محمد البدري
مع تصاعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 بدأ التدخل الحكومي في النشاط الاقتصادي يتزايد في مختلف بلدان العالم على نحو كان أشبه بـ «موضة» اقتصادية غير مسبوقة، ورغم الآثار الايجابية التي أحدثها هذا التدخل، إلا أن التحدي أصبح يتمثل في كيفية إعادة بناء نظم اقتصادية ومالية وظيفية قادرة على العمل في ضوء القرارات الحكومية الاختيارية بالتدخل، بحيث يتم قصر هذا التدخل في المدى البعيد، على الأوقات التي تستدعي الحاجة فيها ضرورة تحقيق الاستقرار وتعزيز نمو الاقتصاد عموما والقطاع المالي وأسواق المال على وجه الخصوص.
قياسا على ذلك، وأخذا بعين الاعتبار الخبرة التاريخية لسوق الكويت للأوراق المالية، فإن التدخل الحكومي في السوق هذه المرة من الواضح أنه يستهدف استئصال «العفن» ومعالجة مواطن الخلل على نحو جذري، وإرساء قواعد جديدة من شأنها أن تحد من فرص وقوع أزمات كارثية بالسوق في المستقبل، وتجعل التدخل الحكومي فيما بعد استثنائيا وقت الضرورة.
لكن هذا السعي الحكومي الإصلاحي يواجه، بحسب مراقبين وخبراء، عددا من المعضلات والتحديات التي تتطلب التعامل معها بقدر عال من التوازن والفعالية والمرونة في الوقت ذاته.
1ـ السيولة وحدها لا تكفي
ويكاد يجمع الخبراء والمحللون على أن مجرد زيادة حجم السيولة وضخ المزيد من رؤوس الأموال في السوق لن يكون قادرا وحده على إنقاذه من الوضع المتردي الراهن، لأنه يسكّن الألم دون أن يوجد العلاج الناجع، إذ لابد أن يتزامن مع ضح السيولة معالجة مشكلة الائتمان التي تعاني منها الكثير من الشركات المدرجة في السوق بما في ذلك بعض الشركات الكبيرة وذات الصيت الكبير.
ومن دون ذلك، فإن استمرار العمل على ضخ السيولة الحكومية عبر المحفظة الاستثمارية الوطنية دون معالجة مسألة الائتمان والقروض سيكون، على حد توصيف أحد الخبراء الاقتصاديين، أشبه «بمن يضع الماء في وعاء مفتوح»، حيث سيتم امتصاص هذه السيولة في وقت وجيز، ومن ثم نكون إزاء مسكنات عاجلة ومعالجات جزئية وليست حلولا جذرية تستهدف الإصلاح الشامل طويل المدى.
2ـ إنقاذ أم إصلاح؟
وتبدو خطورة الحلول الجزئية في أنها تقوم أساسا على التعامل الوقتي مع المشاكل الآنية دون النفاذ إلى جوهر الخلل، الأمر الذي يترتب عليه وجود قابلية ليس فقط لتكرار وقوع الأزمات، بل وأيضا حدوثها على مدى زمني أقل وبشكل أعنف وأقسى.
وخبرة سوق الكويت للأوراق المالية القريبة خير برهان على ذلك، فقد شهد السوق أزمة كبيرة عام 1997، ثم عصفت به أزمة مماثلة في مطلع صيف 2006، ثم كان الوضع الحالي في 2010، نستنتج من ذلك أن المدى الزمني الفاصل بين الأزمات التي شهدتها البورصة الكويتية قد تقلص من 9 سنوات بين أزمتي 1997 و2006 إلى 4 سنوات تقريبا بين أزمتي 2006 و2010، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الكويت كانت، بشهادة المؤسسات الدولية، محدودة التأثر بالأزمة المالية العالمية التي بدأت منذ الربع الأخير من عام 2008.
3ـ إنقاذ المال العام ومساعدة الشركات المتعثرة
ومن التحديات الأخرى التي تجعل الحكومة «بين نارين» عند الشروع للتدخل من اجل إصلاح السوق، أنها من جهة تريد أن تتدخل في السوق من أجل إنقاذ المال العام، حيث ان القطاع الحكومي مستثمر في البورصة ولديه حصص مؤثرة في عدد من القطاعات الاقتصادية والشركات المدرجة بالسوق ومن ثم فإن إنقاذ السوق يعني أيضا إنقاذا للمال العام، وذلك انطلاقا من فكرة أهمية تعظيم المنفعة العامة على عوائد المال العام عند استقرار الوضع مستقبلا، والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة.
وهي من جهة أخرى وفي الوقت ذاته تريد أن تساعد القطاع الخاص على الخروج من أزمته ولكن بشكل مؤقت حتى يستطيع الاعتماد على نفسه في التعامل مع أزمات البورصة وغيرها من الأزمات الاقتصادية.
فالحكومة تريد مساعدة الشركات على التعافي من منظور مصلحة الاقتصاد ككل، فالشركات في مجموعها تشكل القطاع الخاص، وهو من أهم قطاعات الاقتصاد الوطني إذ يساهم بشكل أو بآخر في دفع عملية التنمية في البلاد، حيث ان حل مشاكل هذه الشركات بالطرق المناسبة سيعيد الثقة للسوق ومؤسساته بشكل مرض.
4ـ وقف نزيف خسائر الشركات وحماية حقوق المساهمين
واحدى المعضلات الأخرى التي من المتوقع أن تواجهها الحكومة وهي بصدد إصلاح السوق تتمثل في محاولة وقف نزيف الخسائر التي مني بها عدد ليس بالقليل من الشركات المدرجة، وذلك عبر طرق وآليات مختلفة، بما في ذلك الدمج او الاستحواذ او التصفية وإعلان الإفلاس، وهنا تكمن المعضلة فبالنسبة للشركات الورقية قد يكون الحل الأمثل تصفيتها او لكن هذا «الحل ـ العلاج» ينطوي على آثار جانبية خطيرة تتمثل في ضياع حقوق المساهمين وأموالهم، ومن ثم من الأهمية بمكان البحث عن حل وسط وآلية فعالة تضمن وقف نزيف الخسائر مع الحفاظ على حقوق المساهمين في تلك الشركات.
5ـ الغربلة.. «الملف الصعب»
ويعد تراجع أصول بعض الشركات بمثابة «الملف الصعب» أمام إصلاح البورصة، فقد أدى ترابط الشركات المدرجة بالسوق عبر كتلة واحدة، وفي ظل سيكولوجية السوق السلبية، الى تراجع أصول كثير من الشركات، وبالتالي تراجع قوتها الائتمانية مما جعلها في بداية الأمر بلا سيولة، كما دارت مجموعة من الشركات في فلك عجز كبير في سد أقساط وائتمان قروضها، وان تباينت قوة الشركات المالية إلا أن بعضها تأثر بشكل كبير مما جعل بعضها تتلكأ في إعلان أرباحها لوقف أسهمها عن التداول وبالتالي وقف نزيف أصول بعضها البعض.
وهنا تبدو معضلة زمنية أكثر منها موضوعية، حيث يتعين القيام بعملية فرز وغربلة للشركات الجيدة، ومن ثم النظر في كيفية جدولة قروضها ومديونيتها ووضع استراتيجيات لإعادة هيكلتها وتصحيح أوضاعها، بما تتضمنه هذه العملية من وقت أطول خصوصا في حالة الشركات المتعثرة عبر تقييم جديد لأصولها واستراتيجياتها، حفاظا على أموال المساهمين واستثمارها في شركات بقيمة جيدة واستراتيجيات سليمة.