قالت «بوز آند كومباني» في تقرير حديث لها انه في الأسواق الناشئة، حيث يوجد عدد ضئيل من الشركاء من القطاع الخاص لتولي مشاريع تقدم خدمات عامة، يمكن أن تكون الملكية المشتركة حلا عمليا ومنطقيا جدا على المدى القصير.
واوضح معدا التقرير جورج عطا الله وريتشارد شدياق الشريكان في «بوز آند كومباني» ان الشراكات بين القطاعين العام والخاص أتاحت للعديد من الدول الناشئة تحديث شبكات طرقها السريعة وشبكات اتصالاتها الهاتفية وبناء محطات جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية، غير أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص التي أثبتت فاعليتها في إنشاء البنى التحتية لم تشمل كما يجب مشاريع تقديم الخدمات العامة، ذلك أن غالبية بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لاتزال تفتقد القدرات المؤسسية اللازمة للاستعانة بالقطاع الخاص في تقديم الخدمات العامة، ويبرز حاليا شكل جديد للشراكة قد يغير تركيبة مشاريع الخدمات العامة، وفي هذا السايق، قال جورج عطاالله: «تخلق اتفاقات الملكية المشتركة الجديدة شركات جديدة وتقدم خدمات جديدة تماما تريد الحكومات أن تقدمها بالشراكة مع القطاع الخاص، وتعمل الحكومة في هذه الحالة مع شركائها من القطاع الخاص على بناء الخدمة المعنية من الألف الى الياء، مع تقاسم المكاسب والمخاطر بطرق تناسب الطرفين».
كيف تعمل الملكية المشتركة؟
وبحسب التقرير فإنه عندما تقام ملكية مشتركة، يأخذ كل من الحكومة والقطاع الخاص حصة في الشركة المنشأة حديثا. على الجانب العام، يشمل المالكون عادة الكيانات الحكومية التي سوف تستهلك الخدمة او التي سيوكل اليها تقديم الخدمة للجمهور. وعلى الجانب الخاص، يشمل المالكون عادة الشركة أو الشركات المسؤولة عن تطوير الخدمة وتوفير رأس مال الانطلاق. ويمكن أن تكون الخدمات المعنية متنوعة جدا وتشمل تكنولوجيات المعلومات، معالجة النفايات الصلبة، معالجة عمليات الدفع الكترونيا، وخدمات عامة أخرى يملك فيها القطاع الخاص قدرات فريدة.
ولكل طرف مساهمة فريدة يقدمها، فالقطاع العام يقدم حقوق الامتياز، أي انه يمنح الشركة موضوع الملكية المشتركة عقدا يخولها أن تملك الحق في أن تكون المزود الوحيد للخدمة المعنية، كما أن القطاع العام يساهم في الجهد التنظيمي بما يعبد الطريق لعمل الشركة من دون تدخلات تعرقله.
وفي هذا الخصوص، علق ريتشارد شدياق بالقول: «يساهم القطاع الخاص، من جهته، في تقديم معرفته التقنية والادارية المطلوبة لإطلاق خدمة عالية المستوى، بالإضافة الى جزء من تمويل المشروع. وتتطلب الشراكات المملوكة من القطاعين العام والخاص إدارة محكمة من خلال مجلس إدارة ولجان دائمة».
منافع الملكية المشتركة
واشار التقرير الى أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص تقدم ثلاث منافع أساسية: أولاها القدرة على الحصول على أصول وموارد لا يملكها أي من الطرفين وحده، بغية التمكن من تقديم خدمة عالية المستوى، أما المنفعة الثانية لهذه الشراكات فتتعلق بتقاسم المخاطر، ففي شركة تتمتع بملكية عامة وخاصة في الوقت نفسه، يجري تقاسم المخاطر على نحو يزيد احتمالات نجاح المبادرة، وذلك عبر تقاسم المخاطر التي لا يستطيع أي من الطرفين السيطرة عليها مباشرة.
وتتمثل المنفعة الثالثة في أن الشركات الجديدة التي تملكها الحكومة والقطاع الخاص تقدم استراتيجيات مباشرة للتخارج لا تتوافر في معظم الأنواع الأخرى من الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وإذا ازدهرت الشركة، يستطيع الشريك الحكومي طرح اكتتاب عام يتيح له وسيلة للحصول على المال، كما ان القطاع العام يستطيع، في هذه الحالة، أن يبيع حصته كليا أو جزئيا إلى مستثمر استراتيجي. وهنا يلاحظ عطاالله أن «هذه السيولة مفيدة لأن معظم الحكومات لا ترغب على المدى الطويل في امتلاك حصص في مشاريع هدفها الربح».
