- الأزمة المالية العالمية ألغت قاعدة «الاتجاه المعاكس» بينهما
- البورصة والعقار لا يرتفعان معاً لكن قد ينخفضان
- عوامل هبوط أو ارتفاع سوق الكويت للأوراق المالية لا ترتبط مباشرة بسوق العقار
محمد البدري
كشفت الأزمة المالية العالمية عن مظاهر جديدة للعديد من العلاقات وطبيعة التفاعلات المتبادلة والقائمة بين القطاعات الاقتصادية والمالية المختلفة في الاقتصاد الكويتي، حيث أظهرت الأزمة وتداعياتها المختلفة أن بعض الأمور التي كانت تعد من قبل من البديهيات الاقتصادية المستقرة قد تبدلت او على أقل تقدير أصبح لها احتمالات اخرى لم تكن ملاحظة في الظروف الاقتصادية والمالية الاعتيادية، ويأتي في مقدمة ذلك القناعة التقليدية التي سادت بشأن العلاقة التأثيرية التبادلية الخاصة، سلبا وإيجابا، بين سوق الكويت للأوراق المالية من جهة وسوق العقار المحلي من جهة أخرى، باعتبارهما القطاعين التقليديين للاستثمار في الكويت.
الغريمان
ومن هذه الأمور ان غالبية الخبراء والمستثمرين كانوا يعتقدون أن سوق الكويت للأوراق المالية وسوق العقار يسيران، في أغلب الأحيان، في «الاتجاه المعاكس» إن جاز التعبير، بحيث إذا أصاب أحدهما هبوط أو تراجع نوعي أو انكماش موسمي أو عرضي، فإنه يتوقع تلقائيا أن يشهد القطاع الآخر انتعاشا قويا.
ويرجع الأساس في هذه البديهية الاستثمارية والاقتصادية العرفية إلى أن العقار والبورصة يمثلان أهم وأبرز مجالات الاستثمار في الكويت، ما يعني، حسب هذه القناعة، أن التحول في الجانب الأعظم من حركة رأس المال المستثمر تكون في الأغلب الأعم بين هذين «الغريمين» التقليديين.
ولقد ترسخت هذه القناعة من خلال الخبرة العملية التي أكدت أن جزءا هاما من رؤوس الأموال الخارجة من أحد القطاعين يتجه مباشرة إلى القطاع الآخر، ذلك أنه في حال منيت البورصة بهبوط حاد فإن المستثمر ـ غير المضارب ـ يهجرها إلى الاستثمار العقاري حيث الأرباح الأقل نسبيا لكنها الأكثر توازنا وأمانا من سوق الأسهم.
وفى المقابل، فإنه في حال أصاب القطاع العقاري بروافده المختلفة ركود طويل المدى نسبيا، فغالبا ما يتجه المستثمر ـ الباحث عن الربح السريع ـ إلى البورصة طلبا لمضاربات يجني منها بعض الأرباح ريثما يعاود العقار انتعاشه من جديد، وهكذا دواليك، ما جعل الاعتقاد الشائع بأن العقار وسوق المال لا يلتقيان أبدا في ارتفاع وأنهما لا يمكن أن ينخفضا معا.
غير أن إمعان النظر في التطورات التي شهدها سوقا العقار والأسهم في البلاد منذ منتصف العام 2005 عموما، خصوصا منذ بداية الأزمة المالية العالمية عام 2008، يشير إلى حدوث تحول في هذه القناعة السابقة أو على أقل تقدير بروز مظاهر واحتمالات جديدة بشأن طبيعة العلاقة التفاعلية بين العقار والبورصة.
إذ تشير المؤشرات العامة لكل من هذين القطاعين الاستثماريين الحيويين الى انهما، في الأغلب الأعم، قد لا يحققان ارتفاعا وانتعاشا معا بنفس الكيفية والنسبة، بل يمكن أن يشهدا معا رواجا نسبيا يجعل أحدهما يرجح على الآخر، وذلك على نحو ما حدث خلال الربعين الثاني والثالث من العام 2005.
فمنذ مايو 2005، على سبيل المثال، بدأ سوق العقار المحلي بروافده المتعددة ـ السكني والاستثماري والتجاري ـ دورة رواج وانتعاش غير مسبوقة في تاريخ العقار الكويتي، والذي استمر على مدار حوالي ستة أشهر، وبالتوازي مع ذلك كان سوق الكويت للأوراق المالية قد بدأ حركة صعودية جديدة اعتبارا من يوليو 2005، تواصلت في أغسطس، لتبلغ ذروتها في منتصف سبتمبر من العام نفسه وبالتحديد في الثالث عشر منه حين كسر السوق حاجز الـ 10 آلاف نقطة مستبقا توقعات الخبراء والمحللين بنحو 3 أسابيع، وخلال هذه الفترة تبادل العقار والبورصة الارتفاع النسبي من وقت لآخر.
عوامل موضوعية
كما تشير الخبرة العملية للعام 2005 أيضا إلى أن قاعدة «الاتجاه المعاكس» غير منطبقة في حالات الانخفاض، إذ يمكن أن يحدث هبوط أو ركود في كل من سوق العقار والبورصة في الوقت ذاته، ولكن مع بعض الفوارق النسبية.
