محمود فاروق
أكدت شركة «ماكنزي» العالمية أن البنوك الإسلامية المحلية تتجه نحو تحقيق نمو قوي وربحية عالية بداية من العام الحالي، مستندة إلى أداء البنوك الإسلامية الذي فاق أداء البنوك التقليدية خلال فترة الأزمة وما بعدها.
وذكر تقرير شركة ماكنزي الذي حصلت «الأنباء» على نسخة منه والذي ناقش التنافسية في قطاع الصيرفة الإسلامية ومدى حاجة البنوك التي تعمل وفق الشريعة الإسلامية إلى تطبيق معايير بازل 3 بالكويت، أن تأثر البنوك الإسلامية بالأزمة المالية العالمية كان محدودا بسبب انخفاض نسبة المخاطر المتأصلة في قطاع المالية الإسلامية، مثل ارتفاع نسبة عدم تواؤم الاستحقاق في البنوك الإسلامية عنها في البنوك التقليدية، وكذلك تعامل العديد من المؤسسات المالية الإسلامية الرئيسية مع قطاع العقارات. إلا أن تأثير الأزمة المالية العالمية كان أقل على المصارف الإسلامية مقارنة بالمصارف التقليدية، فالبنوك الإسلامية أقل اعتمادا في سيولتها على الديون وأكثر اعتمادا على إيداعات العملاء، مما حد من تعاملها مع أسواق الديون.
كما أشار التقرير إلى أن الصيرفة الإسلامية رغم أنها تمثل جزءا من الحل للأزمة المالية العالمية الراهنة وليس الحل بأكمله، إلا أنها لاتزال تمثل نسبة ضئيلة لا تتجاوز 3% من إجمالي الصيرفة المالية العالمية، وهي الأقل تأثرا بالأزمة المالية مقارنة بالمصارف التقليدية، وستكون موضع ترحيب أكبر في الغرب حاليا بفعل الأزمة المالية العالمية الراهنة.
ولعل من بين أهم آثار الأزمة المالية العالمية أيضا، الإيمان بضرورة مراجعة معايير العمل والإدارة في البنوك والمؤسسات المالية لكونها المتضرر الأكبر من تلك الأزمة، بما فيها القواعد الاحترازية أو معايير الحذر prudential standards، فكان الإسراع إلى إصدار معايير بازل 3.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، ماذا يمكن أن تستفيد البنوك الإسلامية من هذه المعايير الجديدة؟، وهل هي في حاجة إلى هذه المعايير أصلا؟ ويفترض أن تتجه اتفاقية بازل 3 إلى إيلاء اهتمام أكبر لأدوات إدارة السيولة لدى البنوك، وذلك استكمالا لما أصدرته لجنة بازل من مبادئ إرشادية لإدارة مخاطر السيولة تضمنت بالخصوص استخدام أدوات لإدارة تلك المخاطر مثل نماذج التنبؤ بالتدفقات النقدية، وكذا الاحتفاظ بنسبة من الأصول السائلة عالية الجودة لمقابلة الاستحقاقات الطارئة.
وتعاني البنوك الإسلامية من مشكلة في إدارة السيولة، والمعاناة تكون في أحيان كثيرة بالفائض لا بالعجز، لكن مع ذلك يجب الانتباه للحالتين. والأصول السائلة عالية الجودة التي توصي بها لجنة بازل يمكن أن تغطيها البنوك الإسلامية بالصكوك والأدوات المالية الإسلامية، وذلك بإصدار المزيد منها، وكذا التنويع فيها خاصة من حيث الأجل، لاسيما أن صيغ التمويل الإسلامي التي تجسدها تلك الصكوك يمكن أن تستجيب للتعامل بها لمختلف الآجال.
إلا أن العائق الأكبر حاليا أمام إصدار وتداول الصكوك الإسلامية هو عدم تقيد الكثير منها بالضوابط الشرعية، خاصة بعد أن دقت أجراس الإنذار أكثر من مرة بشأن هذا الموضوع، وأثيرت العديد من الشبهات حول التعامل بهذه الصكوك. هذا إلى جانب ضرورة توفير سوق مالية إسلامية بالمفهوم المكاني وعلى نطاق محلي وإقليمي واسع، إذ لا يمكن إصلاح الأدوات دون إصلاح المكان.
كما يفترض أيضا أن تتجه بازل 3 إلى فرض المزيد من القيود على البنوك بغرض الحد من قدرتها على المضاربات في الأسواق المالية، وهو الشيء الذي أثبتت الأزمة الأخيرة أن البنوك الإسلامية بمنأى عنه أيضا، وبالتالي فهي ليست بحاجة إلى مثل هذا الإجراء ما لم تتحول أسواق الصكوك أيضا إلى أسواق للمضاربات.
ومع ذلك يبقى التحدي الأكبر أمام البنوك الإسلامية هو تطويع اتفاقيات بازل في كل مرة بما يتلاءم مع طبيعة عملها، وهو ما تحرص عليه تلك البنوك والهيئات الداعمة لها بغرض اكتساب مصداقية أكبر على المستوى الدولي، وهو ما تنجح فيه أيضا كل مرة بفضل الجهود التي يتبناها مجلس الخدمات المالية الإسلامية ifsb بماليزيا، لكن كسب ذلك التحدي يبقى غير ذي قيمة في ظل عدم إلزامية تلك المعايير للتطبيق، وذلك بسبب عدم تبنيها من طرف العديد من البنوك المركزية المشرفة على البنوك الإسلامية وفي العديد من البلدان التي تعمل فيها هذه البنوك بما فيها تلك الأعضاء بالمجلس، على غرار المعايير التي تصدرها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبحرين.
كما ان عدم تقيد البنوك الإسلامية بمعايير تلك الهيئات وخاصة معايير المجلس، يعني باختصار إهدارا للجهد والوقت والمال، بعد أن تم وضعها من طرف الخبراء والمختصين، وبتمويل من البنوك الإسلامية نفسها، وتمت إجازتها من الهيئات الشرعية لتلك البنوك، ثم لقيت اعترافا من المؤسسات النقدية والمالية الدولية بما فيها بنك التسويات الدولية صاحب فكرة هذه المعايير، وهذا كفران من البنوك الإسلامية لنعمة توافر معايير تجمع بين الحسنيين، القالب الإسلامي أو الشرعي لها، والاعتراف الدولي بها من طرف الهيئات المعنية.