عبدالحميد الخطيب
تجربة جديدة خاضها مهرجان الخرافي في يومه السادس مع مسرحية «عنتر يا حاميها» التي نقلتنا جميعا الى المسرح الحي في تفاعل وتناغم مشترك بيننا وبين القصة والأبطال حيث دخلنا مع المسرحية الى عمق التاريخ من خلال هذا الباب الذي نقلنا مباشرة من واقعنا المعاصر الى شعاب بني عبس.
المسرحية تبدأ بدخول بائع البيض الذي يجسد شخصيته عبدالله التركماني، الذي يسير في ساحة بها مقهى في أحد أحياء العراق ويتحدث مع أبوصادق راعي المقهى الذي مثل التيار الملتزم الذي يرفض التعري وأي شيء مخالف للعادات والتقاليد ويتداخل هذا الشاب الذي يبحث عن حماره المفقود وذلك لندرة الحمير بعد احتكار اسرائيل لها.
وفجأة يسأل تاجر البيض أين تاجر الأقمشة والذي يؤدي دوره علي كاكولي الذي بدوره يبحث عن الحب فيغازل أحلام حسن ويحدثها عن أحلامه في تكبير تجارته واستقدام أخيه ليشاركه فيها فتنظر الى ملابسه وتسأله من أين هذه الملابس فيقول لها من الصين فتعجبت من كلامه وقالت كل شيء من هذه البلاد حتى السجادة التي نصلي عليها هي التي صنعتها.
هنا يغني كاكولي لها فتصرح له بحبها وتطلب منه ان يشاركها الغناء ولكنه يخشى ان يفقد تجارته، في هذه الأثناء يتحولان الى قصة البحث عن بطل للدفاع عن الغلابة وندخل معهما في عمق التاريخ وعلي الفورعلمنا اننا أمام احدى أهم قصص العشق والغرام والفروسية والشهامة وهي قصة عنتر وعبلة وبالفعل يظهر عنتر بعد ان يمر بالكثير من المواقف في حياته حتى يعترف به أبوه شداد بأنه أحد أبنائه وان أمه زبيبة هي زوجته ويطلب عنتر من أبيه ان يذهب معهم الى الحرب لكنه يطلب منه ان يجلس مع النساء لحمايتهن وينصاع عنتر لرغبة والده وبالفعل يستطيع حمايتهن من هجوم اللصوص، وفي هذه الأثناء يبدأ في كشف حبه لعبلة التي تبادله المشاعر نفسها ويعود فرسان بني عبس ليفاجأوا بهذه الحالة المميزة من العشق والحب ويحاولوا منع عنتر وعبلة من الارتباط لأنه بالنسبة لهم عبد وهي سيدة حرة ولكن تغير القبائل على بني عبس ويستطيع عنتر ان يصد الأعداء وهنا يشعرون بقيمته كفارس قوي يستطيع ان يحميهم من الآخرين.
تنامت فكرة الفارس الذي ينير الكون ويحمي أهله وعشيرته ليتحول الواقع على المسرح الى الحاضر في طرح لقضية انتظار الفارس الذي ينقذ العالم العربي ويخلصه من أعدائه وتنتهي المسرحية على أغنية «أدركنا يا عنتر» مع خروج الشعوب العربية حاملة للافتات مكتوب عليها «كلنا واحد، ولا تمييز، والمساواة والعدل» وينادي هؤلاء مع احلام حسن «ادركنا يا راعي الحمى فالجميع استباحوا ارضنا».
الفارس المغمور
العمل - حسب ما سبق - جمع بين الحاضر والماضي في محاولة لإيصال رسالة مفادها اننا نبحث عن هذا الفارس المغمور الذي سيظهر في وقت ما ويخلصنا مما نعانيه ويحمينا من الهجمات ومن الاعداء المحيطين بنا، وذلك من خلال استرجاع سيرة عنترة بن شداد التي اداها بامتياز علي كاكولي وكذلك عبلة التي جسدتها احلام حسن.
