- رغم الأزمة.. الإدارة التنفيذية اتخذت قراراً فريداً بإنقاذها بنك «بوبيان»
- الربحية والسلامة رافقتا التوسع والنمو السريع رغم الأزمة العالمية الطاحنة
- مخصصات «الوطني» الأقل بين جميع المصارف ما يعكس انخفاض القروض المتعثرة لديه
هشام ابوشادي
على الرغم من السجل الحافل لبنك الكويت الوطني على المستوى الاقتصادي والاجتماعي منذ تأسيسه إلا أن الأزمة المالية العالمية الأخيرة جاءت لتظهر مدى قدرة البنك على إضافة المزيد من الانجازات لهذا السجل المتميز، ولتؤكد مصداقية الوصف الذي اطلقته «الأنباء» على البنك.. «يا جمل ما يهزك ريح ».. والذي عكس قدرة «الوطني» على تجاوز تلك الأزمة التي عصفت بأكبر البنوك العالمية.
فقد نجح بنك الكويت الوطني خلال مرحلة الأزمة المالية العالمية في تحقيق المعادلة الثلاثية الصعبة، والمتمثلة في التالي:
أولا: التحوط في التوجهات العامة والذي ترافق مع سعيه لتحقيق نمو متواصل ومستقر إلى جانب الاستمرار في دراسة الفرص لتعزيز التوسع نحو الأسواق الواعدة، فقد استطاع البنك ان ينأى بنفسه عن بعض النماذج الاستثمارية المتعثرة مستندا في ذلك إلى إستراتيجية محكمة للتحوط وكفاءة عالية من إدارة المخاطر لديه، في وقت كانت فيه معظم المصارف الكويتية والخليجية تجنب نسبا عالية من المخصصات.
ثانيا: حافظ «الوطني» على وتيرة النمو في مختلف بنود ميزانيته، وقد تجلى هذا من خلال البيانات المالية للبنك في عامي 2008 و2009، فرغم ان البنوك الكويتية تقلصت ارباحها بشكل كبير وبعضها تكبد خسائر خلال هذين العامين، إلا أن النتائج المالية للبنك الوطني أظهرت قدرة الإدارة التنفيذية على ان تجعل ارباح البنك هي الأفضل، بل إنه خلال الأزمة اتخذت الادارة التنفيذية للبنك قرارا فريدا هو انقاذها لبنك بوبيان.
ثالثا: استمرار البنك في استراتيجية التوسع في وقت شهد القطاع عزوفا من جانب المصارف الأخرى عن التوجهات التوسعية، وما تعيين «الوطني» من قبل مؤسسة الإمارات للاتصالات كمستشار محلي في صفقة استحواذها على نسبة 46% من أسهم «زين» إلا دلالة على الثقة التي يحظى بها البنك على المستوى الإقليمي، بالإضافة إلى قدرته على مقارعة المصارف العالمية في مثل هذه الصفقات.
وفي الوقت الذي تأثرت فيه نتائج معظم المصارف المحلية والخليجية بحالات تعثر سواء لبعض المؤسسات العائلية في المنطقة أو نماذج استثمارية معينة، كان من اللافت بقاء بنك الكويت الوطني بعيدا عنها، وهو ما عكسته على سبيل المثال محدودية انكشافه على شركات الاستثمار في الكويت.
هذا الواقع يختصره الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني إبراهيم شكري دبدوب بالقول: «ان الثقافة المؤسساتية التي ينتهجها البنك هي ثقافة محافظة، وهذا الواقع مرده إلى كون المؤسسين الأوائل، وهم شريحة من التجار العريقين، قد اعتمدوا استراتيجية متحفظة في أعمالهم، وقد ورث بنك الكويت الوطني هذا النهج عنهم»، مشيرا إلى أن «الإنجازات المحققة ما كانت لتتم لولا إدارة مخاطر تتمتع بكفاءة عالية، وتضم كوادر من أصحاب الكفاءة وكان لها دور أساسي في حسم بعض التوجهات الاستثمارية للبنك خلال المرحلة الماضية».
المحافظة على وتيرة النمو
وتأكيدا على الأداء المالي القوي منذ ظهور تداعيات الأزمة المالية العالمية، عاد البنك ليحقق أرباحا قياسية خلال الأشهر التسعة المنصرمة من العام الحالي، بلغت قيمتها نحو 224.5 مليون دينار مقارنة بما قيمته نحو 201.5 مليون دينار عن الفترة نفسها من العام الماضي، مسجلا نموا نسبته نحو 11.4%.
