قام المخرج والمؤلف براد بيرد بذكاء بإدخال المشاهدين القدامى في أحداث فيلم «Incredibles-2» من النقطة التي انتهى عندها الجزء السابق، ليكسر هنا حاجز الوحشة، وفي نفس الوقت كانت هذه البداية ملائمة لخط سير الأحداث بعد ذلك، ولهذا السبب أيضا لم يتم تقديم شخصيات جديدة إلا بعد مرور ربع الفيلم تقريبا.
نعود مرة أخرى في بداية الفيلم إلى نفس الصراع بين المجتمع و«الخارقون»، فعلى الرغم من إنقاذ العائلة الخارقة للأوضاع في المدينة والحفاظ على الامن، إلا أن القوانين لا زالت تحتم اختفاء أصحاب القدرات العجيبة، وأيضا يفقدون الدعم الحكومي الذي كان يساعدهم، وبالتالي تصبح العائلة مشردة بعدما فقدت غطاءها، ويأتي الخلاص هذه المرة عبر مهووس جديد بعالم «الخارقين»، يرى أن هذه القوانين مجحفة، ولديه خطة لتغييرها وإجبار الرأي العام على تقبلهم مرة أخرى.
كما قلنا في البداية، حاول براد بيرد ألا يفقد معجبيه القدامى الذين شاهدوا الفيلم بجزئه الأول حين كانوا في العاشرة وأصبحوا الان شبابا فأدخلهم بسهولة في عالم الفيلم منذ البداية، ولكن في ذات الوقت لم يكن الهدف هو تقديم إعادة للجزء الأول، لذلك بعد مضي ربع ساعة من الأحداث نجد أنفسنا أمام سيناريو مختلف ملائم لروح العصر، فالخطة الموضوعة لإثبات أهمية الخارقين تعتمد على الأم أو السيدة المطاطية، وبالتالي يتوجب عليها ترك عائلتها لتصبح مسؤولية الأب الذي يتخلى عن قدراته الخارقة ويتحول لمجرد «السيد بوب بار».
انقلاب هذه الأوضاع يتلاءم بشدة مع تصاعد الموجات النسوية حول العالم وفي الولايات المتحدة خاصة، لتصبح السيدة مطاطية هي البطلة الحقيقية هذه المرة، وليست مجرد دور جانبي لتساهم في إنقاذ زوجها كما في الجزء الأول، والسبب وراء ذلك أن القوة الأنثوية غير الجامحة هي التي يحتاجها المجتمع في هذه النقطة ليثبت أن الخارقين ليسوا مخربين ومسببين للمصائب لشركات التأمين بل أنهم قادرون على حل المشاكل بأبسط الخسائر.
وأثر هذا السيناريو بالطبع على رسم الشخصيات التي أصبحت أكثر وضوحا في هذا الجزء، فـ «السيد بار» أصبحت قدراته وتهوره في استخدامها مصدر خطر على العائلة، ومع خروج زوجته للعمل، أصبح عليه أن يكون الأب المسؤول عن الأولاد الثلاثة، تلك المسؤولية التي استخف بها في البداية ليجدها أصعب بكثير مما كان يتوقع. أيضا وبسبب هذا التبادل في الأوضاع، يشعر بارتباك في مشاعره تجاه زوجته التي يحسدها على بطولاتها سرا ويتمنى لو كان مكانها، ولكن في ذات الوقت يقدر مجهوداتها التي قامت بها طيلة سنوات في رعاية أسرته، ويصبح عليه التحرك بإيجابية لحل مشاكل الأطفال الثلاثة، ما بين فتاة مراهقة تعاني في تقبل هويتها كخارقة، والصغير جاك الذي يكتشف الأب قدراته الكبيرة.
وبالطبع تطورت شخصية السيدة مطاطية لنراها بصورة مختلفة تماما، فهي ليست هذه المرة الزوجة والأم القلقة على عائلتها، بل تتصدر المشهد، وتصبح عليها مسؤولية إثبات أحقية «الخارقون» في احترام المجتمع، وتستخدم قوتها وذكاءها في كشف الخداع الذي تتعرض له، وحماية الجميع في النهاية.
هذا بالإضافة إلى دخول شخصيتين جديدتين حيرتا المشاهدين، من منهما هو الشرير الذي يجب على «الخارقون» مجابهته هذه المرة؟ هما الأخ والأخت «وينستون» و«إيفلين» اللذان أتيا بالحل العبقري الذي سيرجع للخارقين حقوقهم، وربما كانت الشخصية الشريرة هي النقطة التي تفوق فيها الجزء الأول عن الثاني للرابط الذي جمع بين البطل والشرير في الماضي وافتقده الفيلم هنا.
الميزة الكبرى لأفلام «الخارقون» إنتاج بيكسار وديزني هي أنها ليست مجرد أفلام حركة لا تمتع المشاهد سوى بتفوق الأبطال على الأشرار، بل هي دراما عائلية مسلية لأشخاص يمتلكون قدرات خارقة ويخوضون صراعات متعددة مع ذاتهم والآخرين، ففي الجزء الأول شاهدنا بطلنا يعاني أزمة منتصف العمر، واضطراره للعمل في وظيفة لا يحبها حتى يعيل أسرته، بينما في الجزء الثاني شاهدنا تبادل أدوار بين الزوج والزوجة نتيجة لظروف الحياة، وتولي الأب مسؤوليات لم يعتد عليها.
هذه الإضافة تجعل سلسلة «الخارقون» صالحة لشرائح مختلفة من المشاهدين، فمحبو أفلام الحركة سيجدون ما يثيرهم، خاصة مع قدرات السيدة مطاطية المختلفة التي جعلت مشاهد الصراع والقتال ممتعة بالفعل، بينما من اعتادوا على أفلام بيكسار وديزني ذات الجو العائلي والاجتماعي فسيجدون ما سيتعاطفون معه بالتأكيد، أيضا أضاف براد بيرد على الفيلم الكثير من خفة الظل وذلك عبر معاناة الأب مع قدرات الصغير جاك المتغيرة والمبهرة بالفعل. في النهاية، فيلم «Incredibles-2» أثبت قدرة بيكسار وديزني على صنع أجزاء ثانية من الأفلام على مستويات عالية غير أفلام «Toy Story» الشهيرة، خاصة بعد إخفاق فيلم «cars» بجزئه الثاني، حيث تمتع هذا الفيلم بحبكة مشوقة، ورسوم ذات مستوى عال كما هو متوقع بالتأكيد، ما يضمن التسلية لكل من الكبار والصغار.