منى الدغيمي
جهل المساهم بكيفية إعادة تقييم الأرباح التشغيلية يشجع الشركـات على التلاعب والمغالطة
لئن اختلفت تسمياتها من الأرباح المرحلة أو المحتجزة أو المدورة فان هدفها يبقى واحدا، وهو انها تمثل الدرع الحامية للشركات من الازمات وامتصاص التذبذبات الحادة للأسواق وهو ما دفع اكثر من شركة الى تلك الارباح بهدف التقليل من حدة خسارتها او التمتع بالسيولة التي شحت على وقع تداعيات الازمة العالمية.
ومن منطلق الأسئلة العديدة للمساهمين اثناء عموميات الشركات في الآونة الأخيرة حول الارباح المرحلة في ميزانية الشركات استطلعت «الأنباء» آراء خبراء ومسؤولين في شركات حول مدى مسؤولية مجالس الإدارات ازاء هذا الخيار وشفافية استخدامه والاطار القانوني الذي ينظم ويحكم شروط اللجوء إليه.
بداية، قال رئيس جمعية المحاسبين والمراجعين الكويتية محمد الهاجري ان ترحيل الأرباح هو قرار تتخذه الجمعية العمومية للشركة بناء على توجيه من مجلس الإدارة، مشيرا الى انه من الضروري الاطلاع على قائمة بيان التغييرات في حقوق الملكية المفصح عنها ضمن التقرير السنوي للشركة لمعرفة تفاصيل معالجة الأرباح المرحلة.
وأوضح ان الشركة تعمد الى ترحيل ارباحها لاستخدامها في اغراض مختلفة، منها الحاجة الى تمويل المشاريع والتوسعات، أو عدم وجود سيولة مالية لديها لتوزيع الارباح أو الاحتفاظ بمستويات من التوزيعات بما لا يخل بأداء الشركة.
وقال ان الارباح المرحلة للشركة تظل ضمن حقوق الملكية بالميزانيات المتعاقبة ما لم يتخذ قرار بشأنها كالتوزيعات النقدية بناء على توجيهات مجلس الإدارة. واشار الى ان بيانات السنة اللاحقة تبين وبشفافية، تفاصيل استخدامات تلك الارباح المرحلة، وكيفية التصرف فيها ضمن القوائم المالية للشركة عن السنة المالية التالية للترحيل.
من جانبه، رأى رئيس مجلس ادارة شركة الاستثمارات الصناعية د.طالب علي أن الارباح المرحلة تمثل الدرع الواقية للشركة من شح السيولة والأزمات، مشيرا الى انها تحافظ على ايجابية رأس المال.
وحول شفافية استخدام الارباح المرحلة قال ان الشفافية متوافرة بالرجوع الى ميزانية الشركة في السنة اللاحقة لاستخدام الارباح والتي تكشف اماكن استخدامها موضحا ان تلك الارباح متى استخدمت فإنها تبقى ضمن قائمة حقوق الملكية.
بدوره، اوضح الخبير الاقتصادي حجاج بوخضور ان ترحيل الارباح هو بمثابة احتياطي جديد يضاف الى احتياطيات الشركات كالاحتياطي الاجباري او الاحتياطي الاختياري.
وأكد ان الشركات تلجأ الى ترحيل ارباحها في حال حدوث تذبذبات في السوق، موضحا ان تلك الارباح تبقى ضمن حقوق المساهمين.
واضاف ان التحوط من الأزمات المفاجئة والتذبذبات الحادة للسوق وراء ترحيل الأرباح، بالاضافة الى سعي الشركات لتمويل مشاريعها في ظل شح قنوات التمويل الحالية.
واكد ان ترحيل الارباح يصب في مصلحة الشركة ومساهميها بحكم انه يبقى ضمن بياناتها المالية والتي يمكن اللجوء إليها وقتما دعت الحاجة.
