عبدالحميد الخطيب
تساؤلات عديدة طرحت مساء امس الاول في رابع عروض المسابقة الرسمية لمهرجان الخرافي المسرحي الدورة الثامنة وهو «مدرسة الدكتاتور» لفرقة تياترو للمخرج هاني النصار، لعل من أبرزها هو كيف يستطيع أي مخرج ان يسخّر جميع الامكانات حتى لو كانت بسيطة لكي يقدم عرضا مسرحيا يمكن ان نطلق عليه انه بالفعل عرضا أكاديميا بامتياز؟ لاسيما وان المسرح العربي تحول في الآونة الأخيرة إلى مسرح عرض فقط ومال تجاه المسرح التجاري الذي يهتم بالشكل اكثر من المضمون؟ ومما لا شك فيه ان هاني النصار يمتلك رؤية اخراجية وطموح يسعى من خلالهما لايجاد اعمال راقية، حيث قدم لنا النصار عملا متكاملا مليئا بالاسقاطات السياسية التي تناولت بالنقد «المحترم» العديد من القضايا التي تعيشها الامة العربية في الوقت الراهن، ورصدت عبر احداثها، صراع السلطة مع ارادة الشعب، مبرزة أوجه اللعب تحت الطاولة في الانظمة الحاكمة والاستبداد السياسي ومساوئه على حياة المجتمع.
تدور احداث المسرحية حول رئيس «مبارك المانع» يبدو من قراراته الصارمة انه «دكتاتور» لكن في الحقيقية هو ضعيف يتحكم فيه مجموعة من الوزراء المحيطين به، يتعرض في احد الايام الى طلق ناري يصيبه في كتفه فيأمره الطبيب بان يرتاح قليلا، ولكن حاشيته ينصحونه بان يلقي خطابا في شعبه لكي يطمئنهم على صحته، واثناء الخطاب يعلن عن عفوه عن بعض من المعتقلين السياسيين مما يثير حنق البروفيسور «بدر شاكر» وبعض وزرائه فيتفقون على قتله وبالفعل يعطونه حقنة سامة ويبدأون بعد ذلك في البحث عن بديل حتى يقع الاختيار على طالب في «مدرسة الدكتاتور» يطلق عليه رقم 6 وبمجرد البدء في إعداد هذا الرجل ليتسلم الحكم ويقتل لانه لم يطع الأوامر ما يجعل أصدقاءه يحتجون ويقودون ثورة ضد رموز الفساد وتنتهي المسرحية مع القبض على «البروفيسور» وشنق الشعب له جراء ما فعل.
لقد سلط النصار في مسرحيته الضوء على شخصية الحاكم الدكتاتور، مستخدما لأسلوب «العقدة» والتي تحكمت في احداث المسرحية، مرتكزا على بعض السرد الدرامي لنقل صور العنف والاستبداد الذي يمارسه «الدكتاتور» ضد الشعب من خلال رجل يظهر بين الفينة والأخرى كرمز للشعب الذي يطلب الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وما زاد من جمال المسرحية هو التعميم والشمولية فلم ترتبط بزمان ومكان معين، ويمكن ان تحدث في أي بلد في العالم مع قربها من الواقع العربي، وما يحسب ايضا للمخرج هاني النصار هو استعانته بالعنصر النسائي، حيث ان المرأة كان لها دور كبير في المسرحية وأثرت في سير الاحداث عندما أعلنت انها ضحية لتجبر «الدكتاتور»، وانضمامها لصفوف المطالبين برحيله او موته.
ولو تطرقنا الى السينوغرافيا فقد وظفت بشكل جيد فجاء الديكور ملائما للأحداث واستوعب تعدد المشاهد وتنقل الاحداث الدرامية، وكذلك الاضاءة والموسيقى اضافة لجمالية العرض، ولا ننسى الاداء المتميز للمثلين المشاركين وفي مقدمتهم الفنان مبارك المانع الذي قدم شخصية الرئيس بإتقان واستحق عليها الاشادات، وأيضا الفنانين بدر شاكر ومحمد مصطفي وحسين العوض وعبدالعزيز النصار وغيرهم والذين تفوقوا على انفسهم وبدا عليهم الالتزام التام بتوجيهات المخرج النصار، ما انعكس على العرض ككل فكان بعيدا عن الرتابة المعروفة في مثل هذه النوعية من النصوص الثقيلة في أفكارها.