القاهرة - محمد صلاح
في الغرفة 502 بالطابق الخامس بمستشفى المعادي للقوات المسلحة على كورنيش النيل بالقاهرة، تعيش «فرجينيا السينما العربية» وجميلة الجميلات الفنانة نادية لطفي لتلقي العلاج من الأزمة الصحية الشديدة التي أصابتها منذ 20 شهرا.
«الأنباء» زارت الفنانة القديرة وحاورتها واطلعت على تفاصيل حالتها الصحية ورأيها في العديد من القضايا الفنية والإنسانية.
عندما تصل إلى الطابق الموجودة فيه نادية لطفي تعرف غرفتها من خلال الملصقات التي تقوم بلصقها على الباب سواء بالتهنئة بشهر رمضان أو عيد الفطر وغيرهما من المناسبات، وعند الدخول تلفت نظرك مباشرة الصور التي قامت بوضعها داخل إطارات لمراحلها العمرية ولمناسبات مختلفة مرت بها، ومع شخصيات فنية وعامة وسياسية، وتجد صورها مع زوجة الرئيس عبدالفتاح السيسي التي قامت بزيارتها بالمستشفى للاطمئنان على صحتها، ولكن الأغرب أنها صنعت وسائد وضعتها على سريرها وعليها صورها مع اقرب أصدقائها لقلبها، الراحلين رشدي أباظة وأحمد رمزي وسعاد حسني وعبدالحليم حافظ، وعن سر هذه الصور والوسائد والكتب التي تملأ الغرفة، قالت لطفي: أشعر بالألفة والأنس بين ومع اقرب الأحباب والأصدقاء وعِشرة العمر، ولا أترك كتابا دون قراءته، خاصة كتب التاريخ والراويات.
وتابعت: وجود صور بعض الفنانين الراحلين فهم مازلوا الأقرب لقلبي وعِشرة العمر وصندوق الذكريات، ولكل منهم معي حكايات ومواقف خالدة في ذاكرتي، وكانت بيننا صداقة قوية جدا وكنت كاتمة الأسرار لهم وهم كذلك.
ووصفت تجربتها مع المرض والعلاج والمستشفى، قائلة: الحكاية بدأت في صباح احد أيام نوفمبر 2016، حيث فوجئت بإصابتي بحالة إغماء وأنا في منزلي، وساعدتني مساعدتي وطبيبي للذهاب الى مستشفى القصر العيني وأثناء نزولي في المصعد توقف قلبي لحظات عن النبض وأخذ الطبيب يحاول إسعافي بكل الطرق، وظل يعمل ضخا للقلب فحدث كسر في الضلوع، وظللت بالمستشفى لفترة طويلة ورغم شعوري بالألم الرهيب، فإنني كنت أتمسك بأن القادم افضل وأنني سأمر من تلك اللحظات الرهيبة.
وأضافت: لا أخشى الموت وأتعامل معه على انه حقيقة وأمر واقع لا يمكن منعه أو تجنب حدوثه، وأنا على قيد الحياة آكل وأشرب وأفكر وأتعامل مع من حولي وكلها أمور عادية، وحين يفاجئني قضاء الله لن أشعر به أو يؤلمني، وبالفعل توقف قلبي عن العمل لعدة دقائق وهو وقت طويل ولكن بعد أن عاد للعمل من جديد وجدت نفسي في حالة معنوية عالية جدا وعادت لي القوة رغم الآلام والأوجاع، وأدركت أن العمر مازال به بقية، لذلك لا افكر في حدوثه أو اثاره، وأدرك انه قادم وقتما كتب لي ربي، وبالفعل أنا شخصية عقلانية أعيش من خلال أفكاري وتحليلاتي، وأترك مساحة اقل لقلبي ومشاعري لمن يستحقها سواء وطن أو عروبة أو أسرتي وأصدقائي.
