- رانيا العبدالله: خُمس سكان العالم يعانون من البطالة بسبب الأزمات العالمية المتلاحقة وقادت 600 مليون طفل نحو الفقر
افتتح أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة أمس مؤتمر قمة مبادرة إعادة التصميم الشامل للمنتدى الاقتصادي العالمي والذي يستمر يومين بحضور الوفد الكويتي المشارك برئاسة سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد.
وقال أمير قطر في كلمة افتتح بها المؤتمر: ان المؤتمر سيناقش نتائج البحث بشأن مبادرة إعادة التصميم الشامل التي أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي.
وحيا أمير قطر جهود مئات الخبراء المختصين الذين وضعوا علمهم وعملهم في خدمة فكرة ورؤية إعادة التصميم العالمي، معربا عن اعتقاده بأن ما توصلوا اليه جدير بالاهتمام وإضافة بناءة الى النظام العالمي الذي تطور عبر العصور وعبر تجربة الخطأ والصواب على طول التاريخ الإنساني.
وأضاف «نحن نريد اتساع المشاركة من كل الأطراف والقوى ان تتضافر لمساعدة وتأصيل ما استطعتم التوصل اليه بعلمكم وجهودكم والتوفيق بين مطالب المستقبل وحقائق التطور الجاري».
ورأى الشيخ حمد ان التحدي الرئيسي الذي يواجهه المشاركون والمهتمون بأحوال الإنسانية ومصائرها يتمثل في عدة إشكاليات أولاها كيف تتوافق تصوراتنا لتصميم عالمي جديد مع نظام الأمم المتحدة بكل تنظيماته وادواته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية، خصوصا ان ذلك النظام هو خلاصة ما توصلت اليه تجارب الأمم طوال الـ 3 قرون من التاريخ في احوال الحرب والسلام وفي أوقات الأزمة وأوقات الانفراج.
وأشار الى أن هذه الإشكاليات هي كيف تتوافق تصوراتنا لتصميم عالمي جديد مع الحقيقة الراسخة لأهمية الدولة الوطنية ودورها الذي لا بديل له في حماية مراكز التقدم ودفعها وتأكيد حكم القانون وفعله.
وقال «اننا نرى ان الدولة الوطنية لم تفشل في مجمل دورها وانما فشل انغلاقها على نفسها او غياب شرعيتها او فقدان ثقتها بنفسها الى درجة تدفعها الى التعصب والعزلة».
وأكد انه «علينا ونحن نفكر في تصميم عالمي جديد ان نفرق بين بناء اي تصميم وادارة الحركة داخل ذلك التصميم، مشيرا الى أن الكثير من الخلل الذي نلاحظه في احوال العالم الآن يرجع الى سوء الادارة وتراكم معوقات الحركة داخل النظم والتنظيمات اكثر مما يرجع الى اي اعتبار آخر».
وأعرب عن اعتقاده بأن هذه النظم والتنظيمات سواء نظام الأمم المتحدة او تنظيم الدولة الوطنية يحتاج الى جرعات من الإصلاح والتقويم تعود به الى مبررات وجوده الاصلية ومقاصده المبتغاة عند إنشائه وإقامته، واضاف الشيخ حمد انه حتى فيما يتعلق بالأسواق وما تشهده من اضطراب يهز أركانها هزا عنيفا كما نرى امامنا الآن فالظاهر الواضح لمن يدقق ان الخلل الرئيسي ليس في فكرة السوق العالمي وانما الخلل في سوء اداراتها وفي المقامرة بضوابط سلامتها عبر الحدود وخلافا للقوانين.
وأكد ان التصميم العالمي الجديد يجب ان يوفر الفرص امام الجميع ويحقق العدالة لجميع الأطراف، معربا عن اعتقاده بأنه لن يكون هناك بديل لفكرة السوق العالمي ولكن القضية المركزية هي ان يعلو احترام قوانين السوق فوق المصالح الأنانية للقوى والمطامع الجامحة للأفراد.
