- عدم إبراء الذمة نوع من التفعيل للجمعية العمومية وعتقها من قبضة كبار الملاك
- ضرورة تبني المساهم المنطق والعقلانية في طرح استفساراته وانتقاداته وتمسكه بحقه في الاعتراض
- الأرقام الكبيرة للخسائر الأخيرة فعّلت بند إبراء الذمة وجعلته اللاعب الرئيسي في العموميات
- التوكيلات الممنوحة لكبار المساهمين من طرف الأقلية هدر لحق المساهم في الاعتراض
منى الدغيمي
قبل الأزمة العالمية كانت فترة انعقاد الجمعيات العمومية موسم الحصاد للأرباح والتبريكات والابتسامات المتبادلة بين المساهمين ومجالس إدارات الشركات وبعد الأزمة تحولت تلك الجمعيات إلى ساحة لتوجيه الاتهامات في الذمم المالية ورفع القضايا ضد مجالس الإدارات رغم أن المساهمين يتحملون ما آلت إليه العديد من الشركات من صعوبات مالية بسبب تقاعسهم في معرفة آليات تحقيق الأرباح ونوعية الأصول التي لدى الشركات والمخاطر التي تتحملها إدارات الشركات لتحقيق أعلى معدلات الأرباح والتوزيعات لإرضاء المساهمين.
وبطبيعة الحال فان الجزء الأعظم من هذه الأرباح كان يعود لمجالس الإدارات باعتبار أنهم أكبر المساهمين فقاعدة من يملك يدير هي السائدة في معظم الشركات الكويتية وبعد الأزمة تغير الحال فالتشكيك في ذمم مجالس الإدارات جاء من أغلبية صغار المساهمين وهذا من ايجابيات الأزمة المالية العالمية التي فعلت الوعي الاستثماري والقانوني لدى صغار المساهمين ودفعتهم دفعا للاطلاع على حقوقهم التي كفلها القانون من التحفظ على بنود جدول الأعمال بدءا بالذمم المالية لمجالس إدارات الشركات وانتهاء برفع القضايا ضدهم، ووصل الأمر إلى انه لن تمر جمعية عمومية دون التحفظ على الذمم المالية وعدم الموافقة على الكثير من بنود جدول الأعمال حتى ان الشركات التي أعلنت أرباحا واجه مجلس إدارتها رفضا من المساهمين للموافقة على مكافآتهم.
«الأنباء» استطلعت أراء اقتصاديين وقانونيين حول ما يدور في الجمعيات العمومية حيث أجمع الاقتصاديون على أن الخسارة التي تكبدتها الشركات ليست مبررا لتطاول بعض المساهمين وتخطيهم لأدبيات الحوار خلال عقد عمومية الشركة، مشيرين إلى أن البيانات المالية للشركات والإيضاحات المرفقة هي الفيصل في تحديد مسؤولية كل طرف في الإدارة من جهة والمساهمين من جهة أخرى. و قالوا ان المساهم الطاعن في ذمة مجلس الإدارة له الحق القانوني في الطعن أو تعليق هذا البند لكن في حضور الدليل القاضي بالطعن في ذمم مجالس الإدارة. فقانونيا يحق لكل مساهم مباشرة الدعوى لمصلحة الشركة إذا ما لحق بها ضرر من سوء تصرفات مجلس الإدارة، وأكدوا على أن الاتهام الكيدي والتشكيك في أمانة وذمة أعضاء مجلس الإدارة برعونة ودون الاستناد إلى أدلة يترتب عليه مسؤولية قانونية بشقيها الجزائي والمدني.
سيطرة الشخصنة
قال رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب في شركة الرتاج للاستثمار جهاد القبندي ان الجمعيات العمومية سابقا كانت غير مفعّلة وقد حان الوقت لتفعيلها والوقوف على جميع البنود الواردة في جدول الأعمال لاسيما بند تبرئة الذمة، مشيرا إلى أن المساهم الصغير مهمّش والكويت تفتقر إلى قانون يحمي الأقلية المساهمة في الشركات.
و أضاف أن عدم إبراء الذمة أو التحفظ على هذا البند هو نوع من التفعيل للجمعية العمومية وعتقها من قبضة كبار الملاك باستحواذهم على توكيلات من الأقلية وتمرير كل البنود بالموافقة عليها وغلق العمومية دون مشاكل.
