عبدالحميد الخطيب
كحال اي شيء في الدنيا قارب مهرجان الخرافي الخامس للمسرح على الانتهاء، حيث عرض بالليلة السابعة مسرحية «بروڤة جنرال» لشركة الرواد الاوائل الذين بدا عليهم التصميم لنيل احدى جوائز المهرجان ولعل ركيزتهم في ذلك هي قلة الاخطاء الناتجة عن تأخر عرضهم واستفادتهم من الملاحظات المأخوذة على الفرق الاخرى.
وما زاد من اهمية عرضهم هو الحضور الذي فاجأنا به العملاق عبدالحسين عبدالرضا الذي قلب صالة مسرح الدسمة عند دخوله الى حالة خاصة من التصفيق الشديد الذي لم يتوقف الا على صوت احد الاشخاص يطالب الجمهور بالهدوء وقفل الاجهزة النقالة ايذانا ببدء العرض.
يدخل اولا فريق يرتدي ملابس رياضية بيضاء يليه فريق آخر يرتدي ملابس برتقالية، وذلك لإقامة مباراة بينهما فأصحاب الفريق الابيض يمثلون الليبراليين المتحررين.
أما الآخرون وهم الفريق البرتقالي فيمثلون التيار المتشدد الذين يقاومون أي فكرة للتطوير.
بدل نقدي
تبدأ المباراة بينهما ويتنافسان على أي من آرائهما صحيح في قضية القروض وجدالهما يدفع الحكم الى التدخل لحل هذه الازمة، فيعطيهم فكرة ان يضاف لكل مواطن بدل نقدي يكون حسب سعر النفط، فيعترضان ويتركان الملعب، وفجأة يتحول فريق المسرحية ليعلنوا ان ما نشاهده ما هو الا بروڤة لمسرحية داخل مسرحية، حيث يؤدون في السياق الدرامي بروڤات متعددة بغرض امتاع انفسهم بالمسرح ولخوض غمار منافسة رسمية في مهرجان كبير، حيث يحاول الجميع ايجاد فكرة تكون قوية لدخول هذه المسابقة، فمنهم من يقترح ان يؤدوا مسرحية آدم وآخرون يطالبون بأن يمثلوا شيئا من المسرح الفانتازي أو الرمزي أو السريالي، أو احترام المسرح العبثي، واخيرا يستقرون على عمل بروفة لمسرحية شكسبير الشهيرة «الملك لير» حيث يتحول المسرح الى قاعة حكم يتصدرها كرسي العرش الذي يجلس عليه الملك لير، وبجانبه اولاده الثلاثة، حيث يحاول اثنان منهم استغلال مرضه للحصول على المال، وبالفعل يعطيهم خريطة ليعرفا حدود دولتهم ولكنهم يطمعون في هذه الورقة ويتناحران على امتلاكها وكأنهما يقسمان هذه الدولة فيما بينهما، وبالفعل يحصل كل منهما على جزء ويذهب ولكن مع مرور الوقت وتعرضهما للعديد من المشكلات يعلمان ان والدهما على حق، وان الطمع والجشع هو الذي أعماهما عن الحقيقة ويعودان الى حيث بدآ، وهنا يسامحهما والدهما طالبا منهما ان يتحليا بالقناعة.
نعود للاجواء مرة اخرى بعد اختراق رواية شكسبير الرائعة ويتحول اعضاء المسرحية الى بروفة اخرى لقصة «ايجامينيون» ولاسيخليوس والتي دخلت مباشرة في الاحداث من خلال اتفاق كوتنمسترا زوجة قضيوي مع عشيقها للقضاء على زوجها في تعبير واضح وقوي للخيانة الزوجية التي دعمها هذا النقل المشبع بالتاريخ من خلال الديكور الذي يعطينا واقع كل عصر من البروفات المتناولة بالمسرحية.