فخلال الربع الرابع من 2005، واصل السوق العقاري المحلي فترة الركود التي دخل فيها منذ أكتوبر من العام ذاته، حتى ان الكثيرين تحدثوا عن المخاوف من وقوع انتكاسة عقارية مع مطلع عام 2006، غير أن هذا الركود العقاري لم يتخذ ذات المنحى «الكارثي» نظرا لأن المستثمرين العقاريين يتسمون برباطة الجأش مقارنة بنظرائهم المتداولين في سوق الأسهم، بالنظر إلى إمكانية معاودة العقار للارتفاع وتعويض الخسائر انطلاقا من قاعدة أن «العقار يمرض ولا يموت»، وإدراك أن العقار استثمار طويل الأجل وليس استثمارا سريعا كما هو الحال في البورصة، في تلك الأثناء بدأ سوق الأسهم في ديسمبر 2005 يشهد بدايات تراجع تصحيحي منذ أواخر يناير 2006 وتواصل حتى مطلع الربع الثاني من العام نفسه.
وإعمالا لقناعة «الاتجاه المعاكس» التقليدية كان من المفترض أن يستقطب القطاع العقاري جزءا كبيرا من الأموال التي ستترك البورصة بفعل الحالة النفسية السيئة التي تملكت المستثمرين ـ لاسيما الصغار منهم ـ وزعزعت ثقتهم بأداء البورصة بعد التراجعات الكبيرة، لكن ما حدث ان العقار دخل في بداية مرحلة ركود بالتزامن مع البورصة.
ومع حدوث الأزمة المالية العالمية وتداعياتها السلبية، استمرت حالة الركود التي يعانيها القطاع العقاري، وتحقيق البورصة تراجعات وانخفاضات كبيرة ونوعية، لم نشهد انتعاشا نسبيا نتيجة لذلك في العقار.
وفي واقع الحال، فإن الأزمة المالية العالمية كشفت عن مظاهر جديدة للعلاقة التبادلية بين العقار والبورصة، وهي المظاهر التي كانت برزت بوادرها خلال الفترة (2005 ـ 2007)، وهي المظاهر التي تقول ان هناك من المعطيات والعوامل الاقتصادية والمالية الهامة المحلية والخارجية التي تؤثر أكثر من غيرها في نوعية الانتعاش او الركود سواء في البورصة أو العقار، وهذه العوامل هي الوسيط في العلاقة التبادلية بين هذين القطاعين، وهي بطبيعتها تختلف من فترة زمنية لأخرى ومن ثم تتباين تأثيراتها على هذين القطاعين، سلبا وإيجابا، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من خلال علاقة كل قطاع وتأثيراته في القطاع الآخر، الأمر الذي يفسر جزئيا أن العقار والبورصة قد يشهدان رواجا أو انخفاضا معا، وأن ركود احدهما لن يترتب عليه بالضرورة انتعاش تلقائي في القطاع الآخر.
وأن التغير في حالة الرواج أو الركود في اي من العقار او البورصة انما هو نتاج لتفاعل عوامل موضوعية ذات صلة مباشرة بالمحددات الذاتية للبورصة أو العقار وآليات عمله وتطوره من جهة، وبمعطيات الواقع الاستثماري والمالي والاقتصادي العام في البلاد من جهة اخرى، وهى المعطيات التي تؤثر في جميع القطاعات الفرعية في الاقتصاد الكويتي بما في ذلك البورصة والعقار.
انتعاش جزئي
في ضوء ذلك، يتوقع أن تشهد المرحلة القادمة انتعاشا جزئيا لكل من البورصة والعقار، وذلك بالنظر الى عدة معطيات اقتصادية عامة ايجابية لعل أهمها إطلاق المشاريع التنموية في إطار خطة التنمية التي تعكف الحكومة على تنفيذها والتأكيد أنها ماضية في تنفيذها «على أكمل وجه» بحسب ما ورد مؤخرا في تصريحات نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير الدولة لشؤون التنمية ووزير الدولة لشؤون الإسكان الشيخ احمد الفهد.
واستنادا لهذه القراءة للعلاقة بين العقار والبورصة، يمكن أن نخلص الى الاستنتاجات التالية:
1 ـ البورصة والعقار غالبا ما يسيران في اتجاهين مختلفين من حيث الصعود والهبوط، لكنهما قد يرتفعان معا، وقد ينخفضان معا كذلك.
2 ـ المحدد الأصيل في الارتفاع أو الانخفاض معا سواء في البورصة او العقار، هو الحالة العامة للاقتصاد الكويتي ومؤشراته الاقتصادية والمالية الأساسية: (مثل معدل النمو السنوي، ومعدل التضخم، ونسبة البطالة، وحالة ميزان المدفوعات، وفائض أو عجز الميزانية، حجم السيولة المتوافرة.. إلخ).
3 ـ حالة الصعود والانخفاض العكسي بين البورصة والعقار مرجعها ما يمكن تسميته بـ «الأموال الساخنة» التي تركض خلف الربح الآني والمضمون والسريع، فتجول تحولا ما بين البورصة والعقار حسب حالة كل قطاع صعودا أو هبوطا.
4 ـ يظل حجم رأس المال وتوجهات الاستثمار هما المحددان الرئيسيان في تحديد نوعية المستثمر «الأصيل» أو «شبه الدائم» سواء في البورصة أو سوق العقار، فالمستثمر الصغير ذو الإمكانات المالية المحدودة يفضل جني بعض الأرباح السريعة من البورصة على أمل تكوين ثروة ثم التحول لمجال استثماري آمن مثل العقار، في حين يبقى المستثمر ذو رأس المال الكبير والساعي إلى الاستثمار طويل الأجل هو الأقرب إلى الاستثمار في السوق العقاري.