الاداء الجماعي الذي عاشته هذه المسرحية كان قويا وعكس مدى الهدوء والاتزان في تناول النواحي المختلفة والذي ظهر في التنقل بين الماضي والحاضر والذي انعكس بصورة سلسة مع الاخفاق قليلا في جانب الازياء ولكن لمس الواقع وما نعانيه من مشاكل على المستوى العربي، وخصوصا فلسطين كان موفقا، حيث استطاع المؤلف والمخرج ان يوصلا لنا هذا الواقع بعمق وابتعدا عن السطحية ودعمهما في ذلك التوفيق في الموسيقى المصاحبة للعرض والاستعراضات التي وضعت في مكانها.
العمل جاء قويا وظهر فيه احترام فريق العمل التام للمسرح وهم اصحاب باع طويل في المسرح الاكاديمي ورغم هذا التفوق إلا ان المسرح كان معدا بصورة تعكس فكرة المسرح الحي ولكن مع العدد الكبير للجمهور بدا لنا هذا الوضع من الاخطاء التي وقع فيها العرض، حيث ان معظم المتفرجين لم يروا العرض بالكامل، وهذا لضيق المكان، وذلك لا يتناسب مع مبدأ المسرح وهو اعطاء العرض حقه وفي الوقت نفسه لابد ان يكون المتفرج في اريحية والاماكن واسعة، حتى يستمتع بالعرض، بالاضافة الى ذلك: هذا التشابه بين عرض «عنتر يا حاميها» و«سوق الجمعة» حتى في اسماء الشخصيات ولا نعرف هل هذا مقصود؟ وهو ان يستمر المسرح الحي بنفس اطار التفكير الذي يسير عليه في كل عرض، مع اختلاف القصة والثبات على الاسماء، ولا انسى هنا دور نورهان عماد الدين التي بهرت الجميع بهذا الاداء المتميز الذي عكس موهبة حقيقية نتمنى ان تنميها بالاعمال الجيدة.
المؤتمر الصحافي
عقب انتهاء العرض المسرحي «عنتر يا حاميها» عقدت اللجنة المنظمة مؤتمرا صحافيا وذلك بحضور د.حسين المسلم مؤلف المسرحية والمخرجين محمد المسلم وعصام الكاظمي وبإدارة الزميل عبدالستار ناجي، حيث بدأ الكلام الزميل مفرح الشمري الذي اكد ان نص المسرحية لخص الكثير من القضايا التي نعانيها في الوقت الحالي حيث كشف عن الواقع العربي بصورة اكثر وضوحا وعمقا، وهذا ما عودتنا عليه فرقة الجيل الواعي، وهو ملامسة الواقع بكل دقة.
واضاف ان «عنتر يا حاميها» جمع بين فكرة عرض «مدينة يعرب» و«سوق الجمعة» بصورة جميلة جسدها الابطال كأفضل ما يكون مع التوظيف الجيد للاضاءة والديكور.
اما الزميل عماد جمعة فأشار الى انه شعر بلمسات د.حسين المسلم الاخراجية في العمل، وتمنى ان يراه في شخصية المخرج، وألمح الى ان الوقت المحدد للمسرحية قد تم تجاوزه، وذلك لما بالمسرحية من قصة تحتاج الى وقت كبير لعرض الهم العربي وكيفية التخلص من الواقع المرير الذي نعيشه.
ضيق المكان
بدوره، قال الزميل مفرح حجاب ان العرض كان فرحا وأداء الممثلين عال جدا، والديكور موفق، وعاب على العرض ضيق المكان وتشابه النص مع مسرحية «سوق الجمعة»، بينما الزميلة غادة عبدالمنعم وجهت سؤالا حول سبب تكرار «سوق الجمعة» في مسرحية «عنتر يا حاميها».