وبالفعل تقتل الزوجة زوجها ويتحول المسرح الى حالة اشبه ما تكون بأفلام الرعب ودعم ذلك تلك الموسيقى القوية مع التعبير الحركي لمجموعة استعراضية في اداء متميز لمسرحية «آدم» كاشفين عن الصراع المحتدم بين الاخوة والذي كانت المرأة هي سببه، وذلك من خلال قتل قابيل لهابيل.
نعود الى واقع المسرحية مرة اخرى، حيث يقف مخرج البروڤات حمد اشكناني باحثا عن فكرة اقوى من هذه الافكار، ويتساءل: لماذا هذا التراجع في مستوى فرقته؟ هل لأنه مخرج فاشل؟ ولكنه يرجع هذا التأخر في البروڤات لضيق الوقت قبل دخول المهرجان ويتوجه بكلامه الى الجمهور قائلا ان هذه القصة التي اضحكتنا وأبكتنا ما هي الا بروڤة لكنها «بروڤة جنرال» التي حاول بها ان يصحّي هذا المارد النائم لمواجهة هذا الطوفان الجارف من الاستقلالية والعلاقات التي تحكمها الماديات ولكي يحل هذه المشاكل التي ليس لها حل، ولكنه ييأس ويقول: ماكو فايدة الظاهر ماردنا واخد اجازة مدى الحياة، ويصرخ بأعلى صوته لقد قتلناك يا وطن، وفي النهاية نحن المقتولون، ويسدل معه الستار ولازال الشجار محتدما بين التيارين المتحرر والمحافظ.
نقاط إيجابية
المسرحية كانت مبهرة وبها العديد من النقاط الايجابية التي جاء في مقدمتها هذا التوافق والتناسق في الاداء والمؤثرات الصوتية والاضاءة والديكور، حيث انهم جميعا اتحدوا ونقلوا لنا فكرة المسرحية بسلاسة ودقة ولم نشعر بهذه التنقلات الدرامية في العمل، ما بين بروڤة واخرى، ولا انكر هنا هذا الوضوح المباشر في عرض الانتقاد للاختلاف بين السلفيين والمتحررين او بين الشيعة والسنة، لكنه كان معبرا عن واقع فكري ومدى احتياج هذا الواقع الى تغيير، وقد ظهر هذا من خلال مطالبة حمد اشكناني بأن يصحوا هذا المارد النائم ليحل هذه المشكلات التي ليس لها حل.
فتحية لهذه المسرحية وجميع العاملين بها على هذا الاداء الرائع وعلى الرؤية المتميزة للمخرج منصور المنصور وقدرته على ان يقوم بدوره كممثل بهذا الاتقان رغم اخفاقه الصوتي، وكذلك المؤلف محمد الخشاوي الذي كان بهذه الافكار المباشرة قريبا من الجمهور طوال فترة العرض، وكذلك للديكور والازياء التي تصدت لهما مها المنصور واعطتنا الفرصة لتدخل مع ابطال العرض جميع البروڤات التي ادوها بالمسرحية.
المؤتمر الصحافي
عقب انتهاء عرض المسرحية «بروڤة جيزال» عقدت اللجنة المنظمة مؤتمرا صحافيا بحضور المؤلف محمد الخشاوي والمخرج منصور المنصور، حيث بدأ الحديث الزميل فالح العنزي الذي اشار الى عدم توفيق المخرج في استخدام انسان متدين واظهاره بهذه الطريقة المباشرة، حيث انه لم يقدمه بالشكل المناسب، بالاضافة الى عدم اداء المجاميع الاستعراضية لدورها بدقة، وهذا اثر على العرض وترابطه، واضاف انه لا ينكر هذا التميز، خصوصا في الديكور الذي تم توظيفه بطريقة جميلة، وكذلك الموسيقى.
من جانبه، اوضح الزميل مطلق الزعبي ان العرض كان متناسقا وشيقا وبسيطا رغم ضيق الوقت.
