بعد صراع مع المرض توفي الموسيقار اللبناني ملحم بركات بعد ظهر اليوم الجمعة، في مستشفى «اوتيل ديو» ببيروت.
ويعتبر الراحل بركات (71 عاماً) من أشهر المطربين والملحنيين اللبنانين والعرب، طبع الأغنية العربية المعاصرة بأسلوبه اللحني الإبداعي وأدائه الذي يجمع بين الطرب الأصيل والغناء المتجدد، لا سيما أنه تأثر بفن موسيقار الأجيال الراحل محمد عبدالوهاب.
ظهرت موهبة الفقيد، منذ كان في المدرسة، حيث قام في أحد الاحتفالات المدرسية بتلحين بعض الكلمات من الجريدة اليومية وقام بغنائها بنفسه، ومع نبوغه في هذا المجال التحق بأحد البرامج المشهورة للأصوات الجديدة، وقام باختباره رواد الفن اللبناني الكبار، وحينها قالوا عنه إنه موهبة لا مثيل لها، لما يمتلكه من طبقات صوت عالية ذات مواصفات جيدة، ومع مرور الأيام التحق بالمدرسة الرحبانية، فكانت انطلاقته الفنية الكبيرة.
وقد اشتهر منذ صباه كمغن في بلدته، حتى طلب منه مرة الغناء والعزف بين فصلي مسرحية «جنفياف» التي كانت تعرض في البلدة، فلفت انتباه الموسيقي حليم الرومي، الذي كان يسكن كفر شيما، فأثنى على موهبته وشجعه.
في مطلع شبابه طلب ملحم من والده أن يسمح له بدراسة الموسيقى، فكان جواب الأب: «هناك عبدالوهاب في الساحة وتريد أن تصبح فنانا؟!» ومع ذلك ترك ملحم المدرسة وكان في السادسة عشرة من عمره وقرر الالتحاق بالمعهد الوطني للموسيقى، فانتسب إليه دون معرفة أبيه، وكان يخبئ كتب المعهد في كيس ورقي يخفيه أمام مدخل منزله، إلى أن اكتشف والده الأمر، فقبل ذلك نظرا لإصرار ابنه على خوض التجربة إضافة إلى ما يتمتع به بركات من موهبة واعدة.
درس ملحم النظريات الموسيقية والصولفاج والغناء الشرقي والعزف على آلة العود لمدة 4 سنوات في المعهد الوطني للموسيقى (الكونسرفاتوار)، وكان من بين أساتذته سليم الحلو وزكي ناصيف وتوفيق الباشا، ثم ترك المعهد قبل إكمال دراسته، فنصحه فيلمون وهبة بأن يتوجه إلى مسرح الرحابنة وهكذا كان لكنه بعد 4 أعوام أخرى تركهما لكي يشق طريقه الفنية ويبني شخصيته الموسيقية الطربية والتلحينية المتميزة لما يمتلكه من موهبة في هذين المجالين.
كان بركات يلحن في مسرحيات الأخوين رحباني وبرنامج ساعة وغنية الذي سجل في تلفزيون الأردن وكان على صداقة حميمة مع فيلمون وهبة ابن بلدته، فأثر فيلمون عليه بلحنه الطربي ذي الطابع الشعبي الذي يصنف ضمن خانة «السهل الممتنع».
وكانا كلاهما يعشقان الصيد، وحياتهما مليئة بالبسمة والطرافة و«خفة دم» ينشرانها أينما وجدا.
وعن التعامل مع الرحابنة، قال بركات: «ذات يوم قال لي فيلمون وهبي بالحرف الواحد: يا ابني أنت ولد موهوب لكن مع بيت الرحابنة لن تصل إلى الشهرة، إما أن تكون مكان نصري شمس الدين أو أقل منه، ولن يتركوك تتفوق عليه».
وأشار بركات إلى أن الرحابنة «كادوا أن يربطوه بعقد، لكنه لم يقبل، حيث أكمل مسرحية الشخص ورحل، فاتصلوا به عدة مرات وكان يرد عليهم قائلا "إن مستقبلي ليس عندكم، انطلقت، لو لم أفعل هذا لما انطلقت ولم يكن هناك ملحم بركات".
ويصف عمله مع روميو لحود بأنه كان مشبعا بالحرية بينما عمله مع الرحابنة أكسبه الخبرة في الحياة وشجعه لأن يصبح فنانا.
وسيظل الراحل بركات علامة مضيئة في تاريخ الفن اللبناني والعربي لما قدمه من أعمال ستظل خالدة في ذاكرة التاريخ، وينهل منها الأجيال القادمة.