واعتبر بوخضور خطوات ترحيل الارباح الى السنة التالية من قبل الشركات أنها حالة صحية وايجابية، وهي تعكس حرص مجلس الإدارة على ثبات وضع الشركة في السوق مهما تعرضت هي او السوق لتغيرات طارئة. ولفت الى ان الدخول في مشاريع مستقبلية وعدم الاقتراض والاعتماد على التمويل الذاتي، من المساهمين يوفر على الشركة دفع فوائد او مرابحات على عملية التمويل والاقتراض الخارجي، مما ينعكس بالتالي عوائد على رأس المال بصورة أفضل.
واكد ان الارباح المرحلة تهدف لإعطاء التوازن للشركة، مشيرا الى انها تلعب دور البديل النظامي عن زيادة رأس المال بين الحين والآخر. وافاد بأن الارباح المرحلة هي من القوائم المالية المحبذ اتخاذها، مستدركا بان نسبة استقطاعها تخضع لمعيار قانوني محدد، لافتا الى ان مجلس الإدارة غير مؤهل قانونيا لاستقطاع نسبة من الارباح وترحيلها الا بأخذ موافقة من الجمعية العمومية.
ما الأرباح المرحّلة؟
يقصد بالأرباح المرحلة المبلغ المتبقي من الأرباح بعد إجراء عملية التوزيع السنوية على المساهمين والذي يقترحه مجلس الإدارة، ويستخدم هذا الفائض كاحتياطي لمواجهة اي انخفاض في الأرباح المحققة في السنوات المقبلة التي قد تؤدي الى عدم قدرة الشركة على اجراء توزيعات مناسبة على حملة الأسهم.
وتوزع أرباح الشركة بشكل ربع سنوي بعد خصم المصروفات العمومية والتكاليف على النحو التالي:
أ ـ تجنب نسبة قدرها 10% من الأرباح الصافية لتكوين احتياطي ويجوز للشركة ان توقف تجنيب هذا الاحتياطي متى بلغ نصف رأس المال.
ب ـ الباقي يوزع على الشركاء بنسبة حصص كل منهم على رأس المال ما لم يقرر الشركاء تكوين احتياطات اخرى او ترحيل رصيد الأرباح كليا او جزئيا للسنة المالية التالية.
ج ـ في حال تحقيق خسائر يتحملها الشركاء بنسبة ما يملكه كل منهم على رأس المال او يتم ترحيلها للسنة المالية التالية ولا يتم توزيع الأرباح الا بعد استهلاك تلك الخسارة.
وإذا بلغت خسائر الشركة ثلاثة أرباع رأسمالها وجب على رئيس مجلس إدارة الشركة دعوة الشركاء للاجتماع خلال مدة لا تزيد على ثلاثين يوما من تاريخ بلوغ الخسارة لهذا الحد للنظر في استمرار الشركة مع التزام الشركاء بدفع ديونها او في حلها.
مزيد من التوضيح في البيانات
أوضح أحد مدققي الحسابات (فضل عدم ذكر اسمه) ان بعض الأرباح التي يعلن عن انها محققة هي في الواقع أرباح غير حقيقية، وأكثرها ناجم عن إعادة التقييم وليس من نشاط الشركة التشغيلي.
ولفت الى ان الأرباح عندما ترحل يكون جزء منها غير حقيقي، مشيرا الى ان المدون في التقارير السنوية لا يعكس الواقع.
وأكد ضرورة تقديم المزيد من الإيضاحات ضمن تقرير البيانات المالية للشركات عن الأرباح المرحلة، خاصة عند إعادة تقييم الأرباح التشغيلية حتى يتسنى للمساهم تبين الأرباح الناتجة عن البيع والشراء والأرباح غير الحقيقية.
وقال ان تقديم التفاصيل الدقيقة لإعادة التقييم يوفر مبدأ الشفافية ويدعم ثقة المساهمين في الشركة ولا يترك مجالا للتشكيك.
وأفاد بأن المعايير الدولية الأخيرة تقضي بأن كل شيء يعاد تقييمه ما عدا المخزون.
وأشار الى ان بعض الشركات تستغل عدم معرفة المساهم لمعلومة إعادة التقييم وتعتمد التلاعب في مرحلة إعادة التقييم، وهذا ينطبق على الشركات التي تفتقد الشفافية.
