- الهاجري: كثرة البنود في القانون تثقل كاهـل الرئيس المنتظر
- القبندي: عدم الاستقلالية والتبعية لوزير التجـارة وراء العزوف عن المنصب
- الملا: المرشحون يفتقدون الجانبين الفني والعملي وليس القانوني
- الريس: التأخير لا تترتب عليه آثار قانونية فحسب وإنما اقتصادية خطيرة
منى الدغيمي
أثارت كثرة الاعتذارات المباشرة وغير المباشرة عن منصب رئيس مفوضي هيئة أسواق المال تساؤلات كثيرة حول القانون وإمكانية تطبيقه في الفترة الراهنة التي تمر فيها أسواق الكويت للأوراق المالية بمرحلة مخاض صعبة. «الأنباء» سلطت الضوء على أسباب عدم قبول هذا المنصب، لاسيما في ظل تسارع عقارب الساعة وانتهاء الفترة القانونية المحددة بثلاثة أشهر لتشكيل «الهيئة» حيث أجمعت الأوساط الاقتصادية والقانونية على أن منصب الرئيس شديد الحساسية، نتيجة الحاجة إلى نوع من المواءمة أو التوافق يصعب معهما تجنب التداخل بين الأجندات والحسابات. وأضاف بعضهم أن من الأسباب الطاردة لقبول المنصب أن 60% من الشركات الكويتية المدرجة مخالفة، وأن تطبيق القانون سيصبح شديد القسوة في فترة لا تسمح بالقسوة. وعاب الجانب الآخر على المثالب العديدة في صياغة القانون التي تحول دون تطبيقه، لاسيما تبعية الهيئة لوزير التجارة وتمتعه بصلاحيات التدخل في عمل وأداء مجلس مفوضيها. في حين رأى أحد الاقتصاديين ان عدم القبول أو الاعتذار يعكس أمرا واقعا وهو عدم الاقتناع بجدية تطبيق القانون في ظل عدم وجود الأرضية الخصبة المساعدة على ذلك وتشابك المصالح وتدخل المساومات السياسية، الأمر الذي سيفرغ القانون من بعض محتواه. وفيما يلي التفاصيل:
في البداية، عزا رئيس جمعية المحاسبين والمراجعين محمد الهاجري اعتذار أكثر من شخصية اقتصادية عن منصب رئيس مفوضي هيئة أسواق المال إلى صيغة القانون، واصفا إياه بأنه أتى بصورة قريبة من المثالية، ومشيرا إلى انه يحتوي على العديد من المثالب قد تجعل المترشح يتردد ويتخوف من القبول كي لا يكون مجرد اسم في قمة هرم وهو غير فاعل.
وأضاف أن السبب الثاني يتمثل في تبعية «الهيئة» لوزير التجارة وتمتعه بصلاحيات التدخل في عمل وأداء مجلس مفوضيها، لافتا إلى أن التخوف من هذه التبعية يقترن بما قد يترتب عليها بتحول منصب رئيس المفوضين الى منصب شرفي.
وارجع الهاجري سبب عدم قبول المنصب إلى كثرة البنود الواردة في القانون التي تثقل كاهل الرئيس بشأن البت في العديد من القرارات، داعيا الى المزيد من تبسيط القانون والتوجه نحو اختيار شخصية تجمع بين الجانبين المهني والفني وأن يخول له اختيار المفوضين التابعين دون تدخل خارجي سواء كان نيابيا او غيره.
وشدد على ضرورة استقلالية مجلس المفوضين عن التجاذبات السياسية والطائفية لكي يمارس عمله بكل شفافية بعيدا عن المحسوبية التي قد تقضي على مشروعية الهيئة والهدف منها.
وقال الهاجري إن الترشيحات لمنصب رئيس هيئة مفوضي الأسواق في تراجع من حيث انتماء الأسماء، إذ بدأت الترشيحات الأولى لأسماء لها خبرة وصيت ثم انحدرت إلى أسماء متفرقة لغرض ترشيح أي شخص وسد الخانة لعدم تجاوز المدة القانونية.
