-
المهاترات السياسية وتصفية الحسابات أضاعتا بوصلة الكويت الاقتصادية
-
الوضع الاقتصادي يسير بـ «البركة» والحكومة تعودت أن تحل الأزمات بنفسها
-
لامبالاة الحكومة والمجلس في معالجة الوضع الاقتصادي وتقمصهما دور المتفرج انعكس سلباً
منى الدغيمي
اجتاحت حالة اللامبالاة معظم الشركات الكويتية وأصبح معظم الكويتيين لا يكترثون بما قد يحدث على الساحة الاقتصادية وبات التكهن بالمستقبل لا يبشر بخير في ظل غياب القرار السياسي المحايد وفقدان الثقة بالتشريعات ومدى تنفيذها على ارض الواقع.
فبعض الشركات المدرجة تمر بأوقات عصيبة إلى درجة أنها عجزت عن دفع رواتب موظفيها والبورصة من سوء إلى أسوأ، والشعور بالإحباط وفقدان الثقة في التعافي سيطرا على أغلبية المستثمرين بحيث تظن ـ حين سماع هذه الأخبار ـ أن الجميع سيقف ويراجع نفسه ويتخذ قرارات هامة ومصيرية لمواجهة ما يحدث. ولكن على عكس جميع التوقعات، تأتي ردود الأفعال غريبة تافهة ليس لها معنى! فما سبب ذلك؟
أكثر من رأي اقتصادي أكد لـ «الأنباء» أن المؤشرات الحالية لتعافي الاقتصاد الكويتي لا تبشر بخير فيما علل أغلبهم هذا الركود بغياب النظرة الشمولية لأجهزة الدولة ولسلطة الرقابة واستهتار ممثلي الشعب (المجلس) برغبة أميرية طموحة أرادت أن تجعل من الكويت القبلة الاقتصادية الأولى للخليج.
وقالوا ان الكويت تبنت حالة اللامبالاة في التنفيذ وفي التغيير وفي البناء ومعالجة الأوضاع الاقتصادية.
واعتبروا أن الوضع السياسي أحد الأسباب الرئيسية لتفشي ظاهرة اللامبالاة التي وصفها بعض الخبراء من منطلق علم النفس الاقتصادي حالة نفسية تعكس الخلل في التركيبة الاقتصادية والتنشئة الاقتصادية وتعود المسؤولية فيها إلى السلطتين لعدم إقرارهما للقرار الرشيد.
ورأى بعضهم أن الاقتصاد الكويتي يتجه نحو الركود التضخمي الذي حصل في الثمانينيات. وشبه أحدهم اختلال الاقتصاد المحلي بالقول عندما تتكسر موجة البحر العالية ينكشف من كان يسبح عاريا. أي مع حدوث الأزمة انكشف عمق اختلال الاقتصاد الكويتي.
واعتبر أحد الاقتصاديين أن الكويت حفرت قبرها الاقتصادي بأيديها، ولن تتمكن من الخروج من أزمتها من خلال سياسة اللامبالاة الاقتصادية التي تتبعها إزاء اختلالاتها الداخلية وتهميشها للتشريعات الاقتصادية وانشغالها بالمهاترات السياسية.
وأجمع الاقتصاديون على أن الكويت تعاني من أزمة بنيوية ـ هيكلية، نتجت عنها حالة اللامبالاة الاقتصادية التي قد تنذر بكارثة مستقبلية.
وأكدوا على أن سياسة المسكنات الاقتصادية وسياسة الترقيع الاقتصادي لن تعالج جذور الأزمة الحقيقية.
اقتصاد يسير بـ «البركة»
فقد أفاد العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة الرتاج للاستثمار جهاد القبندي بأن الكويت لم تحاول معالجة الأزمة وتركت الوضع الاقتصادي يسير بـ «البركة»، مشيرا إلى أن الحكومة تعودت على أن تحل الأزمات بنفسها متجاهلة عمق الأزمة التي سيخلقها تهاونها في التدخل السريع.
وكشف القبندي أن هذه اللامبالاة من الحكومة والمجلس في معالجة الوضع الاقتصادي وتقمصهما دور المتفرج سينعكس سلبا على المساهمين والمستثمرين والشركات وسيكون الخاسر الأكبر في النهاية القطاع المصرفي الذي سيلحقه الضرر لعدم وفاء هؤلاء بالتزاماتهم إزاءها.