وبلغت أرباح الربع الثالث وحده نحو 79.3 مليون دينار، بزيادة نسبتها 15% عن الربع الثاني من العام الحالي، كما ارتفعت ربحيته إلى 70 فلسا للسهم الواحد مقابل 64 فلسا للفترة ذاتها من العام الماضي، بينما ارتفع إجمالي موجودات البنك إلى نحو 12.5 مليار دينار، وارتفعت قيمة حقوق مساهميه إلى 2 مليار دينار، كما ارتفعت أيضا نسبة العائد على الموجودات إلى 2.37% ونسبة العائد على حقوق المساهمين إلى 17.6% كما في نهاية سبتمبر الماضي.
وتعليقا على هذه النتائج يوضح دبدوب أن «البنك يثبت مرة جديدة قدرته على النمو وتحقيق الأرباح بالرغم من استمرار تداعيات الأزمة المالية العالمية، وذلك بفضل السياسة المتحفظة التي انتهجها منذ تأسيسه في العام 1952، والتي مكنته من مواجهة كافة الأزمات»، مشيرا إلى أن «نسبة النمو المحققة في نتائج الأشهر التسعة من العام الحالي هي خير دليل على صوابية السياسة المتحفظة التي ورثناها عن المؤسسين والتي دفعت بمؤسسات التصنيف العالمية الى أن تختارنا مجددا هذا العام البنك الأكثر أمانا في العام العربي والأفضل في الشرق الأوسط».
وإذا كانت معظم المصارف العربية والخليجية قد استعادت وتيرة تحقيق الأرباح، إلا أن القراءة المتأنية والمعمقة لأرباح بنك الكويت الوطني تستدعي التوقف عند النقاط التالية:
1 - تعد نسبة المخصصات لدى البنك الأقل على مستوى القطاع المصرفي، وهذا الواقع مرده بطبيعة الحال إلى انخفاض نسبة القروض المتعثرة من إجمالي محفظة قروض البنك.
2 - تمكن «الوطني» من خفض تكلفة التمويل لديه بوتيرة أسرع من تراجع العائدات في الكويت، ما حسن من هوامش ربحيته.
3 - استعاد بند الموجودات نموه خلال فترة التسعة أشهر من العام الحالي لترتفع إلى نحو 44 مليار دولار، مقارنة بنحو 43 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وهذا المؤشر يشير إلى ان البنك ركز جهوده على الربحية والسلامة إلى جانب التوسع والنمو السريع.
4 - بلغت أرباح الفروع الخارجية للبنك ما نسبته نحو 20% من إجمالي الأرباح الصافية للبنك، ما يعني ان التوجهات الإستراتيجية الهادفة إلى رفع مساهمة الفروع الخارجية للبنك إلى ما نسبته نحو 50% من إجمالي الأرباح الصافية للمجموعة تسير بخطى حثيثة.
توسعات جديدة في الأفق
وعلى الرغم من ان الأزمة المالية العالمية جعلت العديد من المؤسسات المصرفية في المنطقة تتراجع عن خططها التوسعية أو تؤجلها إلى أجل غير مسمى، جاء توجه بنك الكويت الوطني مخالفا لهذه التوجهات، وان بقي حريصا في الوقت نفسه على تقييم خطوات التوسع بمزيد من التشدد، إذ ترجم توجهاته هذه بداية بالاستحواذ على نسبة 47% من بنك بوبيان الإسلامي المحلي، متخذا بذلك موضعا مهما في قطاع الصيرفة الإسلامية.
وفي الوقت الذي كان يجني فيه ثمار توسعاته في كل من قطر ومصر، بدأ البنك بدراسة الخطوات المثلى لدخول السوق السوري مع قرار الحكومة هناك بالسماح للأجانب برفع نسبة مساهماتهم في المصارف إلى 55%، وفي السياق نفسه، يعتزم «الوطني» تعزيز حضوره في السوق التركي بعد ان استحوذ قبل سنوات قليلة على نسبة مؤثرة من رأسمال البنك التركي.
وفي هذا السياق يلفت دبدوب إلى «ان البنك بدأ تنفيذ استراتيجيته التوسعية منذ العام 1979»، مشيرا إلى «وجود نية لتعزيز التواجد في تركيا التي ننظر إليها باهتمام كبير، كما بدأنا باتخاذ الإجراءات لدخول السوق السوري الذي نظن أنه سوق واعد، نظرا إلى إمكاناته الضخمة وعدد سكانه، كذلك نأمل تعزيز وجودنا في العراق الذي كنا أول من حاز رخصة للعمل فيه منذ العام 2003، والذي يتوقع أن يشهد نموا قويا عندما يستقر السلام فيه».
وقد بدأت استعدادات البنك لهذه المرحلة الجديدة من خلال استدعاء زيادة رأسماله بنسبة 10%، والتي تعادل قيمتها الاسمية 32.7 مليون دينار بتكلفة 500 فلس للسهم، ما يرفع إجمالي رأسمال البنك إلى نحو 359.8 مليون دينار.