الرأي القانوني: توزيع الأرباح أو ترحيلها من صلاحيات مجلس الإدارة قانونياً
الشركة شخص اعتباري يكتسب الحقوق ويتحمل الالتزامات ويمارس أعماله من خلال الاشخاص الطبيعيين الذين هم بمجموعهم يكونون الشركة. وقد أناط المشرّع ادارة اعمال الشركة بمجلس الادارة وفقا للمادة 146 من قانون الشركات التجارية، ويزاول مجلس الادارة جميع الاعمال التي تقتضيها ادارة الشركة وتسيير أمورها وفقا لأغراضها، ولا يحد من هذه السلطة الا القانون ونظام الشركة الاساسي وقرارات الجمعية العامة، فمجلس الادارة هو الذي يقوم برسم وتنفيذ سياسة الشركة وادارتها من كل النواحي.
ومن الاعمال التي يقوم بها مجلس الادارة عادة اقتراح كيفية توزيع الارباح وتاريخ صرفها ويتولى المجلس عرض الاقتراح على الجمعية العامة لإقراره.
ومن أهم حقوق المساهم في الشركة الحصول على الارباح والفوائد التي يتقرر توزيعها على المساهمين.
وهناك استقطاعات يفرضها القانون قبل توزيع هذه الارباح، فهناك استقطاع مقابل استهلاك موجودات الشركة أو التعويض عن نزول قيمتها، كما يفرض القانون استقطاع نسبة قدرها 10% على الاقل لحساب الاحتياطي الاجباري، لمواجهة أي صعوبات قد تواجهها الشركة في المستقبل أو توزيع أرباح في الاعوام التي لا تحقق الشركة أرباحا فيها.
ويجوز للجمعية العامة وقف هذا الاقتطاع اذا زاد الاحتياطي الاجباري عن نصف رأسمال الشركة، فضلا عن ذلك هناك استقطاع للاحتياطي الاختياري يتم بناء على اقتراح مجلس الادارة، وكل ذلك الى جانب الاستقطاع من الارباح لمواجهة الالتزامات وحقوق العاملين في الشركة.
ويجوز ان يتضمن النظام الاساسي للشركة انشاء صندوق خاص لمساعدة عمالها ومستخدميها.
فإذا كان هناك فائض في الارباح بعد خصم كل الاستحقاقات السابق ذكرها يتم توزيعها على المساهمين أو يتم ترحيلها الى الميزانية المقبلة اذا ما رأت ادارة الشركة انه من المحتمل ألا تحقق الشركة أرباحا في السنة المقبلة وفق رؤيتها ودراساتها للسوق أو لأي سبب آخر، والحقيقة ان توزيع الارباح أو ترحيلها من صلاحيات مجلس الادارة بعد اقرار وموافقة الجمعية العامة التي تعبر عن ارادة المساهمين وعن طريقها يشترك المساهم في ادارة الشركة ومراقبة أعمال القائمين على الادارة وبالتالي فإن أقرت الجمعية العامة اقتراح مجلس الادارة بعدم توزيع الارباح فهذا رأي المساهمين المالكين للشركة، ولا يمكن القول بعدم جواز ذلك أو عدم مشروعيته مادام الاقتراح بعدم توزيع الارباح قد تم عرضه على الجمعية العامة وأصبح محصنا بعد الموافقة عليه من قبل الجمعية حتى لو كان هذا القرار غير مبرر في ظل وجود فائض من الاموال يمكن توزيعها دون أن يؤثر ذلك على مركز الشركة المالي.
وتجدر الاشارة الى ان جميع الاستقطاعات السابقة وترحيلها ـ فيما عدا الاحتياط الاجباري وحقوق العاملين ـ لا تتم الا بموافقة المساهمين بالشركة ممثلين في جمعيتها العمومية. وفقا لنصوص المواد 166، 167، 168، 169 من قانون الشركات التجارية رقم 15/1960. خلاصة القول ان توزيع الارباح من عدمه يقوم به مجلس ادارة الشركة عن طريق اقتراح ذلك على الجمعية العامة للشركاء والتي لها القول الفصل في هذا الاقتراح بالموافقة أو الرفض، بغير معقب مادام الاجتماع كان مشروعا ومستوفيا شرائطه القانونية.