إعداد: محمد البدري
شهدت الصناعة المالية الإسلامية ازدهارا غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة في مختلف بلدان العالم خاصة في منطقة الشرق الأوسط، ولم تتأثر مباشرة بتداعيات الأزمة المالية العالمية، وذلك بفضل زيادة الوعي الديني من جهة وتدفق مليارات الدولارات من الفوائض المالية النفطية من جهة أخرى، حيث بلغ إجمالي أصول هذه الصناعة نحو 950 مليار دولار وفقا لتقديرات مؤسسة موديز العالمية.
وفي تقرير إخباري ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية ان هذه الصناعة تأثرت بالركود الاقتصادي الذي كبد العديد من البنوك الإسلامية ذائعة الصيت كثيرا من الخسائر ودفعها للنظر في إعادة هيكلة عملياتها ومديونياتها.
ونقلت الصحيفة عن مصرفيين وقانونيين قولهم إن إعادة الهيكلة في منطقة الخليج معقدة بسبب تواضع الأطر القانونية، والافتقار للشفافية، وعدم الخبرة بمحاكم التحكيم التجاري، بالإضافة إلى انتهاج أسلوب «دفن الرأس في الرمال»، فضلا عن أن الاحتكام إلى التقويم الهجري يضيف عنصرا آخر لتعقيد هذه العملية، كما ترى فعاليات من داخل هذه الصناعة أن ردم الهوة بين النظرية المالية الإسلامية والتطبيق العملي يعد أمرا صعبا ويتسم بالغموض وعدم اليقين.
وتقول الصحيفة ان هذه الإشكاليات التي تواجه الصناعة المالية الإسلامية ظهرت جلية مع الإخفاقات التي منيت بها شركات استثمارية إسلامية في كل من الكويت والبحرين وأبرزها شركة دار الاستثمار التي شكلت الحالة العملية الرئيسية لتعثر القطاع المالي الإسلامي.
وترى «فايننشال تايمز» انه في الوقت الذي تتبع فيه الأدوات الاستثمارية داخل هذا القطاع الشريعة فإنها تصاغ وفقا للقانون الانجليزي، وبحسب الباحث في الشريعة ورئيس وحدة التمويل الإسلامي في شركة دينتون وايلد سابت للمحاماة مدثر صديقي فإن: «واحدة من المشاكل الرئيسية تكمن في الطريقة التي تتم بها صياغة بعض العقود المالية الإسلامية، الأمر الذي يفتح باب الادعاءات عندما تسوء الأمور ويحدث تقصير»، مضيفا انه: «من منظور الشريعة الإسلامية يوجد تفسير واحد للعقود، ولكن من منظور القانون الوضعي غالبا ما يكون هناك تفسير مختلف للغاية».
وقد برز هذا الخلاف بالفعل من خلال القضية التي ثارت بين شركة دار الاستثمار الكويتية وأحد دائنيها ممثلا في بنك «بلوم لبنان»، فقد جادلت الشركة بأن «عقد الوكالة» الذي أبرمه البنك معها، والبالغة قيمته 10 ملايين دولار، أصبح باطلا منذ التوقيت الذي لم يلتزم فيه بأحكام الشريعة ومن ثم فهو يخرج عن نطاق الالتزامات التي يجب على الشركة الوفاء بها، بينما أفتى قاض انجليزي بأن بنك «بلوم» سيكسب القضية المرفوعة ضد الشركة على الأرجح في حال إذا ما ذهب إلى «جلسة استماع» قضائي، مع اعترافه بأن شركة الدار لديها «قضية قابلة للمناقشة».
بناء على ذلك، يحذر محامون من أن ذلك ربما يدفع الشركات الإسلامية للمجاهدة من أجل إلغاء عقود مبرمة معها تحت ذريعة أنها لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية.
وفي حين ان الفشل لم يلحق بأي بنك الإسلامي خلال الأزمة المالية العالمية، إلا أن الكثير منها أصابه الضرر جراء التباطؤ الاقتصادي العالمي لاسيما في مجال العقارات، وهو القطاع الأكثر شعبية وتفضيلا للاستثمار فيه من قبل التمويل الإسلامي باعتبار انه يشتمل على أصول حقيقية لدعم المعاملات، لكن بحسب مصرفيين فإن المعضلة تكمن في أنه وفقا للنظرية المالية الإسلامية فإن البنوك ما هي إلا وكلاء يستثمرون أموال المودعين في مشاريع مربحة، ولذلك، وفقا لكثير من علماء الشريعة، إذا مني البنك بخسائر فإنه ينبغي أن يتحمل المودعون حصة من هذه الخسارة، لكن في الواقع هذا لم يحدث أبدا.
ويرى مدثر صديقي مرة أخرى أنه على الرغم من أن الحكومات، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط، من المرجح أن تتدخل لمنع انهيار البنوك ـ الإسلامية أو التقليدية على السواء ـ فإن هذا قد يثير مشاكل لبعض رجال الدين بسبب ما تقره الشريعة من ضرورة تقاسم المخاطر، إذ ان «المودعين في بنك إسلامي ليسوا مودعين بالمعنى التقليدي كما في البنوك التقليدية، ولكنهم مستثمرون ومن المفترض أن يتقاسموا المخاطر والأرباح»، ويضيف قائلا «هذا أمر معقد، وتتطلب تسويته صفقة صفقة، وعقدا عقدا، ومؤسسة مؤسسة، كلا على حدة».