وعاب على القانون انه ينص ويؤكد ضمن بنوده على اختيار ذوي الخبرة والاختصاص ويناقض نفسه في آن آخر بعدم تطبيق هذا البند واقعيا.
واقترح الهاجري ترشيح مشاري العنجري ومنحه حق اختيار المفوضين، معتبرا أن هذا هو الحل الراهن مع انتهاء المدة القانونية لتشكيل الهيئة.
وانتقد بشدة الاختيارات العشوائية للمفوضين والتي يقوم جانب منها على المحاصصة السياسية والاجتماعية والعائلية والقبلية مع عدم مراعاة لمواد القانون التي تنص على احترام النزاهة والخبرة والاختصاص في الاختيار.
عدم استقلالية الهيئة
بدوره، عزا العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة الرتاج للاستثمار جهاد القبندي عدم قبول منصب رئيس مفوضي هيئة أسواق المال إلى عدم استقلالية الهيئة بالكامل واستمرار التبعية إلى وزير التجارة، مشيرا إلى أن هذه التبعية تعكس عدم الجدية وترسخ مبدأ الفوضى في ظل غياب أو تغييب الدور الحكومي الداعم بقوة وعدم وجود الأرضية الخصبة المساعدة على تطبيق هذا القانون.
وطالب القبندي بضرورة إعادة النظر في مشروع القانون لأن المعتذرين عن المنصب لهم أسبابهم المقنعة على ضوء ما هو ظاهر على السطح خاصة فيما يتعلق بغياب الحرفية في اختيار المفوضين.
ثقل المسؤولية
من جانب آخر ارجع مصدر بنكي رفيع المستوى، فضّل عدم ذكر اسمه، التنازل عن منصب رئيس مفوضي الهيئة إلى ثقل المسؤولية التي يفرضها المنصب في ظل تردي وضع أسواق الكويت للأوراق المالية ووجود أكثر من 60% من الشركات المخالفة ما يستدعي ضرورة إصدار أحكام ضدها.
وأضاف أن تطبيق القانون سيكون قاسيا على الشركات ورئيس الهيئة ستقع على عاتقه مسؤولية كبيرة وربما يسبب المنصب له الكثير من العداءات والصدامات لتشابك المصالح الكبير في البورصة، لاسيما أن الشركات المدرجة معظمها يرتبط بأسماء تفرض تلك المحسوبية، لافتا إلى أن ذلك من الأسباب الطاردة لقبول الترشيح لمنصب الرئيس.
وطالب بضرورة إبعاد تدخل أعضاء مجلس الأمة والجهات عن عمل الهيئة لمنحها الاستقلالية المطلوبة التي من شأنها أن تشجع على الترشح وقبول المنصب، مشيرا إلى أن عمل «الهيئة» فني بحت والمفروض أن يكون من يتقلدون منصب الرئيس والمفوضين التابعين يتمتعون بجانب الخبرة الفنية.
وأضاف أن الحل الثاني المقترح لمعالجة الأزمة الراهنة هو تأخير تنفيذ الإجراءات القانونية ومنح فترة انتقالية تفسح المجال للتوعية والتثقيف ثم يطبق القانون، واقترح تأجيل تطبيق القانون إلى بداية يناير 2011، لافتا إلى أن هذه المدة ستفسح المجال لإعادة النظر في بعض النقاط وخاصة فيما يتعلق بتشكيل المفوضين وكيفية اختيارهم.
شروط فنية
فيما رأى نائب رئيس مجلس إدارة شركة الملا للاستثمار عبدالله نجيب الملا أن أي مترشح لمنصب رئيس مفوضي هيئة أسواق المال سيتعرض للاهانة من المؤسسة التشريعية دون التصدي لها، مشيرا إلى أن المحسوبية ستسبب الاهانة وتلغي هدف الرئيس للهيئة.
