أدى تزايد المخاطرة ونقص الشفافية كأحد أهم مظاهر الأزمة العالمية التي برزت في الربع الأخير من 2008 إلى إحجام المؤسسات المالية في مختلف بلدان العالم عن التمويل والإقراض، بسبب التخوف من عدم قدرة الشركات المقترضة على السداد، مما ساهم في شح السيولة، حيث قدر صندوق النقد الدولي في تقريره عن الاستقرار المالي العالمي الصادر في أكتوبر 2009، حجم الأموال التي أحجم القطاع المالي الأميركي وحده عن ضخها بالأسواق خلال 2008 و2009 بنحو 1.3 تريليون دولار. وفي الوقت الذي انهمكت الحكومات في دفع القطاع المالي والجهاز المصرفي بعيدا عن الوقوع في براثن الانهيار، كان الضرر قد لحق بأحد أهم جوانب هذا القطاع من جهة علاقته بالاقتصاد الوطني، وهو الضرر الذي عبر عن نفسه في صورة «جمود ائتماني» إن جاز التعبير، مما هدد بحدوث حالات من الانكماش بمرور الوقت يطول مختلف قطاعات الاقتصاد الكلي بما في ذلك الاستثمار والعقار والخدمات. وعلى الرغم من أن الحد من منح التسهيلات الائتمانية كان أحد آليات التصدي للتداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية، فإن الاقتصاديات الرأسمالية الكبرى في الولايات المتحدة واليابان ومنطقة اليورو سارعت إلى إيجاد حلول جذرية لمشكلة ضعف الائتمان، وذلك لاعتبارات عدة أهمها الحفاظ على دور البنوك في مجال منح القروض والتسهيلات الائتمانية وتدارك خطورة استبدال الدور الائتماني للبنوك بمصادر أخرى، بما قد يعنيه ذلك من تداعيات اقتصادية ومالية غير معروفة على وجه اليقين في المديين المتوسط والطويل. وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للاقتصاديات المتقدمة، فإنه أصبح أكثر خطورة، في دلالاته المالية والاقتصادية، بالنسبة للاقتصاديات الناشئة والآخذة في النمو، وذلك بالنظر إلى الدور المحوري الذي تؤديه عمليات منح القروض والتسهيلات الائتمانية بالنسبة للاستثمار وحركة رؤوس الأموال في مختلف جوانب الاقتصاد الوطني، وما يعنيه استمرار التحفظ الائتماني بها من تأثيرات بالغة الخطورة. لذلك أصبح من الأهمية بمكان الاستفادة من خبرة الدول المتقدمة في تنشيط دورة الائتمان لديها، حيث قد تنوعت الآليات التي ابتكرتها الاقتصاديات المتقدمة في تجاوز معضلة «التحفظ الائتماني» في مرحلة ما بعد الأزمة المالية. واستنادا الى هذه الخبرة، يمكننا رصد 7 آليات قد تشكل مرتكزات كسر التحفظ والجمود الائتماني وإيجاد منافذ جديدة للاستثمار في المستقبل المنظور، وهي:
1- تغيير سعر الفائدة القائم وتقليصه الى أدنى حد ممكن بما يقترب من 0%.
2- منح قروض بضمان أصول الشركات، مع وضع معايير معينة لتصنيف الشركات طالبة الاقتراض، ومن ثم تحديد أولويات ضمان أصول تلك المؤهلة للحصول على التسهيلات الائتمانية بضمان أصولها بما يضمن الحفاظ على حقوق المساهمين بمختلف شرائحهم.
3- تعزيز دور مكاتب التدقيق المالي الخارجي، بما يضمن تشديد الرقابة الخارجية على الشركات من جهة، ويعزز كفاءة الوضع الائتماني والمالي لها من جهة أخرى.
4- إعادة هيكلة الشركات على النحو الذي يوازن بين التسهيلات الائتمانية الممنوحة والملاءة المالية للشركة المقترضة.
5- تعزيز اصول الشركات.
6- دعم وضمان السيولة البنكية من قبل الجهات الحكومية المعنية.
7- إعادة النظر في الشروط الائتمانية المقيدة الى حد بعيد لمنح التسهيلات الائتمانية، بما يمنح المرونة الكافية للقطاع المصرفي من جهة ويحافظ على متانته وملاءته التمويلية من جهة أخرى، ويساهم في تحريك دورة رؤوس الأموال ومن ثم دعم النشاط الاقتصادي والاستثماري المحلي من جهة ثالثة.