في البداية حصلت البنوك الألمانية على مليارات اليورو كدعم حكومي في مواجهة الأزمة المالية، ثم هاهي البنوك توزع ملايين اليورو مكافآت على موظفيها، وهو ما أثار دهشة الكثيرين في البلاد.
فقد أثار مصرف «هيبو ريال استيت» للاستثمارات العقارية جدلا واسعا مرة أخرى في ألمانيا بسبب ملايين اليورو التي أعلن توزيعها على موظفيه كأرباح رغم أن البنك نال دعما بأموال طائلة من الحكومة لمواجهة الإفلاس في أعقاب الأزمة المالية العالمية.
فهل لابد أن يحصل موظف البنك على مئات الآلاف من اليورو لكي يظل مواليا لمصرفه الذي يعمل لديه، ولكيلا يترك مصرفه ويستجيب للإغراءات المالية التي تعرضها عليه مؤسسات مالية في لندن أو نيويورك؟ هذا ما يشكك فيه سياسيون ونقابيون في ألمانيا.
ويرى بعض الخبراء أن قطاع البنوك الذي دفع النظام المالي العالمي إلى حافة الهاوية بصدد العودة «لسلوكياته النشاز».
وبرر مانفريد فيبر، المدير التنفيذي لاتحاد البنوك الألمانية «بي دي بي» هذه المكافآت الضخمة بقوله: «تحتاج البنوك لكفاءات معينة للقيام بأعمال معينة، كيف يمكن لهذه البنوك أن تحصل على هذه الكفاءات وما شكل الأجور التي تمنحها لهم إذا لم تكن هذه الأجور قائمة على الظروف السائدة في هذا القطاع؟».
يرى توماس ريتر استشاري الموارد البشرية، خاصة العمالة البنكية، أن هذا المبرر «مضحك»، وقال إن عدد الوظائف التي لاتزال تبحث عن موظفين لدى البنوك الأخرى محدودة وأن المصرفيين من ذوي الكفاءة العالية تركوا مصرف «هيبو ريال استيت» بالفعل «فمن يبقى طوعا لدى هذا البنك؟» (في ظل تردي وضعه المالي جراء الأزمة).
أما الآن، فقد أصبح استمرار البنك يعتمد على «وسائل إنعاش صناعية» ليستمر على قيد الحياة واضطر للانتقال إلى مقر بسيط بمنطقة صناعية على أطراف مدينة ميونيخ حيث يعمل عدة مئات من موظفي البنك على إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ويضطر هؤلاء لتنسيق جميع القرارات الهامة مع صندوق «سوفين» المالي التابع للدولة والذي أنقذ البنك بدعمه المالي من الإفلاس جراء الأزمة المالية العالمية.
وسرعان ما غضب مدير البنك أكسل فياندت جراء هذه الإجراءات الروتينية مما دفعه للانسحاب من منصب رئيس البنك في ميونيخ، والعودة إلى فرانكفورت.
كان فياندت ينظر للمكافآت التي ينالها المصرفيون على أنها تعويض لهم جراء ما يلاقونه من استهزاء الناس بهم عندما يعرفون أنهم يعملون في بنك «هيبو ريال استيت» الخاسر وذلك من خلال مظلتهم التي تحمل اسم البنك. أما من بقي من موظفي «هيبو ريال استيت»، فيقوم بعمل مضاعف بسبب تقليص العمالة في البنك بشكل حاد أثار انتقاد النقابيين الذين يرون أن هذه المكافآت عادلة في ظل الجهد المضاعف الذي يقوم به موظفو البنك. وقال أحد هؤلاء النقابيين إنه لا يفهم السبب لحصول المصرفي الذي يعمل في قسم الاستثمارات البنكية على 20 إلى 30 ضعف أجر المصرفي الذي يرأس فرع أحد البنوك. وقد غير الكثير من الشركات وخاصة المدرجة في البورصة، نظام مكافآتها استجابة للضغوط السياسية، وصارت أجور أصحاب المراكز المصرفية البارزة ترتبط أكثر بنجاح البنك على المدى البعيد، وأصبح دفع هذه الأرباح يتم عبر عدة سنوات ويمكن أن يطالب البنك باستردادها في حال تعرضه للخسارة غير أن الكثير من المصرفيين يتمسكون بحقوقهم القديمة، ولا يبالون بسمعة قطاعهم، حيث كان رئيس بنك دريسدنر السابق يحصل على مكافأة وأرباح سنوية قدرها 3 ملايين يورو، رغم أن قطاعه الاستثماري مني بخسارة 5.7 مليارات يورو عام 2008، ثم استطاع انتزاع 1.5 مليون يورو أخرى بحكم المحكمة مكافأة نهاية خدمة نهاية عام 2008 قبل أن يرفض مصرف كومرتس بنك الذي اشترى دريسدنر بنك دفع هذه المكافأة له فيما بعد مبررا ذلك بالخسائر الهائلة للبنك والتي بلغت مليارات.