مخاطر الملكية المشتركة
إن التركيبة نفسها التي تعطي فوائد تسبب أيضا بعض المخاطر. والخطر الأول هو الاحتكار، فإذا أعطت الحكومة حق الامتياز فقد تكون الشركة الجديدة اللاعب الوحيد في السوق. وعندها قد لا تشعر الشركة الاحتكارية بأي حاجة ملحة إلى تحسين نوعية خدماتها، كما قد تعمد إلى فرض أسعار احتكارية ولمعالجة هاتين المسألتين يجب وضع اتفاقات تتعلق بمستوى الخدمات لتحديد ماهية الخدمات التي يجب تقديمها ومستويات الأداء التي ينبغي بلوغها، بالإضافة الى ضرورة توقيع اتفاق تعاقدي يرسم الخطوط العريضة للأسعار المعقولة التي يجب أن يدفعها المستهلكون والعائدات التي تحصلها الشركة.
أما الخطر الثاني فيكمن في أن نموذج الملكية المشتركة يؤدي إلى تضارب مصالح للشريك الحكومي. فالحكومة، كمرفق عام، تعمل عادة على إبقاء أسعار خدماتها منخفضة، ولكن كشريك في الشركة الجديدة عليها أن ترفع أرباحها الى الحد الاقصى. وكذلك قد لا تكون الحكومة متشددة كفاية في تنظيم عمل الشركة وهي تقوم في وقت واحد بدور المشغل والمنظم للخدمات التي تقدمها هذه الشركة.
ويمكن خفض هذا الخطر بإنشاء كيان منفصل ضمن الحكومة لمراقبة أداء الشركة. وكذلك يمكن معالجة تضارب المصالح عبر وضع آلية تعاقدية للتسعير تضبط الأسعار وفق معدلات التضخم وتسعى الى إبقاء عائدات الشركة المالية ضمن نطاق متفق عليه.
أما الخطر الثالث فيتعلق بالطلب والعائدات، حيث يمكن للشريك الحكومي، كمستهلك رئيسي لخدمة ما، أن يرجئ تاريخ رفع الأسعار الضروري لتبقى الشركة مربحة أو أن يرفضه، وذلك خلال أوقات تكون هناك فيها ضغوط تتعلق بالموازنة.، ويمكن تقليل الخطر المتعلق بالطلب والخدمات اذا وافقت الحكومة على حد أدنى ثابت للمدفوعات بصرف النظر عن حجم الأعمال.
الملكية المشتركة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
لفت تقرير «بوز اند كومباني» الى ان دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا استثمرت مبالغ كبيرة في الأعوام الاخيرة في البنى التحتية الخاصة بقطاعات النقل والاتصالات والطاقة وكانت مشاريع البنى التحتية هذه عموما من النوع المألوف والمتعارف عليه بحيث تمكنت حكومات دول المنطقة من اللجوء إلى شركات عالمية من خارج المنطقة لمساعدتها.
إلا أن حكومات المنطقة لم تنجح في استخدام الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ مشاريع الخدمات العامة، يضاف الى ذلك أن شركات القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لا تملك الخبرة اللازمة التي تتيح لها التعامل مع مشاريع تقديم الخدمات العامة، وهناك مشكلات كثيرة على الجانب الحكومي أيضا، فثمة بلدان عدة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا تشهد حالة من اللااستقرار السياسي الذي يعرض أي مشروع عام للخطر، كما أن بعض هذه الدول لا يملك الأطر القضائية أو التشريعية التي تحمي حقوق الشركة الخاصة في حال حصول نزاع بينها وبين الحكومة.
وأخيرا، وظفت قلة من حكومات بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا مديري برامج أو طورت رأس المال البشري الضروري لإدارة برامج إسناد العمل الى جهات خاصة، وهي برامج تعتمد على المهارة في الشراء وإدارة المشاريع.
ووفقا للتقرير فان نموذج الملكية المشتركة يعالج عددا من مواطن الضعف هذه، فهو يجذب جهات خاصة من منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا مستعدة لتوظيف أموالها الى جانب أموال الحكومات، فهنا لا يتعلق الامر بصفقات شراء تقليدية تعقدها الحكومة، بل بكون هذه الاخيرة شريكة للقطاع الخاص في شركة منشأة حديثا.