أزمات مالية
من جانبها ألقت حرم ملك الاردن الملكة رانيا العبدالله كلمة مماثلة أكدت فيها ان هذه القمة فرصة للعرب للمشاركة في حوار عالمي وترك بصمة على عصر يشهد تغييرات ومستجدات تؤثر على الانسانية قاطبة فضلا عن كونه فرصة للعالم لمحاسبة النفس عن مدى المشاركة في حل القضايا التي تؤثر على البشرية جميعا.
وأشارت الى جملة من القضايا والمشكلات الاقتصادية والسياسية والبيئية والمناخية التي يعانيها عالم اليوم ويدفع ثمنها الفقراء والأطفال والنساء في العالم كله، مضيفة ان «ملايين البشر يتحملون النتائج الكارثية للتغير المناخي والتلوث والأزمات المتواصلة والفقر والبطالة وغياب العدالة».
ورأت ان وراء تلك المشكلات ضعف في القيم وأزمة ضمير «لا يصغي لصوت الانسانية»، مؤكدة «ان بناء العالم على قيم خاطئة أمر مرفوض حيث تنعم قلة بالرخاء والسعادة فيما ترزح الغالبية تحت الأزمات».
وأشارت الملكة رانيا الى ان الأزمات العالمية المتلاحقة جعلت خُمس سكان العالم يعانون من البطالة فيما قادت نحو 600 مليون طفل نحو الفقر. ورأت ان الأزمة الكبرى التي يعانيها النظام العالمي هي فقدان القيم وان أي نظام يفقد قوته وقيمته عندما يفقد قيمه.
ودعت العالم الى تعزيز قيم السلم والتسامح والقيم الانسانية، مؤكدة حاجة المنتدى العالمي الى هذه القيم في اطار الجهود لإعادة صياغته.
وقالت «يجب ان نبدأ بالاستثمار في القيم وإحياء الضمائر وترسيخ أسس العدالة للنظام العالمي للحد من معاناة العالم».
وطالبت الملكة رانيا بالاستفادة من جميع الخبرات من اجل السير نحو الأفضل وان تشمل الحلول الحكومات والمنظمات المدنية والشباب منبهة في الوقت ذاته الى اهمية الاستماع الى صوت الشعوب.
وأكدت ان الوقت ملائم اليوم لإعادة صياغة النظام العالمي داعية الى التركيز على محاربة مشكلات العنف والفقر التي تجتاح العالم مع السعي لتحقيق أهداف الألفية التي اتفقت عليها جميع الدول.
الأزمة لم تنتهي
من جهته، اعتبر نائب رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي مارك مالوك بروان أمس ان ازمة الديون في اوروبا تظهر ان نهاية مصاعب العالم الاقتصادية «مازالت بعيدة»، مشددا على ضرورة اجراء إصلاحات.
وقال «ما نراه الآن بينما نجتمع في ظل عاصفة ديون سيادية في أوروبا هو أن نهاية الازمة (العالمية) مازالت بعيدة، وهي تتخذ أشكالا جديدة من العدوى».
واضاف مالوك بروان في افتتاح قمة اعادة تشكيل المنتدى الاقتصادي العالمي في الدوحة «ان الحاجة الى اجراء الإصلاحات المناسبة في القطاع المالي العالمي باتت اكثر إلحاحا من اي وقت مضى». وانطلقت الازمة الاوروبية من الديون الهائلة التي ترزح تحتها اليونان ومن مصاعب القطاع المصرفي الاسباني، ما ضاعف الشكوك حول امكانية تعثر بعض دول منطقة اليورو في سداد ديونها. وضغطت هذه المخاوف بقوة على الاسهم العالمية وعلى اليورو الذي سجل الاسبوع الماضي ادنى مستوى له امام الدولار منذ 4 سنوات.
ويشارك في مؤتمر قمة مبادرة إعادة التصميم الشامل للمنتدى الاقتصادي العالمي أكثر من 90 دولة لوضع صيغة مستقبلية جديدة تعمل على تطوير الحياة الانسانية على الكرة الأرضية بما يضمن مواجهة التحديات خلال القرن الحالي.
