أحداث فيلم «Molly’s Game» مقتبسة عن كتاب السيرة الذاتية الذي يحمل نفس العنوان، ويروي مسيرة «مولي بلوم» لاعبة التزلج الحر التي كانت على بعد خطوة من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية، إلا أنها تعرضت لإصابة حالت دون تحقيق هذا الحلم وأدت إلى حدوث انحراف حاد في حياتها لينتهي بها المطاف مديرة لأحد أوكار ممارسة القمار التي يقصدها أبرز نجوم المجتمع، لكن تنقلب الأوضاع فجأة ويتم تجميد أرصدتها المصرفية وتجد نفسها مطالبة بالمثول أمام المحكمة الأميركية، وبينما تعتقد أن الأمر برمته يتعلق بإدارة لعبة البوكر بشكل غير مشروع تكتشف وجود العديد من الأسرار في انتظارها، وأن الأمر أكثر تعقيدا وخطورة من كل تصوراتها!
لحظة القبض على «مولي بلوم» لم تكن نقطة حاسمة في حياتها بقدر ما كانت نقطة فاصلة، وهذا ما اعتمد عليه سيناريو الفيلم الذي كتبه المبدع آرون سوركين، حيث اتخذ من تلك الواقعة ركيزة له وجعل منها نهاية لقصة وبداية لأخرى، واضعا الجمهور منذ المشاهد الأولى أمام سؤالين: كيف وصلت مولي لتلك النقطة؟ وما المصير الذي ستلاقيه بعدها؟
سار سيناريو فيلم «Molly’s Game» من بدايته لنهايته في خطين متوازيين، يستعرض قصتين منفصلتين ظاهريا، وكل منهما تكمل الأخرى جوهريا، القصة الأولى تروي حكاية مولي منذ طفولتها على لسانها من خلال قراءة فقرات من كتاب مذكراتها المنشور والذي لا يمكن افتراض دقته بنسبة 100%، بينما القصة الثانية تتبع رحلة نضال مولي ومحاميها أمام المحكمة للحصول على حكم مخفف أو توقيع أفضل صفقة ممكنة.
نجح السيناريو ببراعة في إحداث التوازن بين القصتين، فلم تطغ أي منهما على الأخرى ونالت كلتاهما مساحة العرض التي تستحقها على الشاشة، وحافظ ذلك على سير الأحداث بوتيرة ثابتة مشوقة وغير مربكة، وكانت النتيجة تقديم نص سينمائي متماسك شبه خال من الفجوات، حيث إن كل فعل أو تحول في المواقف أو الرؤى كان له ما يبرره من دوافع وما يدعمه من أسباب.
اتبع السيناريو في القصتين ذات الأسلوب التصاعدي الأشبه بكرة الثلج، ينطلق من حدث صغير ومن ثم يتضخم شيئا فشيئا، وبدأ الشق المختص بالماضي من تعرض مولي للإصابة والتي أدت لانحراف تام في مسيرتها، بينما بدأ الشق الذي يدور في الحاضر بإلقاء القبض عليها وإخضاعها للتحقيق، وكلتا الحادثتين رغم فداحتهما بدتا صغيرتين مقارنة بما ترتب عليهما من نتائج وتغيرات ومفاجآت تم الكشف عنها بشكل تدريجي حافظ على تشويق العمل ككل، ونجح في عدم تشتيت المشاهد وجذب انتباهه وتركيزه من البداية الى النهاية.
كانت شخصية مولي بلوم - بطبيعة الحال - هي محور أحداث الفيلم من بدايته إلى نهايته، وأدى ذلك إلى انفراد بطلة الفيلم المطلقة جيسيكا تشاستن بالشاشة في أغلب فصول الفيلم، بينما كانت الشخصيات المساندة الأكثر تأثيرا بالأحداث تظهر وتختفي على فترات متباعدة نسبيا، بينما الشخصيات المساندة الأقل تأثيرا كانت ترتبط بمرحلة محددة من مراحل حياة «بلوم»، وبالتالي كانت تختفي بصورة تامة فور انقضاء تلك المرحلة والانتقال للمرحلة التالية، والتي ستلتقي خلالها بشخصيات جديدة.
يحسب للفيلم أنه لم يهمل الشخصيات المساندة رغم قلة ظهورها، ولم يتعامل معها باعتبارها استيفاء للشكل أو ضرورة فرضتها الأحداث فحسب، بل اهتم اهتماما بالغا بإبراز الجانب النفسي للشخصيات، وخلق أبعادا متعددة لهم أبعدتهم عن الظهور في صورة نمطية متكررة، وضاعفت من درجة تفاعل المشاهد معهم.