و شدد القبندي على ضرورة محاسبة مجلس الإدارة إذا ثبت انه أساء إدارة الشركة واخذ قرارات أثرت سلبا على حقوق المساهمين وأدت إلى تكبد الشركة لخسائر كبيرة. و استدرك بقوله ان بعض الجمعيات التي عقدت مؤخرا كان تعليق بند إبراء الذمة مبالغا فيه وذلك وفقا للبيانات المالية والإيضاحات المرافقة لها والتي تفسر السبب المباشر في الخسارة، مشيرا إلى أن بعض المساهمين سيطرت عليهم «الشخصنة» أحيانا للطعن في ذمة مجلس الإدارة أو استهداف الرئيس دون تبريرات حرفية وشكوك ليست قائمة على أدلة مقنعة أو منطقية.
حق المساهمين
من جانبه قال رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة عارف للطاقة وليد الحشاش أن من حق المساهمين أن يطعنوا في براءة ذمة مجلس الإدارة إذ ثبت التلاعب بالبيانات المالية للشركة أو ثبت دخول الشركة في نشاط خارج نشاطها وأدى إلى إلحاق ضرر مباشر بحقوق المساهمين.
وعاب الحشاش على المساهم انه كان سابقا يتقبل نسبا غير معقولة أحيانا من الأرباح دون ان يستفسر أو يعترض على البنود الواردة في جدول الأعمال، مشيرا إلى أنه كان شريكا في تحقيق خسائر ناجمة عن سوء الإدارة لأنه لم يتفاعل في فترة الأرباح ولم يعارض الإدارة.
ورأى أن الطعن في الذمة دون أسباب منطقية ينتج عنه خلط بين المهنية بالشخصنة والذي من شأنه أن يؤثر سلبا على صورة الشركة، داعيا المساهم إلى تبني المنطق والعقلانية في طرح استفساراته وانتقاداته وتمسكه بحقه في الاعتراض على أي بند في فترة الفورة كما في الأزمات على حد سواء.
التوكيلات... هدر للحق
من جانبه رأى رئيس جمعية المحاسبين والمراجعين محمد الهاجري أن التبريرات الأخيرة لخسائر الشركات تطرقت إلى كل الاحتمالات ما عدا سوء الإدارة النابع من تهور واندفاع القائمين على الشركات وسعيهم إلى الربح غير المشروط والسريع والتلاعب والاستفادة الشخصية، مشيرا إلى أهمية أن تلتفت الأجهزة الرقابية إلى هذه المسألة وكذلك المساهمون.
وأوضح الهاجري أن المساهم يعتبر مشاركا في سوء الإدارة لأنه تنازل عن حقه سابقا بتفويض من ينوب عنه في وقت انعقاد الجمعيات العمومية، لافتا إلى أن التوكيلات الممنوحة لكبار المساهمين من طرف الأقلية هي هدر لحق المساهم.
وعن مدى حق المساهمين في الطعن في ذمة مجلس الإدارة وإثارة هذا البند في اغلب العموميات الأخيرة من منطلق تكبد الشركة لخسارة كبيرة وعدم الإقرار بتوزيعات، قال الهاجري انه لولا أهمية هذا البند لما نص عليها القانون وألزم به الشركات، مشيرا إلى أن المساهمين سابقا كانت نسب توزيعات الأرباح تغشوا أعينهم عن الوقوف والتساؤل عن بنود لها أهمية ومرتبطة بحقوقهم.
وأضاف «في ظل الأرقام الكبيرة للخسائر الأخيرة فعّل بند إبراء الذمة وأصبح اللاعب الرئيسي الذي تتمحور حوله كل الاستفسارات.
إبراء ذمة مجلس الإدارة لا يحول دون قيام الأقلية برفع دعوى
حول الأثر القانوني المترتب على عدم إبراء ذمة مجلس الإدارة وعلى عدم صحة ما ينسب إليه من تقصير قال المحامي عبد الرزاق عبدالله: تنص المادة 148 من قانون الشركات التجارية على ان رئيس مجلس الإدارة وأعضاءه مسؤولون تجاه الشركة والمساهمين والغير عن جميع أعمال الغش وإساءة استعمال السلطة وعن كل مخالفة للقانون أو لنظام الشركة وعن الخطأ في الإدارة.
