محمد ناصر
عندما سئلت إعلامية لبنانية كبيرة عن رأيها في شعر وكلام زياد الرحباني قالت انه يأخذ كلماته من سلة مهملات الحياة اليومية فيقدمها لنا بطريقة واقعية دون أي رتوش أو تجميل.
الكاتبان حسن سامي يوسف ونجيب نصير ينطبق عليهما التوصيف ذاته اذ انهما أكثر من يبرع في نقل واقعية الحياة والتفاوت الطبقي فيها فيغرفان من مستنقعات ومصاعب حياة العشوائيات في حبكات درامية لا تنطبق على المجتمع السوري فحسب بل على المجتمعات العربية، ولا يكتفي الكاتبان بتقديم قصة درامية في مسلسل «زمن العار» تحترم عقل المشاهد بل يغرقانا بسيناريو خلاق وطبيعي الى أقصى الحدود، فقلما نجد مسلسلا تشكل فيه الحوارات بين أبطال العمل متعة بحد ذاتها بغض النظر عن سير العمل وتتابع أحداثه.
أبرز المسلسلات
فمسلسل «زمن العار» والذي يعرض على فضائية دبي عمل مليء بالتفاصيل الاجتماعية والأخلاقية والسلوكية اليومية ضمن توليفة اخراجية وابداعية وانسانية وجمالية مؤثرة، ولا نغالي ولا نبالغ إذا اعتبرنا ان «زمن العار» هو بالفعل أحد أبرز المسلسلات العربية التي عرضت في شهر رمضان إن لم يكن أبرزها على الإطلاق فما شاهدناه كان عبارة عن مباراة رفيعة المستوى لعمالقة التمثيل من جهة ولواقعية النص ولجمالية الإخراج من جهة اخرى.
الغواية والعنوسة
يأتي النص والسيناريو في «زمن العار» الرافعة الأولى والأبرز للعمل، فالغوص في بيئة العشوائيات والطبقات المعدومة ومجتمع القاع والفساد في الدوائر الرسمية والنصب والاحتيال حتى بين الأصدقاء والجيران والغواية والعنوسة والخيانة والفقر والجشع كلها محاور عالجها النص بسلاسة وجمالية مع ترابط تام للمواضيع ببعضها فلا نجد لكل موضوع حكاية منفصلة بل تضعنا كل مسألة من المسائل التي عالجها المسلسل وبشفافية مفرطة أمام أحداث تصفعنا بواقعيتها وبحدة وجعها.
ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يتعداه أيضا ليقدم لنا وتيرة متصاعدة في الأحداث تجعل عيوننا شاخصة وقلوبنا تخفق ترقبا للحدث وهو شعور لم نحس به منذ سنوات طويلة عندما بدأت مسلسلات المط والتطويل والأحداث الخارجة عن كل منطق وعقل.
بثينة ودور العمر
مع توافر نص مميز لابد ولظهوره بالطريقة المثلى ان يؤديه ممثلون مميزون وهو ما تحقق ليكتمل الركن الثاني لنجاح العمل وهو التمثيل الذي سنتوقف عنده كثيرا لنسبغ على الممثلين المديح ظاهرا وباطنا فما قدموه لنا لم يكن تمثيلا بل واقعا معيشا برعوا في تجسيده خاصة «سلافة معمار» بدورها الأجمل في مسيرتها الفنية إذ أعطت لشخصية «بثينة» العانس، واقعا حياتيا يتماشى مع المألوف والمشروع فنراها تخلع الحجاب وتضعه وفق المتعارف عليه تماما حتى انفعالاتها ودموعها وغضبها ورجاؤها كله كان من الصعب ان نشعر بانه تمثيل. ولعل الأجمل كان لحظات اكتشاف أنوثتها مع جميل وسكرتها بهذا الرجل وغوايته لها وصولا لعذاباتها مع اكتشاف الحمل واعطاء سرها لزوجة أخيها وتقديم صكوك الولاء والطاعة لها بعد مساعدتها وتعهدها بأنها تنسى انها ابنة آدم وتنسحق في خدمتهم كليا.
لحظة شيطانية
أما الممثلة القديرة ثناء دبسي فكانت رائعة بتأديتها دور الأم العاجزة والمريضة والشاهدة على انحدار سلوك أفراد عائلتها رويدا رويدا نحو العار حتى يصرعها زوجها أبومنذر عندما يفقد انسانيته في لحظة شيطانية بتركها تموت تحت ناظريه دون مساعدتها.
مكسيم خليل الذي أدى شخصية «نورس» أداها بتميز وخرج من نمطية شخصياته التي طُبع بها في أدواره الأخيرة وكذلك تيم حسن الذي رغم قبضه على روح جميل وتمكنه منه بطريقة تامة الا انه لم يستطع ان ينسنا شخصية «عبود» في الانتظار.
استعجال غير منطقي
أما الركن الثالث المتمثل في اخراج رشا هشام شربتجي للعمل فقد أتى الاخراج متقنا كعادة رشا وإن شابه استعجال غير مبرر وغير منطقي في عرض بعض المشاهد والتغاضي عن أحداث مفصلية عادة ما يترقبها المشاهد، فقامت بقطع الأحداث بطريقة تخطت معها النص المكتوب، اضافة لتداخل كلام المشهد السابق بالذي يليه في طريقة سبق وقدمتها شربتجي في بعض أعمالها السابقة.
ورغم ذلك فإن اخراج العمل مصنوع بإتقان خاصة مع ادارة ممثلين عمالقة ونص مبدع، ونستطيع ان نطلق على رشا شربتجي بعد هذا العمل لقب مخرجة الشتاء السورية ومخرجة الصيف المصرية اذ انها غالبا ما تقوم بتصوير مسلسلاتها السورية في فصل الشتاء فنرى الأكمام الطويلة والمدافئ والمعاطف، بينما نرى البحر والشمس والحر في مسلسلاتها المصرية التي تصورها في فصل الصيف.
جائزة الدراما
ومع اطلاق جائزة دبي للدراما العربية والهادفة الى تشجيع الدراما العربية وتحفيز الفنانين وصناع المسلسلات على الإبداع والتميز نتمنى أن يجد مسلسل «زمن العار» كل الثناء والتقدير بل والوصول الى كونه أفضل عمل درامي تابعه الجمهور وترقبه وسط طوفان المسلسلات المعروضة، ومن فاته مشاهدته فليتلقفه عند عرضه مرة أخرى ومن شاهده مرة فسيعاودها مرات أخرى.