محمود فاروق
طرحت كثرة الاعتذارات المباشرة وغير المباشرة عن منصب رئيس مفوضي هيئة أسواق المال التي كان آخرها رفض المسؤول رقم «18» رئاسة الهيئة، تساؤلات كثيرة حول السبب الرئيسي للاعتذار عن منصب الرئيس الذي تمثل في تبعية الهيئة لوزير التجارة والصناعة وتمتعه بصلاحيات التدخل في عمل وأداء مجلس مفوضيها وهو ما نص عليه القانون هيئة أسواق المال «إنشاء هيئة عامة مستقلة يشرف عليها وزير التجارة والصناعة..». وهو ما يعني تبعية الهيئة لوزير التجارة وتمتعه بصلاحيات التدخل في عمل وأداء مجلس مفوضيها وربما إملاء بعض القرارات اذا أراد ذلك اي وزير مقبل له مصالح رغم التصريحات الرسمية التي صدرت من الوزير الحالي لطمأنة المخاوف وفض التشابكات الحالية والمطالبات بتبعيتها لرئيس مجلس الوزراء الذي يعتبر دستوريا ويحقق الهدف المنشود، خصوصا ان منصب رئيس مجلس الوزراء منصب ثابت تقريبا، والثبات في المنصب شيء جيد نظرا لأنه واقع يوفر بعض الاستقرار والدعم سواء للمنهج السياسي أو الاقتصادي وعليه سيعيد من قاموا بالاعتذار عن ذلك المنصب توجهم وستزداد المنافسة عليه.
فهناك تجارب واقعية ناجحة ناتجة عن التطبيق العملي لاستقلالية الهيئة وتبعيتها للحكومة أبرزها دول مجلس التعاون وبعض الدول العربية التي أثبتت قدرتها على إثبات ذاتها وتحقيق معايير الشفافية والحوكمة، إلا أن الكويت سيظل بها ذلك التخوف من هذه التبعية وما قد يترتب عليها من كون منصب المفوض شرفيا ليس إلا اذا أرادت وزارة التجارة التدخل والتسيير، يظل مشروعا ويظل الحذر من القبول بهذا المنصب أيضا في محله، خصوصا لأولئك الذين يسعون لفعل شيء من خلال هذا المنصب وليس لأولئك الذين يطمحون إليه، لاسيما ان تجربة لجنة سوق الكويت للأوراق المالية ماثلة، فمنذ تأسيس لجنة السوق ولكل وزير تجارة ترأس اللجنة تدخل بشكل او بآخر في شؤون السوق بدرجات متفاوتة الى الحد الذي دفع احدهم في الماضي للتدخل في التعيينات وتحديد رواتب الموظفين. ان حدود التدخل والاستقلالية ستتوقف على شخص الوزير من جهة وشخص رئيس الهيئة من جهة اخرى، لكن ما الذي يدفع المرشح للمنصب لارتكاب مغامرة الرهان على المستقبل وعلى إمكان وجود وزير لا يتدخل كما يعمل الوزير الحالي؟
مهمة ثقيلة
إن المهمة الملقاة على عاتق أول رئيس لهيئة أسواق المال ثقيلة بما تعني الكلمة فهو الذي سيتحمل النصيب الوافر من تفعيل دور الهيئة وتحويلها الى كيان واقعي وحقيقي، وهو الذي ستقع عليه مسؤولية فرض هيبة الهيئة وإكسابها الاحترام منذ البداية بدءا بإعداد لائحة تنفيذية تضمن حسن تنفيذ القانون وتتجنب العوائق، لاسيما في ظل قانون تبدو فيه بعض الثقوب وجوانب مهمة كان يجب إيضاحها وهي ليست في صياغته، مرورا بضمان التطبيق بعدالة وشفافية على الجميع، ثم على هذا المجلس مواجهة إرث ثقيل من التشابك في الصلاحيات الرقابية بين جهات عتيقة وعتيدة، عليه ان يكافح لفضها وإلا سيظل الوضع كما هو عليه لا بل سيزداد الطين بلة بالتشابك بين الهيئة والتجارة والبورصة والمركزي. ويزيد من هذه المهمة صعوبة فوق صعوبتها ان اللاعبين الجدد يدخلون ارض الملعب بلا خطة مسبقة وعليهم ان يرتجلوا خطتهم فينسب لهم الفضل فيما بعد ان نجحوا او يلاحقهم الذم ان لم يوفقوا، ولا شك في انهم قلة قليلة الذين هم على استعداد للتخلي عن أعمالهم وراحتهم وتحمل هذه التبعات.