رأى عدد من الخبراء الماليين والاقتصاديين أن قرار تأجيل مشروع الوحدة النقدية الخليجية صائب في الوقت الراهن، داعين إلى مزيد من الدراسات حوله، وذلك استنادا إلى الأزمة التي يمر فيها اليورو في أوروبا عموما واليونان خصوصا، وسط توقعات بانسحاب الأزمة نحو بعض الدول الأخرى. وكان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي قد قرروا تجميد مشروع الوحدة النقدية الخليجية إلى أجل غير مسمى، في اجتماعهم في مدينة جدة السبت الماضي، وذلك بعد وقوع أزمة اليورو. وكانت القمة الخليجية الأخيرة، التي عقدت في مدينة الكويت قد شهدت الإعلان عن مشروع الوحدة النقدية الخليجية، ووقعت عليه أربع دول، هي المملكة العربية السعودية، والكويت، والبحرين، وقطر، باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تمسكت بضرورة أن يكون مقر المصرف المركزي الخليجي في أبوظبي.
ونشب خلاف حينذاك بين الرياض وأبوظبي، قررت الأخيرة على إثره الانسحاب من مشروع الوحدة النقدية الخليجية. أما سلطنة عمان فقد قررت منذ بدء طرح المشروع عدم الانضمام إليه، نظرا إلى عدم تواؤم نظامها المالي مع الوحدة النقدية الخليجية. لكن لقرار تجميد مشروع الوحدة النقدية الخليجية أسبابا ظاهرة وأخرى غير معلنة خلف الكواليس ودهاليز السياسة، وهناك أيضا أسباب اقتصادية وأخرى سياسية. وفي التحقيق التالي، تسبر «إيلاف» أغوار حقيقة هذا القرار وتداعياته ونتائجه ومستقبله من خلال رؤية بعض الخبراء الماليين والاقتصاديين في الكويت.
في البداية، يؤكد رئيس قسم المحاسبة في كلية العلوم الإدارية في جامعة الكويت د.صادق البسام أن الخلافات القائمة بين السعودية والإمارات العربية المتحدة حول مقر المصرف الخليجي، فضلا عن انسحاب سلطنة عمان قبل فترة من الإعلان عن مشروع الوحدة النقدية الخليحية سببان رئيسان. معتقدا أن الخليجيين وجدوا ضالتهم في أزمة اليونان كمخرج لهم من الاستمرار في تنفيذ المشروع أو شماعة يعلقون عليها أزمتهم الخليجية –الخليجية.
ورأى أن ما حدث في الأزمة المالية العالمية وأزمة اليونان لا يمكن أن يتكرر في دول الخليج لأسباب عدة، منها أن اقتصادات دول الخليج صغيرة، فضلا عن أنها تعتمد على النفط كسلعة أساسية في اقتصادياتها، إضافة إلى أن صناعتها المصرفية ليست بالضخامة الموجودة في دول العالم الأخرى. كما يمكن التحكم في اقتصاداتها بشكل أفضل من التحكم في غيرها من اقتصادات دول أخرى في العالم.
ولفت إلى أن دول الخليج الأربع الموقعة على اتفاق الوحدة النقدية غير مستعدة في الوقت الحاضر لإطلاقها من نواحي النظم المصرفية والإدارية والفنية، متوقعا أن لا تنفرج الأزمة المالية قبل نهاية عام 2011، وأن تبدأ بوادر الانفراجة للأزمة مطلع 2012، لأن هذه الأزمات - برأيه- بدأت تتعمق أكثر، وتحتاج فترة للخروج من مأزقها. كما توقع أن تنسحب أزمة اليونان إلى بعض الدول الأوروبية الأخرى، مثل البرتغال واسبانيا، مشددا على أن الاقتصاد الأوروبي يعاني مشاكل في أركانه، فضلا عن أن البنوك الأوروبية تعاني مأزقا في تعاملاتها بينها وبين دول المنطقة.
وأكد البسام أن الخلافات السياسية بالإمكان معالجتها، لكنه رأى أنها ما لم تعالج بشكل مرضي للجميع، فستبقى شوائب تنعكس على الجوانب الفنية وجوانب الإنجاز والتعاملات اللاحقة، متوقعا ألا تبصر الوحدة النقدية الخليجية النور قبل عام 2012.
من جانبه، وصف الخبير الاقتصادي حجاج بوخضور قرار وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي بتجميد اتفاق الوحدة النقدية الخليجية بأنه حكيم وصائب، وقال إن قرار التأجيل هو إعطاء وقت لاستيعاب تداعيات الأزمة في محيط دول الاتحاد الأوروبي، مما سيكون لهذه التداعيات من أثر على الاقتصاد العالمي، ومن ضمنه الاقتصاد الخليجي.
وأشار إلى أن هذا القرار في مثل هذا التوقيت له من الأهمية، إذ إن الوحدة النقدية الأوروبية هي النموذج الأكثر نجاحا، وأمام ذلك الاختبار في هذه الأزمة ستأخذ دول مجلس التعاون عبرا كثيرة والاستفادة منها في وضع نظام نقدي قادر على تجاوز أي أزمات قد تتعرض لها اقتصادات دول مجلس التعاون.
وأضاف أن الوضع الاقتصادي الذي يمر به العالم يحتم تأجيل أي سياسات نقدية خليجية، حتى يخرج الاقتصاد العالمي من الأزمة المالية، فضلا عن أن الإجراءات التي بدأت تتخذها دول العالم، وخصوصا مجموعة العشرين، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، بسن قوانين الإصلاح الاقتصادي، من شأنها أن تؤثر على السياسات النقدية العالمية، وسعر صرف العملات ومعادلة العلاقة بين العملات في أسعار صرفها، وسيكون هذا التأجيل حكيما لتدارك كل هذه المتغيرات والتطورات في نظام الوحدة النقدية الخليجية.
وفيما يتعلق بمستقبل الوحدة النقدية الخليجية، شدد بوخضور على أنها بدأت بالفعل، وإنما تداول الأوراق المالية للعملة الخليجية لن يتم قبل حلول 2015، واعتبر أن الوحدة الخليجية هي بحكم التطبيق، والتجميد لا يلغي التطبيق، موضحا أن الأزمة المالية اليونانية بداية سقوط حجر الدومينو التي يتوالى بعدها سقوط أحجار متوالية لها مثل اسبانيا وإيطاليا وإيرلندا وبلجيكا وهولندا وما سيكون من إنعكاس لذلك على دول شرق آسيا مثل الصين.
من ناحيته، ذكر مدير مركز الجمان للاستشارات الاقتصادية ناصر النفيسي أن نظام العملة الخليجية الموحدة يكاد يكون مستنسخا من اليورو، خصوصا أن البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت في ألمانيا هو الذي أجرى استشارات المصرف المركزي الخليجي للعملة الخليجية.
ووصف النفيسي قرار التجميد بأنه قرار حكيم، خصوصا أنه ليس إلغاء للعملة الخليجية، إنما لمزيد من الدراسة، ولابد من انتظار انتهاء الأزمة للاستفادة من عبرها.
أما أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت د.أحمد الرفاعي فاكتفى بالقول إن قرار تجميد الوحدة النقدية الخليجية نقطة فنية بحتة، وتأجيل هذا القرار مرتبط بالجانب الفني والاقتصادي، وخير دليل على ذلك ما يحدث في أوروبا، متوقعا أن قرار استئناف مشروع الوحدة النقدية الخليجية وخروجها لحيز التنفيذ قد يتم خلال فترة عشر سنوات أو عشرين عاما أخرى.