لابد أولا أن نؤسس مـفـهـوما للمـرحلة الجـديدة للشـعـر النبطي، والتي نحددها بداية بالعـام 2006 وتحديدا في الجزء الرابع والأخير منه وحتى شهر مارس 2007 ـ الشهر الماضي ـ فقـد انطلقت خلال فـترة الأشـهر السـتة الماضـية أكـثر من 10 قنوات، نذكر مـنها فواصل، الواحـة، نجوم القصـيد، السـاحة والبـوادي، فبـعـد أن انتقل الـشعـر النبطي منذ العـام 1977، وطوال 30 عاما، من المشافهة إلى الـتدوين واحتضنته المجلات والصحف عبـر صفحاتها الشـعبية، عاد الشـعر النبطي خلال الأشهر الستة الماضية من التدوين إلى المشافهة.
وكـانت المشافـهـة خلال فـترة الأعوام الثـلاثين الماضيـة محصـورة في الأمسيات والظهور المقنن لبـعض الشعراء في برامج الشــعـر النبـطي التي كـانـت حكرا على الشــعـراء التقليـديين من الحرس القـديم، أصحاب مـفردات «البـارحة» و«ياوجــودي»، التي أجــبـرت الشــعــراء الشـبــاب إبان الثمانينيات على اللجـوء إلى الصفحات الشعبيـة ليعرضوا قصـائدهم التـقليدية الحـديثة ذات الأسلوب المختلف، ومع ظهـورهم وظهـور أسلوبهم ولدت المجـلات الشـعـبيـة مـثل «الغــدير» و«المختلف» ثم «فـواصـل»، وبعـدهـا بسنوات «قطوف» وعـشـرات المجـلات الأخـرى، وأصـبـحت المفـردة الشعـرية بعيـدة كل البعـد عن المشافـهة بحيث أصـبح على الشـاعـر الراغب في الانتـشار أن يحـدث مـفـردته وأسلوبه ويختصر في قصائده، وأصبـحوا يعرفون بالتقليديين الجدد أو بالأصح شعـراء الحداثة، كـما أطلق عليهم كـثيـر من نقاد وكتاب الساحة، وبدأوا يدعمون هذا النوع من القصائد.
وبما أن الراغب في الظهـور إبان أواخـر الثمـانينيـات كان لزامـا عليـه أن يبـتـعـد عن الشـكل الشـعـري القـديم المتـمـثل في «ياوجودي» و«البارحة عـديت في راس الطويلة» فقد أصبح لزاما عليـه الخروج بل التبرؤ مـن الشعر التقليـدي، حتى لا يوصم بالتـخلـف، ليـحـمل وسـام الحـداثة، ومن بين هؤلاء الشعراء طبعا كان نايف صقر، فـهد عافت، مساعد الرشيدي، سعود القهيدي، حمود البـغيلي، عبدالله الردعان والحميدي الحـربي، وطبـعـا مسـفـر الدوسـري وخلف الحـربي اللذان انتـهجـا إلى حـد مـا أسلوب بدر بن عبـدالمحـسن الذي روج لشعر التفعيلة أيما ترويج.
كـتاب السـاحة والقـائمـون على صفـحـات الشعـر، وعلى رأسـهم ناصـر السبـيـعي، روجـوا بدورهم لمفـهوم الـشاعـر الحداثي أو بالأصح التقليدي المعاصر، وتمكن ناصر السبيعي من ترويج هذه الفكرة وكـان لـ «الغدير» في فـترة هـامة دور كبـير في تأصيل هذا المفـهوم الحداثي بقـيادة صاحبـها نايف الحربي، فلكي تصبح شاعرا مهما لابد أن تأتي بأسلوب جديد، وكلمـا ابتعـدت عن أسلوب المفردة التي تخـضع لقيم المـفردة المنطوقة أو المشافـهة كان أفضل، فلجـأ الشعراء المدونون إلى تغليب المفـردة والصورة الشـعـرية الطاغيـة، ونجح في ذلك عافت ومساعد وصقر، فأصبح هناك نوعان من الشعراء، الأول التـقليـدي المعاصـر والثـاني هو التـقليـدي القديم، وفـتـحت المجـلات أبوابهـا على مـصـاريعـهـا للشـاعـر الأول وأصـبح الشعراء يهربون من التقليدية القديمة، بل إن المجلات ولسبب غيـر مفـهوم طبـقت حصارا ومـنعا على الشـعراء التقلـيدين القدامي فلم يظهـر فيها سليـمان الهويدي ولا حمـد العزب ولا صالح جـزا الحربي وعـموم شعـراء ديوانية الشـعراء النبط وغـيرهم من كـبـار الشـعرء التـقليـديين، بل حـتى الشعـراء التقليديون من الشـباب، أمثال مجبل الحشـاش وشبيب غزاي المطيري وراشـد بن جعيثن والحـميدي الحربي (في فـترة من الفتـرات كان تقليديا قـحا) وحمـد المطبوخ الهـاجري، لم يكن لهم نصيب من الظهور المجلاتي، لأن المجلات طبقت عليهم ذات الحظر.
الصفحة في ملف ( pdf )