- ينبغي التخلص من البنوك صاحبة الإنجازات الضعيفة وذلك عن طريق الاندماج أو التصفية
إعداد: محمد البدري
نصح كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي جاستين لين الدول النامية باعتماد نظامها المالي على بنوك محلية صغيرة، مؤكدا سهولة اصلاح النظم المالية في حالة وجود رؤية واضحة عن اهدافها الاساسية، لافتا الى اهمية انشاء قطاع مالي يستطيع توفير خدماته للقطاعات المختلفة في الاقتصاد، معتبرا ان ذلك يعني للدول الفقيرة والنامية التركيز على تمويل المزارعين والشركات والمشروعات الصغيرة.
وأضاف الاقتصادي الدولي المرموق، في دراسة تحليلية له نشرتها مؤخرا مجلة «الايكونومست» البريطانية، أن نموذج الحجم الكبير والاكثر تقدما للبنوك وللمؤسسات المالية في العالم المتقدم لا يناسب الاسواق الفقيرة، وان البنوك الصغيرة المحلية هي النموذج الامثل لتقديم الخدمات البنكية للشركات والافراد في هذه الاسواق، ضاربا المثل بتجارب دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والصين التي قال إنها تؤكد ذلك، حيث نجحت هذه الدول في تجنب ازمات مالية لفترات طويلة من مشوارها التنموي للتحول من دول ذات دخل منخفض الى دول ذات دخل متوسط الى مرتفع، مبينا أن الامر المثير هو ان ما ساعد هذه الدول كثيرا على ذلك وجود نظم مصرفية بسيطة «خالية من التعقيدات وعدم الإسراع نحو تطوير أسواقها المالية الدولية او تحرير حساباتها الرأسمالية إلا بعدما أصبحت أكثر نضجا».
البنوك الإقليمية
وهكذا فإنه لا توجد اهمية ـ وفقا لجاستين لين ـ لتوسع البنوك المحلية او تضخم الاسواق المالية الا عندما تصبح الدولة اكثر تقدما وتنتشر فيها الشركات الكبيرة والعملاقة، ويضرب مثالا لذلك ببورصة نيويورك وقال انها لم تلمع في الساحة العالمية الا بنهاية القرن الـ 19 بعد ظهور العديد من الشركات الصناعية الكبيرة في أميركا، كما نصح الحكومات والمؤسسات المالية الدولية التي تساعد الدول الفقيرة بعدم السعي لتحديث الاسواق المالية في مراحل التنمية الاولى لأي دولة.
وذهب لين للقول ان جهود انشاء اسواق مالية افريقية مثلا لم تؤت ثمارها بعد، واضاف ان هناك عددا قليلا نسبيا من الشركات المسجلة في بورصات افريقيا جنوب الصحراء، وباستثناء جنوب افريقيا فان نسبة القيمة السنوية للاسهم المتداولة الى اجمالي الناتج المحلي في افريقيا اقل من 5% وكذلك في أميركا اللاتينية والكاريبي اقل من 10%، في حين انها في دول الكتلة الشيوعية سابقا في اوروبا ووسط آسيا اقل من 15% مقارنة بـ 79% في الدنمارك و207% في اسبانيا و378% في بريطانيا وذلك خلال عام2007.
المستقبل القريب
واستبعد خبير البنك الدولي ان تصبح اسواق المال قطاعا رئيسيا في الاقتصادات الفقيرة في المستقبل القريب، لكنه قال ان شركات التمويل المتناهي الصغر والمؤسسات المالية غير البنكية سيكون لها دور بارز في تمويل العائلات الفقيرة ومساعدتها لبدء مشروعات صغيرة وان اسواق المال ليست أفضل وسيط لتوفير التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر احد ابرز ملامح المراحل الاولى للتنمية الاقتصادية، في حين تتزايد اهمية البنوك عندما يتعلق الامر بتمويل الشركات الكبيرة والبنوك الكبيرة لا وجود لها على خارطة طريق التنمية. وقال إن البنوك الاجنبية الكبيرة لا تخدم سوى العملاء الاثرياء وهو ما تكشف عنه تجربة هذه البنوك في افريقيا ودول اخرى في العالم النامي، في حين ان البنوك المحلية الصغيرة تقدم خدمات التمويل للمشروعات الصغيرة التي تشكل اقتصاد الدول النامية سواء بالنسبة للزراعة او الصناعة او الخدمات، وهناك ما يشير الى تسارع وتيرة النمو في الدول النامية حيث للبنوك الصغيرة حصة اكبر من السوق.
وشدد جاستن لين على أن البنوك الكبيرة يمكنها الاستفادة من توسع حجم اعمالها وتنوعها، وبالتالي تعزز الاستقرار ولكن البنوك المحلية تحقق هذا الاستقرار وان كان بطريقة مختلفة، وفي أميركا على سبيل المثال كان تأثر البنوك المحلية والمقدر عددها بنحو7630 بنكا محدودا جدا بالأزمة المالية، اذ واصلت تعاملاتها مع عملائها من الشركات الصغيرة، لذلك دعا لين الحكومات لإدراك الأهمية الاستراتيجية للبنوك المحلية الصغيرة في الدول ذات الدخل المنخفض.
الخدمات البنكية
وبالنسبة لجانب الطلب على الخدمات البنكية، قال الاقتصادي الدولي أنه يتعين على الشركات في الاقتصادات النامية اثبات قدرتها على سداد القروض، اما فيما يتعلق بجانب العرض فينبغي مواصلة تحسين اجراءات الاقتراض بحيث يتم تسجيل وحصر كل المقترضين والضمانات التي تم تقديمها وتفعيل اجراءات التقاضي في حالة التعثر بكل شفافية، والمهم ايضا التخلص من البنوك صاحبة الانجازات الضعيفة سواء كانت بنوكا كبيرة او صغيرة. عالمية او محلية، وذلك عن طريق الاندماج او التصفية حتى ان وجدت السلطات الرقابية في الدول النامية صعوبة في التدخل والتصرف في اصول البنوك المتعثرة لكنها يجب ان تقوم بذلك وعلى وجه السرعة.
رقابة الدول
وقد يواجه مسؤولو الرقابة في بعض الدول تحديات قانونية من اصحاب هذه البنوك مما يعوق دخول بنوك او خروجها من السوق بشكل فعال لكن ينبغي ان يتم الاستحواذ على البنوك المحلية المتعثرة بواسطة البنوك الكبيرة او تتم تصفية هذه البنوك المتعثرة اذا لم يتم العثور على اي مشتر من هذا القبيل، وبعد التصفية ينبغي ان يتم السماح بدخول بنوك جديدة ذات رؤوس اموال كبيرة الى هذا القطاع، علاوة على تيسير انشاء بنوك محلية جديدة وتحسين اساليب التدخل للتعامل مع البنوك المتعثرة وهذا سيشجع المنافسة ويوفر حوافز افضل للبنوك العاملة مما يعزز في النهاية القطاع الخاص الذي تحتاجه عملية التنمية اللازمة.
واختتم جاستين لين دراسته بالقول انه اذا كانت لدى الاسواق المتقدمة مهمة اصلاح انظمتها المالية المتطورة فإن الدول النامية تحتاج الى مؤسسات مالية صغيرة وبسيطة لانتشالها من الفقر.