محمد ناصر
عندما يعود عادل إمام إلى التمثيل بعد غياب طويل فتلك خطوة متقدمة، فغيابه المعنوي وليس الجسدي استمر طويلا بعد سلسلة أفلام اعتمد فيها على الافيهات المبتذلة والمستهلكة والتي لا تليق بحجم وحضور وسن عادل امام.
إذن نشهد في «زهايمر» عودة الزعيم لاستخدام قدراته التمثيلية في فيلم اتى حائرا بين الانساني والكوميدي وان نجح في البعد الأول الا انه اخفق في البعد الثاني.
يبدأ الفيلم متماسكا بتعريفنا بـ «محمود شعيب» وبدايات حبكة الزهايمر التي خططها له ابناؤه واصدقاؤه وعماله، ثم يبدأ الفيلم بالانحدار رويدا رويدا بوصولنا الى نصفه الثاني حين يقرر عادل إمام أو كاتب السيناريو ان يعود إلى اجترار الضحك بمشاهد ممجوجة مستعيدا بذلك «النمر الهزلية» والصبغة التجارية التي رافقته في أفلام الثمانينيات بمشاهد حفظناها عن ظهر قلب.
يصور الثلث الأول من فيلم «زهايمر» المؤامرة التي يتعرض لها عادل إمام من ولديه (فتحي عبدالوهاب وأحمد رزق) وزوجة ابنه الأخير (رانيا يوسف) الذين جندوا كل المحيطين به بمن في ذلك صديقه (احمد راتب) لإقناعه بأنه مريض بالزهايمر وفقدان الذاكرة للاستيلاء على امواله لسداد ديونهم المتراكمة من عملهم في البورصة، بعد ان رفض مساعدتهم وقرر معاقبتهم على تصرفهم في امواله من دون مسؤولية.
وخلال هذا الجزء من الفيلم يقوم عادل إمام بتقديم قدرته التمثيلية كرجل يقاوم هذه المؤامرة وتبدأ الهزلية المفرطة مع اكتشاف عادل امام مكيدة ابنائه فيقرر ان يؤدبهم بأسلوب تهريجي بعيد كل البعد عن الواقع.
وتأتي قمة التسطيح والتسخيف في تحويل الكوميديا من رسم البسمة على الوجوه الى رسم الاشمئزاز، في مشهد قيام عادل إمام بتحميم أولاده بنفسه وجلب الحفاظات لهم، ثم مشهد ملاكمته اياهم في مقاطع اقحمت اقحاما لا لشيء إلا للظن بأن هذا ما يريده الجمهور او لصبغ الفيلم بالطابع الكوميدي.
انسانيا حفل الفيلم بمشاهد متميزة لعل ابرزها اللقاء الذي جمع الزعيم بزميله سعيد صالح المصاب فعليا بالزهايمر بين جدران المستشفى حيث تألق فيه القطبان ايما تألق فاكتفى سعيد صالح بكلمات ودون ان يروعنا بصعوبة المرض، وكانت دمعات عادل امام من خلف الاسوار الاصدق تعبيرا عن الحيرة بين تألمه لحال صديقه وبين خوفه مما سيقاسيه مستقبلا من هذا المرض.
ورغم استهلاك قضية جحود الابناء لكسب قضية حجر ضد والدهم في العديد من الافلام الا ان ادخال العامل الانساني لمرض الزهايمر اثمر اختلافا لم يؤت اكله في حبكة السيناريو ككل، خصوصا مع خيانة الجميع لمحمود شعيب من «الجنايني» إلى الخادم الى صديقه، وصولا الى «الصدفة» الحاضرة دائما في افلام عادل امام حين يتم اكتشاف المخطط عبر «السباك».
تساؤل آخر يساق حول مغزى تصوير معظم الفيلم داخل جدران الفيلا ولولا بعض المشاهد التي صورت في لبنان لجزمنا بأن توفير وعصر النفقات كانا السبب المباشر لهذا الامر.
ورغم وقوع سيناريو نادر نور الدين في المطبات الخارجة عن المنطق وفي الاحداث الكرتونية فقد استطاع اخراج عمرو عرفة التعمية عليها نوعا ما، اما التمثيل فجاء دون اي اضافة لفتحي عبدالوهاب واحمد رزق ونيللي كريم ورانيا يوسف، وكأن همهم ان يضيفوا لمسيرتهم الفنية دورا ادوه بجانب عادل امام وخصوصا نيللي كريم التي كانت تقوم بتسميع السيناريو دونما انفعالات او بصمات تطبع بها شخصيتها، ورغم مرور سعيد صالح ورفيق علي احمد واسعاد يونس بمشهد وحيد لكل منهم الا انهم استطاعوا لفت الانتباه اكثر ممن ادوا بطولة الفيلم.
واتى مشهد الختام الذي يصفع فيه احمد رزق زوجته تكرارا من فيلم «ابن حميدو» عندما يضرب عبدالفتاح القصري زوجته ويبرهن لها على ان كلمته «ما بتنزلش الارض ابدا» الا ان الطامة الكبرى تأتي في الختام بطلب الاب «عادل امام» من ابنائه ان يربي حفيدته بنفسه لانهم عاجزون عن تربيت، متناسيا انه هو بنفسه عجز عن ان يربي ابناءه تربية صحيحة وسليمة، كما بينت لنا احداث الفيلم من تدبر المكائد لابيهم!
نشاهد فيلم «زهايمر» بشغف وبدهشة في آن واحد، فمن ناحية تستمتع بالحرفية السينمائية في بعض المشاهد القليلة ليفاجئك التسطيح في المشاهد الاخرى، يبقى الفيلم المعروض حاليا على شاشات السينما بالكويت احد افضل افلام عادل امام في الفترة الاخيرة ولكن «الحلو ما يكملش».