حصد فيلم «Lady Bird» اعجاب كل من شاهده عندما عرض في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، وحصد الفيلم جائزتين في «الغولدن غلوب» الاميركية، كما رشح لثلاثة جوائز للاكاديمية البريطانية لفنون الافلام والتلفزيون (البافتا)، وينافس هذا العام على خمسة جوائز أوسكار هي (أفضل فيلم، أفضل ممثلة في دور رئيسي، أفضل ممثلة في دور مساعد، أفضل مخرجة، أفضل نص أصلي).
عندما كتبت الممثلة والكاتبة غريتا غروغ النص الأولي للفيلم وهو تجربتها الأولى على مستوى التأليف والإخراج، كانت الرواية من 350 صفحة، أي ما يعادل فيلما لست ساعات، وعندما عرضته على سيرشا رونان عام 2015 وقرأت الأخيرة منه صفحتين علمت منذ هذه اللحظة ان شخصية «Lady Bird» تتجسد أمامها.
ويعتبر البعض أن الفيلم سيرة ذاتية لكاتبته ومخرجته، خصوصا ان نقاط التشابه كثيرة للغاية، مثل الأحداث التي تدور بين عامي 2002 و2003 وهو نفس الوقت الذي تخرجت فيه غيروغ من مدرسة كاثوليكية ثانوية مثل بطلة الفيلم، وتدور القصة في سكرامنتو، المدينة التي عاشت ونشأت فيها غيروغ أيضا، واسم البطلة الحقيقي هو كريستين، وهو اسم والدة غيروغ التي تعمل ممرضة مثل والدة البطلة في الفيلم كذلك!
الكثير من النقاط المشتركة التي تجعل هناك ما يشبه الأحجية لإيجاد الفروقات بين الحقيقية والخيال، ولم ينتقص استناد غيروغ على نقاط من الحقيقية من فيلمها بل زاده إحكاما، فنجد أن كل جملة وكل تفصيلة حقيقية للغاية، يمكن أن يقولها أفراد من حولنا، ما أعطى العمل مصداقية عالية، والأهم منح الأبطال فرصة لتقديم أداء مختلف، قد يبدو هادئا جدا من الخارج لكنه عنوان للواقعية والعفوية.
بالتأكيد مررنا على عشرات من أفلام المراهقين والمراهقات والمدرسة الثانوية، وقضايا النضوج والصراع مع الأهل، ولكن فيلم «Lady Bird» قدم ذلك كله بصورة مختلفة وناضجة للغاية، لأنها ركزت على ما قام من قبلها بتقديم قشوره فقط، فأتت العلاقات والشخصيات في الفيلم مرسومة بدقة وحقيقية للغاية.
ولا عجب أن اسم الفيلم الأصلي كان «أمهات وبنات»، فتلك العلاقة التهمت أغلب أحداث الفيلم على الرغم من أنه مليء بالخيوط الفرعية، فكريستين او «Lady Bird» التي تجسدها سيرشا رونان، فتاة متمردة أعطت لنفسها اسما مختلفا تماما عن ذلك الممنوح من أهلها، فكان من الطبيعي أن تكون العلاقة بينها وبين والدتها متوترة، فالأم «لورا ميتكالف» امرأة في منتصف العمر وتحمل عبئا كبيرا، حيث تعاني في عملها ومع مصاريف المنزل وزوج يفقد وظيفته مصاب بالاكتئاب وابن يعيش مع حبيبته في منزل العائلة لأنه لا يوجد منزل يأويها، لا تستطيع تحمل تمرد ابنة متطلعة للأعلى دوما، ترغب في أن تطمئن على صغيرتها في جامعة تستطيع دفع تكاليفها بسهولة، وبما أن الشخصيتين متضادتان تماما، فالحديث دوما ما ينقلب بينهما إلى جدال.
العلاقة بين الأم والابنة معقدة للغاية، لأن في كل حديث بينهما يظهر- بجانب عمق الصراع- الحب الكبير الذي تحمله كل منهما للأخرى، والتي لا تحسن التعبير عنه.
والعلاقة الثانية الأهم هي بين البطلة وبلدتها، فنجدها تظهر في البداية امتعاضها من سكرامنتو المدينة المملة البسيطة، وتشتعل غضبا عندما تعلم أنها ستذهب لجامعة قريبة منها، وتبحث دوما عن سبيل للفرار بعيدا قدر الإمكان، ولكن هذا كله نجده قشريا فهي من كل قلبها منتمية لمدينتها ومنزلها وعائلتها.
رسمت غيروغ العديد من الشخصيات الفرعية الى جانب الشخصيتين الرئيسيتين للأم وابنتها، فنجد لدينا الأب الذي يبدو أمام الجميع طوال الوقت متماسكا، داعما، لكن في الحقيقة هو مصاب بالاكتئاب والخذلان من الحياة ذاتها، والصديقة المقربة لكريستين التي تتفهم كل تقلباتها واضطراباتها، على الرغم من معانتها لما هو أكثر ثقلا وعناء، بالإضافة لحبيبين مختلفين اختلاف الأرض عن السماء حظت بهما «Lady Bird» خلال الأحداث، لكل منهما قصة منفصلة تصلح كفيلم كامل، وقام بدورهما لوكاس هيدجز وتيموثي تشلاميت في أداء ممتاز بحق.
لو قلنا إن رسم الشخصيات ونص الفيلم هما نقطتا قوته الوحيدتين لظلمناه بشدة، فقد حفل بمميزات أخرى على رأسها الأداء المميز لكل المشتركين في الفيلم على رأسهم سيرشا رونان ولورا ميتكالف، وقد حصلت الأولى على الغولدن غلوب، وترشحت الثانية لها، ولكن فازت بها أمٌّ أخرى هي أليسون جاني من فيلم «I, Tonya».
ولو شاهدت الفيلم ولم تعرف المخرجة لما اكتشفت نهائيا أن هذا هو عملها الأول، فقد كان تحكمها بالممثلين، واختيار الكادرات وزوايا التصوير احترافيا للغاية، بل ممتع ومسلٍ ايضا.
إيقاع الفيلم لم يسقط المشاهد في فخ الملل نهائيا، فدوما نجد تحولات في الحبكة الدرامية مفهومة وبسيطة وجاذبة للمتفرج، لذلك كما قلنا في البداية «Lady Bird» ليس مثل أي فيلم مراهقين شوهد من قبل، بل عمل مصنوع بدقة، ربما ليشعرك ببعض النوستالجيا لو كنت من محبي أفلام التسعينيات لكن بالتأكيد سيأخذك في رحلة شديدة النضوج.