والمسؤولية أما ان تكون مشتركة بين الأعضاء، أو شخصية تلحق عضوا بذاته إذا كان قد ارتكب المخالفة بمفرده، ومن أعمال الغش إخفاء المعلومات وتشويه الحقيقة للتضليل أو ادعاء ملاءة الشركة وعدم تأثرها بالأزمة الاقتصادية وهي في حقيقة الحال على وشك الإفلاس. وقد يشكل فعل العضو أو الأعضاء جريمة يعاقب عليها قانون الجزاء، كارتكاب جريمة خيانة الأمانة أو السرقة أو النصب.
فمسؤولية مجلس الإدارة عن حسن الإدارة مصدره القانون فلا يجوز الإعفاء والتخفيف منها، فيحق لكل مساهم مباشرة الدعوى لمصلحة الشركة إذا ما لحق بها ضرر من سوء تصرفات مجلس الإدارة فاثر في مركزها وانعكس بالتالي على حقوق المساهمين، وان حق المساهم في إقامة الدعوى منفردا عن الشركة فيه حماية للأقلية عن عزوف الأغلبية وتراجعها عن مباشرة الدعوى لأي سبب من الأسباب، طالما أنه من المقرر أن هذه الدعوى هي لصيقة بصفة المساهم ومن حقوقه التي لا يمكن مصادرتها أو الانتقاص منها حتى لو صادقت الجمعية العمومية للمساهمين على التقرير السنوي المقدم من مجلس الإدارة وأبرأت ذمة مجلس الإدارة.
وقد يثار سؤال عن فائدة إبراء مجلس الإدارة مادام لا يحول دون إقامة دعوى المسؤولية ضده.
والحقيقة انه لا يمكن إعمال هذا النص إذا تم الكشف عن المخالفات والأخطاء بوضوح في الجمعية العامة بصورة صحيحة ووافق المساهمون المالكون لأغلبية الأسهم على إبراء ذمة مجلس الإدارة منها، ولكن هذا الإبراء ليس له أي اثر على حقوق أقلية المساهمين الذين لم يوافقوا على الإبراء، ولا يؤثر هذا الإبراء على حق الغير ولا على الأخطاء والمخالفات التي لم يتم الكشف عنها.
ويتضح وبمفهوم المخالفة لما سبق أنه إذا لم يتم إبراء مجلس الإدارة من قبل الجمعية العامة للمساهمين، فإنه يجوز مقاضاة مجلس الإدارة ومساءلتهم من الشركة والمساهمين والغير، كل بقدر ما أصابه من ضرر وتكون المسؤولية بقدر ما ارتكبوه من خطأ وبقدر ما لحق الشركة من ضرر أدبي ومادي أو أي ضرر آخر لحق بالمساهم أو الغير.
وإذا كانت الأفعال تصل إلى حد الجرم فإن هناك مسؤولية جزائية وعقوبات يقررها قانون الجزاء بحسب نوع الفعل (الجرم) المرتكب، فتكون العقوبة اما بالحبس أو الغرامة أو هما معا، هذا إضافة إلى العقوبات التأديبية حسب نوع فعل الإخلال. هذا كله إذا ثبت في حق أعضاء المجلس الخطأ أو الفعل المكون للجريمة، أما إذا كان الأمر مجرد شك لا يرقى إلى مرتبة اليقين المدعم بالمستندات والأدلة، فإنه لا يمكن تجريم مجلس الإدارة والطعن في ذمتهم، فإن أقصى ما يمكن الوصول إليه في حالة الشك في البيانات المالية هو طلب الاستفسار والتوضيح من مجلس الإدارة حول البنود محل الشك والغموض.
فالمادة 131 من قانون الشركات تنص على أن من حق المساهم الحصول على نسخة من الدورة الحسابية وحساب الأرباح والخسائر وتقرير مجلس الإدارة وتقرير مراقبي الحسابات.
وغني عن البيان ان الاتهام الكيدي والتشكيك في أمانة أعضاء مجلس الإدارة برعونة ودون الاستناد إلى أدلة يرتب مسؤولية قانونية ضد من يوجه هذا الاتهام الكيدي، والمسؤولية هنا قد تكون بشقيها الجزائي والمدني.