جسدت جيسيكا تشاستن شخصية «مولي بلوم»، تلك الفتاة الثلاثينية التي لم تشهد حياتها مجرد تحولات بل شهدت انقلابات كاملة، وأدى هذا إلى إحداث تغيرات كبيرة في شخصيتها لم تكن هي نفسها تتوقعها، إلا أنها تمكنت في كل مرة من التأقلم مع هذا التغيير، لكن رغم ذلك ظلت نفس الشخص واحتفظت في داخلها بجزء من «مولي بلوم» الحقيقية الطموحة المثابرة المستقيمة، حتى إنها وضعت قانونا لخرق القانون وكانت طيلة الوقت تمارس عملها غير المشروع داخل إطار محدد فرضته على نفسها بدافع أخلاقي أكثر من دافع الحذر من العواقب، كما كانت طيلة الوقت متأثرة بما مرت به من أحداث في طفولتها، وخاصة علاقتها الفاترة والمتوترة بوالدها.
قدم إدريس إلبا من خلال الفيلم شخصية «تشارلي جافي» المحامي الذي يتولى على مضض مهمة تمثيل «مولي بلوم» أمام المحاكم، ومدة ظهور إلبا على الشاشة هنا ربما تكون الأقل بين أفلامه السابقة لكنه قدم من خلاله أفضل أدواره لهذا العام، ذلك لأن الشخصية مكتوبة بصورة جيدة ومرتبطة بعمل سينمائي مستواه الفني راق، ولم يتم تسليط الضوء على ملامح شخصية إدريس إلبا وماضيه بشكل مباشر، وتم التعبير عنها من خلال جمله الحوارية ومواقفه المختلفة التي أظهرت جانبا من مبادئه وسماته الشخصية وتوجهاته الفكرية، واستطاع إلبا عكس كل ذلك على أدائه الذي يمكن وصفه بالسلس والمتزن، كذلك استطاع من خلال مشاهده القليلة نسبيا إظهار مراحل تطور علاقته بـ«مولي بلوم»، ونظرته لها ابتداء من مجرد فضول وصولا إلى الإيمان التام بقضيتها.
يتلخص دور كيفين كوستنر، على عكس المتوقع، في عدد محدود جدا من المشاهد، حيث جسد من خلالها شخصية لاري بلوم والد «مولي» وأحد أكثر الأشخاص تأثيرا في حياتها سلبا وإيجابا. قدم كوستنر أداء رائعا لدرجة تدفعك تلقائيا لتمني لو كانت مساحة دوره أكبر مما كانت عليه، ويكفي القول إن المشهد الأطول بالنسبة له هو الأفضل في الفيلم، وكان له تأثير كبير على حسم الحدث الأهم قرب النهاية، وكان الحوار في «Molly’s Game» أحد العوامل المباشرة التي ساهمت في إبراز ملامح شخصية الأب قليلة الظهور، وبالتالي ساعد كوستنر على تقديم هذا الأداء الراقي.
شاب فيلم «Molly’s Game» بعض السلبيات، منها اختلاف الإيقاع خلال الفصل الثاني وتباطؤ الأحداث نسبيا في هذه المرحلة مقارنة بالفصلين الأول والأخير، كما أنه في بعض الأحيان كان يتم الانتقال بين الزمنين الماضي والحاضر بصورة حادة ومباغتة تصل إلى حد الإزعاج، وتشعر المشاهد بأن المشهد السابق قد تم اقتطاعه، ويدخل فجأة صوت «Voice Over» لـ «مولي بلوم» تروي ماضيها.
العيب الأكبر في الفيلم هو الاستفاضة في شرح آليات لعبة البوكر وقوانينها وكيفية إحراز الفوز، وهو الأمر الذي يصعب استيعابه بالنسبة لغير المتمرس باللعبة، ويبدو أن الفيلم انتبه لتلك المشكلة، ولذلك قرر دعم شرح «مولي بلوم» الصوتي بعرض شرائح فيديو توضح أوراق اللعب ومدى قوة كل منها على الطاولة … إلخ، إلا أن ذلك في النهاية لم يحسن الوضع ولم يكن مفيدا في شيء بالنسبة للمشاهد، الذي لم يكن يهمه سوى معرفة النتيجة وليس كيفية حدوثها، خاصة أن الأمر تكرر في أكثر من مشهد.