وسيطرح خلال القمة 9 مجالات رئيسية ستبنى عليها مناقشات المؤتمر تتعلق بتطوير اطار عمل للقيم وبناء نمو اقتصادي مستدام وتقوية النظام النقدي والمالي العالمي وخلق وظائف والقضاء على الفقر وتطوير الرعاية الاجتماعية وتخفيف المخاطر الدولية والضمان الصحي للجميع وتحسين الامن العالمي وضمان الاستدامة وبناء مؤسسات فعالة في مجتمع قوي.
يذكر ان المنتدى الاقتصادي العالمي وفر منذ بدء الأزمة المالية العالمية الحالية منصة لإجراء دراسة عالمية تشارك فيها مختلف الأطراف المعنية حول كيفية معالجة المشاكل العالمية والسيطرة عليها عبر تعاون أكثر من 1200 خبير من الأوساط الأكاديمية وقطاع الأعمال والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية تم خلالها تطوير سلسلة من المقترحات الملموسة فيما يتعلق بكيفية معالجة أوجه القصور في مختلف المجالات.
مقترحات المنتدى
وقد أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي اول أمس تقريره الذي يتضمن جملة مقترحات شاملة تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي والارتقاء بممارسات الحوكمة إلى مستويات غير مسبوقة.
ويعد تقرير مبادرة «إعادة صياغة العالم» نتاج عام كامل من الحوار وثمرة جهود فرق عمل ضمت أكثر من 1500 من أبرز الشخصيات الأكاديمية ورجال الأعمال والشخصيات الحكومية وخبراء المجتمع المدني وصناع القرار من مختلف أنحاء العالم، ويضم 58 مقترحا محددا وتسع مقالات متخصصة وضعتها بعض أبرز مؤسسات المجتمع الدولي، حول التعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والبيئية والأمنية.
ويحذر تقرير المنتدى الذي يحمل عنوان «مسؤولية الجميع: تعزيز التعاون الدولي في عالم أكثر ترابطا»، من تراكم مخاطر جسيمة وتحديات عالمية في العديد من المجالات، وأن المؤسسات والترتيبات الدولية غالبا ما تكون غير مجهزة بالصورة المناسبة لتوفير الاستجابة الاستباقية.
ويدعو التقرير، الذي يذكر المجتمع الدولي بأنه في خضم الأزمة المالية خلال أواخر عام 2008 وبداية عام 2009 كان «مقيدا بالطبيعة المتغيرة التي يتميز بها عصرنا»، إلى «التمسك بهذه الفرصة، وترسيخ إنجازه الكبير المتمثل في احتواء الأزمة، وتجديد عهده الذي قطعه مسبقا بخصوص ترميم النظام العالمي».
وبالتوازي مع مؤتمري «دمبارتون أوكس» و«بريتون ودز» عام 1944 اللذين تم خلالهما تصميم الكثير من هيكليات الأمن والاقتصاد الدولي لفترة ما بعد الحرب، وذلك قبل أكثر من عام على انتهاء الحرب العالمية الثانية، خلص التقرير إلى أن الوقت قد حان بالنسبة للحكومات والشركات ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى إلى «الترفع عن مصالحها الفورية الضيقة والنظر بجدية أكبر إلى الفوائد طويلة الأمد التي ستجنيها من توفر منظومة تعاون عالمي سليمة ومنظمة للقرن الحادي والعشرين». واتفق مدير «المنتدى الاقتصادي العالمي» ريتشارد سامانز، والمؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى كلاوس شواب، نائب رئيس اللورد مالوك براون، في فصل المراجعة العامة ضمن التقرير على أنه: «ينبغي على الحكومات، حتى في الوقت الذي تقوم خلاله برسم استراتيجياتها الخاصة للهروب من إجراءات التحفيز المالي والنقدي المطبقة خلال الأزمة، المشاركة في الجهود الرامية إلى تعزيز استيعاب المعنى الأوسع للتغييرات التي ساهمت في إحداث نقلة كبيرة في وضع المجتمع الدولي خلال الفترة الماضية، وجعلت الكثير من هيكلياته التعاونية غير ملائمة تماما للأهداف المطلوبة».