أما الزميل شريف صالح فركز كلامه على نقاط محددة حيث تحدث عن خمسة اشياء ايجابية واخرى اعتبرها من الاخطاء، وعن النقاط الايجابية اكد ان الحس الجماعي بالمسرحية كان عاليا جدا، وذلك من سمات الجيل الواعي، كما ان الاتزان الفكري الذي يفتقده الكثير من الشباب كان متوافرا بين ابطال العرض، اضافة لذلك وصفه العرض بأنه ابن الواقع ويتماشى مع ما نعيشه حاليا من أزمات وعقبات، كما ان سرعة الاحداث والتنقل بين الحقب الزمنية كسر الملل والرتابة والسطحية، وهذا ما ظهر من خلال التناغم في الاداء على خشبة المسرح والموسيقى والديكور.
واضاف ان مسرحية «عنتر يا حاميها» احترمت المسرح واستطاعت ان تقدم فرجة جيدة للجمهور وحملت رسالة تنوير للمجتمع كافة.
وبالنسبة للاخطاء، أوضح ان هناك مشاهد اطول مما ينبغي، وكانت تحتاج الى تكثيف الحوار، وكذلك التشابه بين العرض ومسرحية «سوق الجمعة»، وأنهى حديثه بأنه يحترم فكرة البطل الرمزي الذي عرضت له المسرحية رغم تكرار هذه الفكرة في العديد من الاعمال التي تناولتها بطرق مختلفة.
من جانبها، اكدت الزميلة ليلى احمد ان العرض ذكرها بالحكاواتي الذي يسير بالشارع ويحكي القصص للاطفال، وألمحت الى عدم الترابط في الكثير من الجوانب والتشتيت الواضح في الفكرة، واضافت ان الازياء لم تكن موفقة في اكثر من مشهد، وأشادت بأداء علي كاكولي واحلام حسن ونورهان عماد الدين التي أجادت في دور زبيبة.
بدوره، اشار الزميل عبدالستار ناجي الى اعجابه الشديد بمشهد الولادة بالمسرحية الذي أخذنا الى مساحة من الزمن بما فيها من دراما وتوظيف السينوغرافيا حتى الشجرة تحولت الى كيان وأصبحت خيمة، ولغة الخطاب كانت متناغمة، واضاف انه يهنئ اعضاء المسرحية للحرفية العالية في هذا المشهد العظيم.
عرض قوي
في معرض ردود المخرج الشاب محمد المسلم اكد ان هدفهم جميعا بالمسرحية هو تقديم عرض قوي يعجب الناس.
اما المخرج عصام الكاظمي فأوضح انه يرتبط بحسين المسلم منذ فترة طويلة، وان افكاره متشبعة بتوجيهاته التي يثق فيها واعتبره هو الذي أعطاه فكرة اقامة فرقة الجيل الواعي، وذلك لتبني عرض المسرح الحي في تجربة اعتبرها انها قوية لذلك تأثير حسين المسلم عليها لابد أن يكون واضحا لنبوعها من فكره، وهذا دليل وجود اللمسات الاخراجية بالعرض.
بدوره، اكد حسين المسلم ان المهرجانات ما هي الا صدمات قلبية لمريض وهو المسرح بعد ان تخلى عنه المثقفون والادباء.
وطالب بأن تكون الحركة المسرحية مستمرة طوال السنة.
واضاف ان نظرية المسرح العربي الجماهيري ناتجة عن فترة طويلة من العمل، معتبرا انها فكرة بعيدة عن نظرية المعلبات والقواميس السابقة. واشار الى انه من واجبهم كفنانين ان يسعدوا الناس ويقدموا لهم فنا يستفيدون منه.
الجدير بالذكر ان المسرحية من بطولة احلام حسين وعبير يحيى ونورهان عماد الدين وعبدالله التركماني وعلي كاكولي، ومن اخراج محمد المسلم وعصام الكاظمي ومن تأليف حسين المسلم.
تغطية خاصة في ملف ( pdf )