وفيما يتعلق بالاخطار السياسية والقانونية التي يمكن أن تعرقل أي مشروع جديد، يمكن للشركاء من القطاع الخاص أن يتوقعوا دعما من شريكهم الحكومي، والى جانب ذلك، يدرك القطاع الخاص أنه في ظل مشروع حكومي كبير، سيملك الوقت والفرصة لتطوير مهارات عالمية المستوى في الحقل الذي يتعلق به المشروع، وفي هذا فائدة للقطاع العام أيضا، ذلك أنه فيما يعمل على تلبية احتياجاته فانه يساعد القطاع الخاص في تطوير قدراته.
ضروريات النجاح للملكية المشتركة
هناك ثلاثة عوامل كفيلة بنجاح أي مشروع يملكه شراكة القطاعان العام والخاص، أولا، على الحكومة اختيار الشريك الصحيح، وهذا أمر لا يختلف اطلاقا عن عملية اختيار البائع في أي صفقة كبيرة تعقدها الحكومة، وتبدأ العملية بجس نبض السوق كله وتنتهي بعد أشهر بمنح الحكومة العقد المعني، أما السعر فهو عامل مهم، الا أن على الحكومات أن تبني قرارها على القيمة التي تحصل عليها بدل أن تبنيه على السعر وحده، والعامل الثاني لتحقيق النجاح هو وضع مخطط تنفيذي مدروس جيدا، والواضح أن على المخطط الرئيسي للمشروع الذي يرسم ملامح ارساء الشراكة بين القطاعين العام والخاص، منذ البداية الى اطلاق الخدمة، أن يستوعب قسطا ضخما من التعقيد.
أما العامل الثالث الضروري للنجاح فهو التواصل الفعال مع الشركاء الاساسيين، فالكيان الحكومي يستطيع انشاء وحدة لادارة المشروع لتحمل عبء هذا العامل، ويتوقف نجاح الشراكة أيضا على البيئة التي أنشأها الكيان الحكومي.
حل على المدى القريب
واكد التقرير انه يجب النظر الى هذه الشراكات على أنها التزامات قصيرة المدى، فعلى الحكومات في نهاية المطاف ألا تكون مالكة لشركات، بل ان دورها الاقتصادي يجب أن يكون وضع السياسات وفرض القوانين والانظمة التي تضمن وجود أسواق تنافسية، واذا احتفظت هذه الحكومات بحصص الملكية لمدة طويلة، فانها تزيد بذلك احتمالات حصول تضارب في المصالح، وتلقي ظلال الشك على التزامها بديناميكيات السوق الحرة، وهذا من شأنه تقويض الاهداف الاساسية لهذه الشراكات.
كما يجب تلبية ثلاثة شروط قبل أن يتخلى الشريك الحكومي عن حصته، أولا، على الحكومة أن تتثبت من أن شريكها من القطاع الخاص بات يملك حجم العمل الكافي والقدرات الوافية للتعامل مع المخاطر التي كان يحملها الشريك الحكومي، وثانيا، يجب أن تكون هناك بيئة عمل مستقرة قائمة على قوانين وأنظمة واضحة تمهد الطريق لعمل شريك القطاع الخاص بصورة مستقلة، وثالثا، على شريك القطاع العام أن يتمكن من تحقيق مكسب من استثماره سواء عبر الاكتتاب العام أو بيع حصته من شريك استراتيجي.
وقد خلصت «بوز اند كومباني» في تقريرها الى أنه يجب على الحكومة أن تفكر منذ البداية كيف ستخرج من وضعها كمالك وايداع الشركة في يد القطاع الخاص.
وعلى المدى الطويل، يجب على أي شريك حكومي تحديد الاصلاحات المطلوبة في اطاراتها القانونية والتنظيمية والمؤسسية لكي يتمكن القطاع الخاص من اطلاق مشاريع خدمات عامة من دون مستوى عال من التدخل الحكومي، فمن الادلة الحقيقية على النجاح، عدم شعور الحكومة بالحاجة الى أن تعرض نفسها كمالك لتحفيز مشاركة القطاع الخاص، والى أن يحدث ذلك، ستبقى الملكية المشتركة استراتيجية ممكنة على المدى القصير.