وعن شعورها بالتقدير والمساندة في ازمتها الصحية قالت لطفي بابتسامة رضا: الحمد لله رغم فترة مرضي الفترة الأخيرة شهدت عدة تكريمات لتاريخي وفني وشعرت بأن ما قدمته طوال 35 عاما لم يذهب هباء، فقد أعلن مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط إطلاق اسمي على دورته المقبلة في أكتوبر المقبل، كما تم تكريمي من غرفة صناعة السينما المصرية برئاسة المنتج فاروق صبري وإهدائي شهادة تقدير ودرعا خاصة تقديرا لمشواري الفني، ومنحني المجلس الأعلى للثقافة جائزة الدولة التقديرية فرع الفنون لعام 2017 في الفنون، وحصلت على الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون، وكل هذه التكريمات أسعدتني كثيرا واعتبرتها من أغلى التكريمات على قلبي، خاصة أنها تمت وسط حضور كبير جدا من زملائي الفنانين الذين حرصوا على التواجد، ومن اكثر أسباب استعادتي للحالة المعنوية العالية هو كم الحب الذي تلقيته من الجميع سواء الدولة ممثلة في الرئيس السيسي وزوجته وزملائي النجوم والإعلام والناس البسطاء الذين يتوافدون على المستشفى للاطمئنان على صحتي.
وعما يتم تداوله كل فترة عن كتابة مذكراتها، وهل تنوي بالفعل إصدارها، ردت بحسم: تلقيت عشرات العروض من اجل كتابة قصة حياتي ومذكراتي الشخصية وعلى الفور ارفض أي جدل أو نقاش حول أي أمور تخص حياتي لأنها ملك خاص لي ولأسرتي فقط، ولا تهم احدا سواي، ورغم أن هناك عروضا مغرية جدا ماليا، إلا أن المال لا يشغلني نهائيا مقابل المبدأ ذاته، أما عمل أفلام تسجيلية وحوارات وشهادتي على بعض الأحداث فأهلا به إذا كان سيفيد احد من الاجيال الجديدة أو يقدم معلومة مفيدة، ولذلك أتناقش أحيانا في بعض المشاريع لكن ادقق جيدا في الفكرة والمحتوى الذي سيقدم للناس عني.
وحول رأيها في الجيل الحالي من الفنانين والأعمال الفنية، ردت: الفن في الوقت الحالي به بعض الأعمال الجيدة وبعض الفنانين المميزين، ولن احدد اسما بعينه منعا للإحراج للبعض، وفى كل جيل تجد المقارنات مع الاجيال السابقة وهو أمر عادى، ولكن هذا لا يمنع ان الأعمال الجيدة أصبحت اقل من الأعمال الرديئة، عكس ما كان يحدث زمان، حيث كانت الاعمال جيدة والإنتاج غزيرا وكم النجوم والنجمات والمؤلفين والمخرجين والمنتجين اكثر عددا وكيفا وفكرا.
وعن وجهة نظرها بأن الفن ليس مهنة، أوضحت: الفن والتمثيل بالنسبة لي لم يكن يوما مهنة بل هو أخلاق ورسالة وإيمان وفلسفة وعقيدة، لذلك كنت حين أتلقى ترشيح لأداء عمل فني أقرأ العمل كاملا، ثم اركز تماما على الشخصية التي أقوم بتجسيدها، وادرسها بعمق وأتغلغل داخلها حتى اصبح أنا وهي شخصا واحدا وأفكر بطريقتها وخلفيتها التاريخية، ثم أبحث عن نماذج تشبهها في الحياة وأخرج بالشخصية متكاملة إلى النور أمام الكاميرا، ولم أهتم يوما بالاسم على الافيش أو مساحة الدور والأجر ولكن عن مدى تأثير الشخصية في العمل والحياة، وأبسط دليل على ذلك موافقتي وترحيبي بالعمل مع المخرج شادي عبدالسلام في فيلم «المومياء» عام 1979، حيث لم يتعد دوري في الفيلم مشهدين صامتين، رغم أني تصدرت الافيش، ولكن بحمد الله حصلت على العديد من الجوائز الكبرى.
والمعروف أن الفنانة نادية لطفي اسمها الحقيقي بولا محمد شفيق، عمرها 81 عاما، قدمت 80 عملا على مدار 35 عاما، ومن أهمها «الناصر صلاح الدين، السبع بنات، الخطايا، أبي فوق الشجرة، المومياء، للرجال فقط، قصر الشوق، مدرس خصوصي، السمان والخريف، النظارة السوداء، الاخوة الأعداء»، وقدمت عملين دراميين «إلا دمعة الحزن، ناس ولاد ناس»، ومن عام 1977 انشغلت بالأعمال الاجتماعية والإنسانية والخيرية، وتفرغت لها تماما عقب إعلان اعتزالها عام 1988.