لكنه لم يميز النص والافكار كان بها نوع من التفكك والصراع كان واضحا بين التيارات الفكرية المقصورة على العمل حيث كان التأثير الدرامي مباشرا وتمنى لو تم تبطينها من قبل المخرج حتى تخرج بصورة أفضل.
بدورها ألمحت الزميلة ليلى احمد الى ان المهرجانات دائما ما تساعد على ابراز الطاقات الشبابية وهذه المهرجانات تدفع الشباب الى الاستمرارية واخراج افضل ما عندهم واشادت بمجهود منصور الواضح وتطوره من عمل لآخر.
واضافت انها كانت تريد ان يتم التخفيف من التعرض لقضية اللبراليين والمحافظين لانها ليست قضية سهلة وتناولها لابد ان يكون اكثر حرصا.
وتطرقت الى الديكورات والاضاءة التي حازت اعجابها وعلقت على صوت منصور المنصور وقالت له انه بالاخراج افضل من التمثيل لان صوته مخنوق، والمحت الى الاداء المتميز لحمد اشكناني وذلك لما يتمتع به من ثقة بالنفس وكاريزما ساعدته على التنقل بين الشخصيات بسهولة حسب متطلبات الدور وهذه موهبة قلما نجدها في الكثير من الشباب.
واستطردت قائلة ان توظيف الخيال في العمل والصراع والخيانة الزوجية كان عاديا والفرق الاستعراضية لم تكن موظفة بشكل جيد وكان لابد من التركيز على عمق الفكرة لتخرج بصورة أفضل.
إرضاء الناس
وفي معرض ردوده اكد المخرج منصور حسين المنصور ان ما قدمته فرقة الرواد الاوائل في مسرحية «بروڤة جنرال» نتاج تعب وجهد وذلك من اجل تقديم عمل يمتع الناس ويرضيهم، واضاف انه دائما ما يحاول تطوير امكاناته الاخراجية وكان سعيدا بهذه الرؤية التي نبعت من داخله هو وأبطال العرض وذلك ما جعل اداءهم بهذا التألق والتوافق ولاحساسهم بان هذا واجبهم تجاه جمهورهم واشاد بدور مها المنصور وهي المسؤولة عن الديكور حيث ساعدتهم في التنقلات المختلفة بين البروڤات داخل العرض واعطتهم هذا الجو الدرامي الذي دفعهم لان يعيشوا ادوارهم وكأنهم في نفس العصر الذي يؤدون فيه البروڤة.
واوضح المنصور ان هذا المجهود هو مجهود شبابي بحت وقد ساعدهم مهرجان الخرافي في ابرازه واضاف ان تقديم اي فكرة على مسرح المهرجان لابد ان يكون قويا ومدروسا لذلك جاءت الاحداث والصراعات مباشرة حتى تقترب من الواقع وتكون اكثر مصداقية كذلك الاستعراضات لم تكن سيئة وتم توظيفها جيدا في العمل.
واضاف انه كان يريد توصيل رسالة للحكومة والمجلس مفادها ان الشعب هو من اوصلكم لما انتم فيه الآن.
تناسق درامي
اما المؤلف محمد الخشاوي فأكد ان فكرة مسرحية «بروڤة جنرال» بسيطة ومباشرة وتتناسب مع المسرح النوعي او الاكاديمي والمح الى ان المسرحية يستطيع فهمها الصغير والكبير من خلال طرح القضايا التي تهمنا بشكل مباشر ودون غموض وببساطة وسلاسة وتناسق في التوارد الدرامي.
واشار الى ان هدفه هو وفريق عمل المسرحية هو هذا التصفيق الكثيف الذي أعقب انتهاء العرض.
مؤكدا انه سعيد جدا بهذه التجربة والتي تعتبر اولى تجاربه مع مهرجان الخرافي.
الجدير بالذكر ان مسرحية «بروڤة جنرال» من تأليف واخراج محمد الخشاوي ومنصور المنصور ويقوم ببطولتها حمد اشكناني، منال الجارالله وعبدالرحمن السلمان.
الصفحات الفنية في ملف ( pdf )