وعزا عدم القبول بمنصب رئيس المفوضين إلى انتفاء وجود شروط فنية لاختيار الأشخاص المرشحين للمنصب، مشددا على ضرورة ان يتحلى الرئيـــس بخبرة فنية بغض النظر عن الاسم.
ورأى الملا أن المشكلة في الأشخاص المرشحين الذين يفتقدون الجانبين الفني والعملي وليست في القانون، مشيرا إلى أن القانون جيد وسابق لأوانه أن تدخل عليه تعديلات.
وختم بقوله: «تطبيق القانون وفرض شروط فنية لترشيح شخصية رئيس مفوضي الهيئة لهما الأولوية القصوى ثم تقع عملية التقييم فيما بعد».
التأخير.. مخالف للتشريع
ومن وجهة نظر قانونية لقضاء المدة القانونية المحددة بـ 3 أشهر لتشكيل هيئة أسواق المال قال عضو المنظمة العربية للعلوم القانونية ومسؤول الدائرة القانونية بمجموعة شركات كويتية سعد الريس ان تأخير تسمية أعضاء المفوضية الخاصة بهيئة أسواق المال طبقا لأحكام قانون إنشاء هيئة أسواق المال الكويتية يدعو إلى القلق، مؤكدا أن مدة المهلة القانونية لنفاذ ذلك القانون الأصل فيها هي منذ نشر القانون في الجريدة الرسمية لا من تاريخ إقراره من مجلس الأمة إلا أن المشرع حرص على مد تلك المدة عملا بأحكام الدستور المادة 178.
واعتبر الريس أن مسألة التأخير في تنفيذ أي تشريع مخالفة قانونية ويمكن للمتضررين من التأخير مقاضاة الحكومة في حال وقع عليهم ضرر من التأخير، مستدركا: أن القضاء الكويتي ربما و«على حد علمه لم يشهد حالة مماثلة»، واستدرك قائلا: «على مستوى القضاء المقارن يمكن رفع مثل هذه الدعاوى داخل الكويت للمطالبة بالتعويض عن ضرر حصل بسبب تأخير تنفيذ أي قانون حتى لو صدر ذلك التشريع حديثا.
وأوضح الريس انه في مثل هذه الدعاوى يتوقف تنفيذ القانون على المهلة التي حددها المشرع، مضيفا: «وهو ما ينطبق على قانون هيئة أسواق المال حيث حددت مهلة 3 أشهر لتعيين مجلس مفوضي الهيئة وبدون تعيينهم لا يمكن نفاذ القانون، وبالتالي يقع الضرر على من ينتظرون تنفيذه».
وقال الريس ان التأخير في حد ذاته لا يترتب عليه آثار قانونية فحسب، إنما اقتصادية قد تكون خطيرة، مشيرا إلى أن على الحكومة دراسة الوضع وعدم التأخر في مثل تلك المواقف لحساسية المسألة، وأمام الحكومة عدة اختيارات في اختيار الهيئة فالشارع الاقتصادي والقانوني لديهما أسماء وشخصيات رائدة «فرئيس الهيئة يجب أن يكون من العيار الثقيل ولا يمكن القبول بتسييس المنصب».
عبدالله: ليس هناك أي إشكال قانوني إن زادت المهلة عن ستة أشهر
استعرض المحامي عبد الرزاق عبدالله الوضع القانوني في هذا الشأن قائلا: صدر القانون رقم 7 لسنة 2010 بشأن إنشاء هيئة أسواق المال وتنظيم نشاط الأوراق المالية في 21 فبراير 2010.
وقررت المادة 65 من القانون انه يتولى إدارة هيئة السوق مجلس يسمى مفوضي هيئة أسواق المال يتكون من خمسة مفوضين متفرغين يصدر بتسميتهم مرسوم بناء على ترشيح الوزير المختص. ويحدد المرسوم من بين الأعضاء رئيسا أو نائبا للرئيس. وبينت المادة الرابعة اختصاصات مجلس مفوضي الهيئة. وحددت المادة 151 مهلة ستة أشهر من تاريخ صدور القانون لصدور مرسوم تسمية مجلس المفوضين.