عراب صفقة «اتصالات» و«زين»
وشكل تعيين بنك الكويت الوطني من قبل مؤسسة الإمارات للاتصالات كمستشار محلي في صفقة استحواذها على نسبة 46% من أسهم «زين»، دلالة على الثقة التي يحظى بها البنك على المستوى الإقليمي، بالإضافة إلى قدرته على منافسة المصارف العالمية في مثل هذه الصفقات، إذ غالبا ما تلجأ مؤسسات المنطقة إلى المصارف العالمية في صفقات أقل حجما من صفقة «زين»، والتي تعد الأضخم على مستوى منطقة الشرق الأوسط، ولم تكن هذه الصفقة إلا تأكيدا على الخبرة الطويلة التي يتمتع بها فريق عمل الخدمات المصرفية الخاصة بالشركات، وتحديدا الرئيس التنفيذي للبنك شيخة البحر التي لعبت على مدى السنوات دورا محوريا في هذا المجال كان أبرزها ترتيب وإدارة بيع شركة «عراقنا» إلى زين «العراق».
ولعل الأمانة تقتضي القول ان الجهود المضنية التي بذلها «الوطني» على مدى الأشهر الماضية كانت عاملا حاسما في إتمام الاتفاق، خصوصا ان المعلومات كشفت عن وجود هوة كبيرة كانت موجودة بين البائع والمشتري في المراحل الأولى للصفقة، وتابع البنك الصفقة من ألفها إلى يائها بدءا من تقييم «زين» والسعر العادل للسهم، إلى مباشرة الاتصالات بين الشاري ومساهمي «زين»، ثم الدخول في مفاوضات لإتمام الاتفاق، وسيشمل دوره في المرحلة المقبلة ترتيبات البرنامج الزمني لتنفيذ الصفقة وفتح الدفاتر والفحص النافي للجهالة، وآلية سداد الثمن.
كما كُلف البنك من قبل الطرف الشاري بالإعداد لملف تمويل الصفقة ودراسة كافة الخيارات المتاحة سواء عبر قروض مجمعة أو أساليب أخرى، ومن المتوقع ان يلعب دورا قياديا في أي قرض مجمع. وفي السياق نفسه، علم ان «الوطني» دخل كذلك على خط البحث عن شارٍ محتمل لنسبة مساهمة «زين» في زين السعودية والبالغة نحو 25%، وبحسب أوساط مصرفية متابعة تكمن أهمية دور البنك في أنه أعاد التأكيد على قدرات المصارف الكويتية، ما يعزز فرص استعادتها لعناصر الثقة.
المجلس الاستشاري الدولي.. التجربة الفريدة
وفي سياق الحديث عن تجربة بنك الكويت الوطني خلال المرحلة الماضية، كان من اللافت الدور الذي لعبه المجلس الاستشاري الدولي للبنك في توجهاته العامة، خصوصا لجهة تقديم الخبرات والاستشارات والمساهمة في رسم الاستراتيجيات المستقبلية لمجموعة بنك الكويت الوطني بشكل عام، ودعم تواجده ومبادراته على الساحة الدولية، ودعم أسس الحوكمة والتحفظ والإدارة الرشيدة للبنك، إلى جانب تعزيز شبكة العلاقات الدولية والسياسية والإستراتيجية للبنك على المستويين الإقليمي والعالمي.
وقد ساهمت هذه التجربة في تعميق نظرة البنك إلى الوقائع الجيوسياسية والاجتماعية على مستوى العالم، بالإضافة إلى تعميق نظرته للاقتصاد العالمي والعوامل المحيطة به، وما يمكن ان تتركه هذه العوامل والمؤشرات من نتائج على البيئة الاقتصادية المحيطة سواء في الأسواق العالمية أو في أسواق المنطقة، مع الإشارة في الوقت نفسه إلى أن هذه التجربة أغنت البنك على مستوى استشرافه لطبيعة المراحل المستقبلية التي يمر بها الاقتصاد، بالإضافة إلى وضع تصور متكامل لكيفية التعاطي معها، ما يساهم في استبعاد عنصر المفاجأة. ولتحقيق هذه الأهداف، كان لابد من ان يضم المجلس تحت مظلته شخصيات مرموقة لعبت دورا مهما وحيويا في قطاعات وأسواق مختلفة، فمنهم من عايش تجربة الأسواق الأوروبية والأميركية، ومنهم من لديهم تجارب في الأسواق الناشئة وأسواق المنطقة، واليوم بات المجلس الذي يترأسه رئيس وزراء بريطانيا الأسبق السير جون ميجور، يضم في عضويته 22 شخصية، وذلك بعد انضمام أحد كبار مستشاري مجموعة «سيتي غروب» المالية العالمية ورئيس مجلس إدارتها سابقا وليام رودز إلى عضويته.