بنا الى قصة مريم بنت العربجي، والتي يدور الحديث عن علاقة بينها وبين الشاب سليم الذي يأتي على دراجته كل يوم الى جانب بيتها فيطلق الزامور ثلاث مرات، اشارة الى شخصه ثم ينطلق، ومن هذه القصة الايروتيكية الى قصة عمر الذي يقوم بقتل اخته مريم بعد ان تكبر الاشاعة، كان الكل يعرف انه سيقتلها، امام الجامع، وهي نفسها، والجيران، فعلقت هند: قتلتها الاشاعة التي صارت حديث النساء وهن ينقبن العدس، والرجال في المقهى بين رميات النرد، لطخت شرفه وشرف العائلة، شرف المخيم، شرف كل الرجال، وحولته الى قاتل بريء، بطل مخيم الكرامة.
هذا المشهد التراجيدي الذي يصور وحشية المجتمع الفلسطيني يستذكر في لحظة اجتياح اسرائيل لرام الله والمخيم وكل الضفة الغربية، ويوضع في مقابل ذلك الجندي الولد الذي اقحم في حرب قد تودي بحياته، ويشعر بالخوف الشديد، حتى انه يتبول على الياسمينة.
واخيرا يقول د.مؤيد حمزة: «سماء خفيفة» يعتمد على سرد صور سلبية من المجتمع الفلسطيني للاسف الشديد لا يمكن لاحد ان ينكر وجودها، في مقابل الجندي «الولد» الخائف الذي يقبض على بندقيته خوفا من عنصر المفاجأة بهذه الطريقة تم تقديم العرض الذي وعدنا بأنه ينصف القضية الفلسطينية ويروج لها في الغرب، وينتظر القائمون عليه ان نشكرهم، فـ «سماء خفيفة» اصدر شهادة براءة للجندي الاسرائيلي الذي قتل مئات الاطفال بدم بارد ودون اي مبرر.