يجمع فيلم «The Mountain Between Us» بين المغامرة والدراما والرومانسية، ويصنف بشكل رئيسي ضمن مجموعة الأفلام التي تدور في نطاق الصراع من أجل البقاء.
الفيلم من بطولة إدريس إلبا وكيت وينسلت، وهو مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب الأميركي تشالز مارتن، وكتب له السيناريو كريس ويتز بينما تولى إخراجه الفلسطيني هاني أبو أسعد الذي سبق له تقديم عدد من الأعمال المميزة منها فيلم Omar، وفيلم Paradise Now، وكلاهما رشح لجائزة الأوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية.
تدور أحداث «The Mountain Between Us» حول شخصين غريبين عن بعضهما البعض هما أليكس مارتن (كيت وينسلت) وبن باس (إدريس إلبا) اللذان يلتقيان في مطار سولت ليك، حيث يتم إلغاء رحلتهما بسبب سوء الأحوال الجوية، ولأن كلا منهما لديه سبب طارئ يجبره على إتمام الرحلة يتوافقان حول استئجار طائرة خاصة تقلهما إلى وجهتهما، إلا أن تلك الطائرة تتعرض لحادث بمنتصف الرحلة وتهوى بمنطقة جبلية غير مأهولة مغطاة بالثلوج، ومن ثم يكون على الغريبين مساندة بعضهما ومكافحة الطبيعة القاسية، وخوض الكثير من الأهوال للبقاء على قيد الحياة.
يمكن القول بأن الأداء التمثيلي هو العنصر الأفضل على الإطلاق في فيلم The Mountain Between Us، حيث كان الفيلم في مجمله عبارة عن مباراة تمثيلية بين كيت وينسلت وإدريس إلبا اللذين كانا ملمين بتفاصيل شخصياتهم، وقدما أداء متقنا خاليا من المبالغة وبعيدا عن الجمود.
ساعدت طبيعة العمل الممثلين الرئيسيين على تفجير طاقاتهم وإبراز قدراتهم. إذ إن الفيلم يحوي كما هائلا من المشاهد الدرامية، علاوة على أن علاقة الشخصيتين تمر بالعديد من التحولات – خاصة في نصف الفيلم الأول – وبالتبعية كان من الضروري أن يتغير أسلوب الأداء والتفاعل بينهما بما يتناسب مع المرحلة، وقد تم ذلك بسلاسة وهدوء حتى ان في بعض الأحيان لم يشعر المشاهد متى حدث هذا التحول وكيف بدأ، وقد كانت المباراة التي جمعتهما ثنائية وليست تنافسية، أي أن كلا منهما كان سببا مباشرا في تألق الآخر، حتى ان مجموعة المشاهد القليلة التي تضمنت تراجعا نسبيا في مستوى الأداء التمثيلي كان التراجع من نصيب الطرفين معا.
تجسد كيت وينسلت من خلال أحداث The Mountain Between Us شخصية الصحافية الشابة (أليكس مارتن)، وقد نجحت في جذب انتباه المشاهد والتعبير عن طبيعة شخصيتها منذ ظهورها الأول على الشاشة في افتتاحية الفيلم، حيث بدت «أليكس» مندفعة، متحمسة، كثيرة الأسئلة، لا تستسلم بسهولة، جامعة في ذلك بين سماتها الشخصية الفطرية، وتأثرها بعملها في مجال الصحافة، وهذا كله مغلف بحس الفكاهة الذي تمتاز به.
تمكنت كيت وينسلت من الحفاظ على رسم الشخصية بمختلف المراحل التي مرت بها، والتي كان يصاحبها بالضرورة اختلاف طفيف في السلوك العام وأسلوب التعامل مع الطرف الآخر، وقد نجحت وينسلت في تقديم ذلك بدقة شديدة، ودون أن يكون ذلك التغير ملموسا للدرجة التي تقربه من الافتعال، حتى اللحظات الكوميدية - التي كانت هي مصدرها الرئيسي - كانت تتسم بقدر كبير من العفوية والتلقائية، ولولا ذلك لتسببت في إفساد العديد من المشاهد خاصة أن الوضع المأساوي الذي تدور به الأحداث لا يسمح بذلك، لكن كيت وينسلت جعلت الكوميديا - غير الملائمة للموقف - متماشية تماما مع الشخصية، ونابعة من طبيعتها الساخرة مما لم يشعر المشاهد بغرابة ردود أفعالها أو عباراتها.