ورأى القبندي ضرورة تدخل الحكومة للقضاء على تفشي ظاهرة اللامبالاة وذلك عن طريق تفعيل التشريعات الاقتصادية وحث البنوك على التمويل لدعم القطاع الخاص ليكون له دور في خطة التنمية التي سترتقي بالوضع الاقتصادي، مستدركا بقوله انه في حال استمرار الوضع الحالي واستفحال حالة اللامبالاة فالعواقب ستكون وخيمة جدا.
القبر الاقتصادي
ومن جهته قال رئيس مجلس إدارة احدى الشركات الاستثمارية فضل عدم ذكر اسمه ان الوضع الراهن للاقتصاد الكويتي لا يبشر بالخير وفي ظل استمرار الحكومة في لامبالاتها إزاء معالجة وضع الشركات والبورصة ستغرق السفينة بربانها والمسؤولية يتحملها السلطتان.
وأكد بقوله ان الكويت حفرت قبرها الاقتصادي بأيديها ومستهينة بالعواقب التي ستنتج عن ترك الاقتصاد الكويتي ينهار دون تدخل سريع من الحكومة وإيجاد حلول للمشاكل العالقة بدءا بهيئة أسواق المال إلى إقرار خطة التنمية الاقتصادية.
فقدان الثقة
واستنكر رئيس جمعية المحاسبين والمراجعين محمد الهاجري ما آل إليه الوضع الاقتصادي المحلي مقارنة بالدول الخليجية التي سعت إلى تصحيح أوضاعها الاقتصادية، مشيرا إلى أن غياب قرار الدولة الحيادي والمستقل وغياب النظرة الشمولية للأجهزة وفقدان الثقة بالتشريعات وبالتنفيذ جعل الشركات الكويتية تعيش حالة اللامبالاة.
وأضاف أن القوانين التي شرعت هي غير قابلة للتطبيق لاسيما منها قانون هيئة أسواق المال الذي لم ير النور بعد.
وطالب الهاجري بضرورة التحرك وتنظيف السوق من الشركات «التعبانة» التي فقدت شروط الإدراج والاقتصار فقط على الشركات المليئة والتمديد في المدة القانونية للإدراج، مشيرا إلى أن هذا الإجراء سيصحح من وضع السوق وسيحمي صغار المستثمرين.
وقال الهاجري انه تتوافر فرصة للحكومة ولمجلس الوزراء في وضع العربات على السكك لانطلاقها ومتى انطلقت لا يمكن توقيفها وهذا لن يكون إلا بالمباشرة الفعلية في مشاريع التنمية وتحرير القطاع الخاص وتزويده بالأكسيجين عن طريق فتح قنوات التمويل.
وأفاد بأن الأزمة مازالت تقبع في الكويت ووجب طردها لاعتماد الكويت على مورد واحد للدخل، مشيرا إلى أن المعالجة المحلية للوضع الاقتصادي لن تكون إلا بالاستعانة بآراء فنية وترك المهاترات السياسية وتصفية الحسابات التي أضاعت بوصلة الكويت الاقتصادية وجعلتها تدخل بوتقة اللامبالاة.
الحراك السياسي
من جانبه رأى الخبير الاقتصادي حجاج بوخضور أن أي مجتمع يتأثر بالحراك السياسي الذي ينعكس على الأداء الاقتصادي، مشيرا إلى أن رجال السياسة والاقتصاد يشكلون سياسة الرأي العام بقراراتهم.
وأكد أن الرأي العام بحاجة إلى إعادة هيكلة وتقويم السلوك الاقتصادي، لافتا إلى أن حالة اللامبالاة التي تشهدها الكويت مسؤولية السلطتين لتهاونهم في اتخاذ القرار الرشيد.
وأضاف أن الخلل الأكبر يكمن في أداء السلطتين التي تبحر بعيدا عن الشواطئ وأهملت رسالة صاحب السمو الأمير التي حملها إياهم بجعل الكويت مركزا ماليا وتجاريا.
ووصف حالة اللامبالاة للشركات الكويتية بحالة مرضية نفسية ونتيجة لمخلفات الأزمة العالمية والقصور الإداري والتشريعي المحلي، مشيرا إلى أن الأزمة خلفت مصطلحات جديدة وغيرت من السلوكيات وأفرزت نظريات جديدة يتدارسها علم النفس الاقتصادي.