- العلاقة الإنسانية بين «عطر ومازن» من أجمل ما قُدّم في الدراما لكن المبالغة في الحوارات والأحداث تحاصرها
- إخراجياً بصمة القفاص واضحة.. وتمثيلياً هدى حسين منطلقة وعبدالله البلوشي مؤثر
بقلم: محمد بسام الحسيني
التوق إلى تعويض عاطفة أمومة مفقودة ينتشل الشاب المريض نفسيا والانعزالي «مازن» من عزلته شيئا فشيئا ويعيده إلى واجهة الحياة. هذا الشعور المستجد والأمل يؤججهما في داخله عطر والدته الذي تستحضره «عن عمد» طبيبته «الدكتورة عطر» الموكل إليها إنقاذه من قبل أبيه المحتضر حتى لا يقع فريسة في براثن ابن عم والده الشرير «عدنان» الطامح للانتقام والطامع بالثروة.
رمزية العطر كجسر بين الحاضر والذاكرة ومحفز للمشاعر الإنسانية، وفكرة أن يكون العطر بطلا وحدثا رئيسيا في عمل درامي بحد ذاتها كانت عاملا كافيا لاستثارة الاهتمام والتعاطف من البداية، خاصة أن النص على الورق قابله تمثيل لا يقل روعة على الشاشة جمع الفنانة القديرة هدى حسين والممثل الشاب عبدالله البلوشي، مع بصمة إخراجية واضحة وفارقة للمخرج محمد القفاص.
هذا هو الجانب الجميل في قصة ومسلسل «عطر الروح»، وبما أنه لا يكفي لـ30 حلقة استُكمل بأجواء بوليسية وأحداث متلاحقة بدأت مع دخول مشعل والد مازن (عبدالرحمن العقل) المستشفى وهو في غيبوبة، بعد أن وضع ثروته ورعاية ابنه أمانة في عنق «الدكتورة عطر» (هدى حسين) التي قبلت المهمة وانتقلت للعيش في قصره لتواجه «الشر» مُجسداً بعدنان (عبدالمحسن النمر).
يبلغ عدنان دواخل القصر أولا عبر قلم تجسس يحتوي آلة تصوير من خلال فواز ابن عطر آملا في الحصول على دليل بأن «عطر» تعمل كطبيبة لمازن (وهي الممنوعة بحكم قضائي من ممارسة المهنة)، ثم يصل إلى الخزنة عن طريق شقيقها ليستحصل على وثائق «مشعل»، كما تحضر الشرطة للتحقيق وفجأة يظهر لنا ممثل شاب (ناصر عباس) ينتحل صفة «مازن» بناء على تشابه أسماء بتخطيط من «مشعل»، قبل دخوله في غيبوبته!
نقدم هذا الشرح الضروري للنص لنبني عليه نتيجة وهي ان المحور الإنساني للقصة هو من أجمل ما قُدم دراميا في السنوات الأخيرة، ولكن في المقابل فإن باقي الأحداث التشويقية والخطوط تدخل في إطار «العادي» رغم جهد الكاتب علاء حمزة في محاولة الموازنة والحفاظ على إيقاع ورونق القصة الإنساني بالأساس.
حواريا، يواجه المسلسل أيضا نقطة ضعف تتمثل بكثرة تمرير الشروحات النفسية المعقدة من خلال حوارات ثنائية تفتقد العفوية رغم كونها غير ضرورية في مواقع كثيرة. كما أن تلاحق الأحداث البوليسية بوتيرة سريعة ترافق مع مبالغات وحوارات سطحية أحيانا.
على المستوى التمثيلي، يسجل العمل نجاحا رباعيا، فهدى حسين التي خرجت من عباءتي «إقبال» و«جود» إلى حيوية «عطر» الحرة تؤدي دورا مريحا بانطلاق، وعبدالرحمن العقل جسّد دور الأب الطيب بإقناع قبل أن يغيب عن الواجهة.
و يقدم عبدالمحسن النمر ظهورا متجددا ولافتا بدور الشرير والجشع قولا وفعلا، مواجهاته مع «عطر» ومشهد اقتحامه للمستشفى ورفع الأجهزة بقسوة عززا صورته المقنعة في الدور.
لكن البطل الأبرز تمثيليا ومفاجأة الموسم عبدالله البلوشي من خلال تأديته لشخصية «مازن». كثر في المواسم الأخيرة ظهور الشخصيات الصامتة التي تعبر حركيا، لكن البلوشي يقدم مستوى خاصا وجهدا استثنائيا واضحا في تجسيد مثل هذه الحالات وهو حتما على لائحة الأفضل هذا الموسم.
أما مستوى باقي الـ«كاست» فيتأرجح بين العادي والضعيف.
«عطر الروح» مسلسل اجتماعي يعتمد دراما سوداوية تقوم على صراع ثنائية الخير والشر بشكل مطلق تعزز التعاطف مع الضحية والمدافعين عنها، وقد نجح المسلسل حتى الآن في ذلك، كما يقدم لنا قصة غير تقليدية تحمل جديدا في الدراما الخليجية وعطرا خاصا يستثير مخيلة المشاهد وقدراته التأملية وتعاطفه كما فعل العطر فعله مع «مازن»، وهذا ما يجعله في مصاف الأعمال الجيدة والمنافسة هذا الموسم، والواعدة بالمزيد من المفاجآت في قادم الحلقات.
غداً «محطة انتظار»
إقرا أيضا
«عوالم خفية».. هادف وممتع ..و«الزعيم» في القمة