قدم إدريس إلبا شخصية (بن باس) جراح الأعصاب المثالي المستعد للمغامرة بالسفر في ظروف استثنائية لإنقاذ مريضه ذو العشرة أعوام … كانت شخصية إلبا هي الأكثر انغلاقا وبالتالي الأكثر غموضا، وقد ساهم ذلك في رفع سقف التحدي أمام موهبة إلبا، فقد كان مطالبا بإقناع المشاهد بشخصية مركبة تحمل أكثر من سر، وتتحكم أحداث الماضي - غير المعلومة بالنسبة للمشاهد - في دوافعها وانفعالاتها وردود أفعالها.
أحكم إدريس إلبا قبضته على الشخصية في أغلب مشاهد الفيلم، ورغم أن ردود أفعاله تناقضت في بعض الأحيان، إلا أنها كانت مقنعة تماما، وكان لدى المشاهد إحساس بأنها صادرة عن نفس الشخص حتى وإن لم يتم تبرير ذلك، إلا في مرحلة متأخرة نسبيا، كما تمكن من إحداث توازن بديع بين إظهار صلابة وتماسك الجراحين، وقدرتهم على التحلي بالحكمة في اللحظات الحرجة، وبين إظهار مشاعر الخوف الفطري التي تنتاب أي إنسان عند التعرض للخطر.
إذا أردنا النظر إلى أبرز العيوب التي شابت تجربة «The Mountain Between Us»، والتي قد تكون سببا في حصوله على تقييمات نقدية متوسطة رغم ما يتوافر به من عوامل جذب، سنجد أنها متمثلة في مجموعة من الصور السينمائية المحفوظة والمعادة، والتي عفى الزمن على بعضها لدرجة أن تقبلها أو الانفعال معها لم يعد أمرا واردا أو مقبولا، ولم يشفع لها الأداء المميز من جانب الممثلين، بل يمكن القول إنها أهدرت مجهودهم.
تضاعفت معدلات تركيز المشاهد الدرامية والرومانسية في النصف الثاني من الفيلم، وبلغ التركيز ذروته في الثلث الأخير منه، حيث أراد المخرج تدعيم العلاقة بين الشخصيات بصورة مقنعة ومبررة، وفي ذات الوقت التمهيد للمفارقة الأخيرة التي تحدث قرب النهاية، لكن ذلك كله طغى على أجواء التشويق والإثارة وتحدي الطبيعة، والكفاح من أجل النجاة والتي تعد العمود الفقري لهذا العمل السينمائي والقاعدة التي تم تأسيسه عليها، ورغم كل ذلك فإن المشكلة الحقيقية لا تكمن في طغيان الجانب الرومانسي على التشويقي، بل تتمثل في الأسلوب الذي قدمت به تلك المشاهد، والذي جاء خاليا من أي ابتكار أو تجديد لدرجة تجعل المشاهد يشعر بأنه أمام فيلم معاد سبق له مشاهدته عشرات المرات.
اعتمد صناع «The Mountain Between Us» في تقديم مشاهد الرومانسية على الخطابات المباشرة المستهلكة والمشاهد المكررة، ذلك الأسلوب قد يكون مناسبا لأفلام الأربعينيات ذات الأنماط الثابتة، بل إن المخاطر التي تعرض لها البطلان كانت شبه متوقعة، والأمر نفسه ينطبق على أسلوب تخطيهم لها وتغلبهم عليها الذي اتسم ببعض السهولة، وبالتالي عجز عن الوصول بالمشاهد إلى درجة التوتر المطلوبة على عكس الأفلام التي دارت في أجواء مماثلة.