وحسب الأنباء المتناقلة فإن الإشكالية تقع في اختيار الرئيس، حيث يشاع أن أكثر من مرشح قد اعتذر عن قبول هذا المنصب.
وليس هناك أي إشكال قانوني أن زادت المهلة عن ستة أشهر لصدور مرسوم تسمية أعضاء مجلس المفوضين لأن القانون لم ينص على أي جزاءات ولم يرتب أي إجراءات قانونية عند تجاوز هذه المدة.
وليست هناك حلول قانونية لمعالجة الاعتذار، حيث ان القانون لم يتطرق إلى حالة عدم قبول العضوية في الهيئة، اذ لم يكن المشرع يتوقع ان يكون هناك أي إشكال في تعيين أعضاء هيئة السوق، واعتقد ان الحل هو فقط الاستمرار في البحث.
والى ان يصدر مرسوم بتسمية أعضاء مجلس المفوضين فإن القانون في حالة توقف، ذلك ان مجلس المفوضين هو الذي سوف يضع اللائحة التنفيذية للقانون.
ويبدأ العمل بالقانون بوضع اللائحة التنفيذية ويقوم سوق الكويت للأوراق المالية بالاستعداد والعمل ليكون متواكبا مع ما يطلبه منه القانون باعتباره بورصة للأوراق المالية حسب القانون، وكذلك الحال بالنسبة للشركة الكويتية للمقاصة وشركات الاستثمار التي تزاول نشاط إدارة أموال الغير والمرخص لها بإدارة محافظ استثمارية حيث انه يجب عليهم ترتيب أوضاعهم وفق هذا القانون ولائحته التنفيذية.
وكما سبقت الإشارة فإن مجلس مفوضي السوق هو الذي سوف يتولى إدارة هيئة السوق، فلذلك لا يتصور العمل بالقانون دون وجود مجلس مفوض السوق.
واعتقد أن الأسباب التي تدفع معظم المرشحين الى الاعتذار عن القبول هي القيود والمسؤوليات التي أوردها القانون بحق المفوض.
فالمفوض لا يمكنه القيام بأي عمل تجاري عن نفسه وبصفته وكيلا أو وليا أو وصيا، كما لا يجوز له ممارسة أي وظيفة أو أي مهنه أو عمل آخر في القطاع العام أو الخاص، أو تقديم أي خدمات أو استشارات بشكل مباشر أو غير مباشر أو المشاركة في عضوية مجلس إدارة أي جهة لرقابة الهيئة أو أي جهة ذات صلة بها.
كما ان على عضو المجلس التصريح خطيا لدى الهيئة فور تسلم مهامه عن الأوراق المالية المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية التي يملكها وزوجه وأولاده القصر، كما يلتزم بالإفصاح خطيا عن أي تغيير يطرأ على ذلك وفقا للنظام الذي يضعه مجلس المفوضين.
ولا أرى فيما سبق من قيود أوردها القانون على عضو مجلس المفوضية ما فيه من المبالغة أو الإرهاق فإن معظم هذه الشروط يجب توافرها في كل من يتقلد منصبا عاما، فالعزوف عن قبول هذا المنصب ليس بسبب مثالب في القانون، بل انه إضافة إلى ذلك فهناك قيود اجتماعية وحساسية لما تتطلبه المهمة من شفافية في الموقف وشجاعة اتخاذ القرار ومواجهة المواقف الصعبة وبالأخص إذا كان الطرف الآخر من أصحاب النفوذ أو من المقربين، فهيئة سوق المال هي الجهة التي ستهيمن على الاقتصاد بشكل ملحوظ وبمساحة واسعة.