هشام أبوشادي - عاطف رمضان - جمال عبدالحكيم ـ عمر محمد
تعد ظاهرة القروض الاستهلاكية واحدة من اهم المعايير الرئيسية لقياس معدلات النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة كونها المحرك الاساسي والفعال لكافة القطاعات الاقتصادية، وهي تعتمد في واقع الامر على معدلات الاستهلاك كون مواطني هذه الدول يعتمدون على منتجات دولهم بشكل رئيسي، وعند تحليل هذه الظاهرة خليجيا سنجد انها تأخذ ابعادا اخرى باعتبار اقتصاديات تلك الدول تعتمد على النفط في اقتصادياتها ومن ثم فهي دول مستهلكة وتعتمد بصورة كبيرة على سعره في تسيير عجلة التنمية الاقتصادية بداخلها وهي دول مستهلكة اكثر مما هي منتجة، ومن ثم فهي تنفق الكثير من فوائضها المالية لتمويل احتياجاتها الاستهلاكية.
«الأنباء» رصدت ابعاد الظاهرة في الكويت عبر مسؤولين واقتصاديين في محاولة للتعرف على حجم التمويل الاستهلاكي وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية واهميته في تحقيق التقدم الاقتصادي وقد يكون كارثة في الوقت نفسه.
فقد اشاروا الى ان القرض الاستهلاكي يصبح ضرورة اذا ما تم استخدامه في الحدود المعقولة ووفق منظومة وآلية معينة ترتبط بالقواعد المصرفية المعمول بها دوليا وعالميا، وقد يكون كارثة اذا ارتفعت قيمة القرض عن حدود الدخل المتاح للافراد مما يعني ان الافراد يضعون انفسهم في «ورطة» حقيقية ويصبح القرض الاستهلاكي في واقع الامر عبئا كبيرا على الاسرة. وحول السياسات البنكية التي اتخذها البنك المركزي اخيرا للحد من الظاهرة اوضح المحللون ان الاجراءات تسير في الاتجاه الصحيح، لكنها تحتاج الى المزيد لأن السياسة النقدية جزء لا يتجزأ من المحافظة على النمو الاقتصادي وهي في واقع الامر مصدات حقيقية للاقتصاد ضد اية كوارث مستقبلية.
واتفقت الآراء الى ان حجم الظاهرة خطير ويحتاج الى وعي المستهلك ورشادة البنوك التجارية ووضع الضوابط على الشركات الائتمانية العاملة في هذا المجال، كما يمثل الافتقاد الواضح لمفهوم الظاهرة بين اطراف المشكلة المتمثلة في المواطن والبنوك المحلية وسياسات البنك المركزي نقاط ضعف رأى الخبراء ضرورة معالجتها بالحزم والحسم في القرارات الصادرة وضرورة العمل على توضيح الابعاد الخفية وراء الظاهرة للمواطن مع تحقيق الشفافية في التعاملات التي تتم بين المؤسسات المالية والافراد.
وبنظرة سريعة سنجد ان الكويت تحتل المرتبة الاولي على المستوى الخليجي في مجال منح القروض والتسهيلات الائتمانية بأنواعها المختلفة والتي يتم منحها من قبل البنوك والشركات الائتمانية للقطاع الخاص والافراد ، فقد زاد حجم التسهيلات الائتمانية بنسبة 29% حتى نهاية مايو الماضي مقارنة بالفترة نفسها من عام 2006 لتصل الى 17 مليار دينار، احتلت القروض الاستهلاكية فيها نصيب الاسد لتبلغ 6.2 مليارات دينار بنسبة نمو قدره 34.5% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ولاشك ان مشكلة القروض الاستهلاكية بالكويت قد باتت تشكل احد الاسباب الرئيسية لانهيار كيان الاسر اذ انها تتملك حياة العائلات وتضعها في «مأزق» حقيقي يهددها فهي تلازم الاسر كظلها في البيت والسيارة واقساط المدارس والرحلات وكل ما تحلم به الاسرة الكويتية وهذا باختصار ابعاد القضية اجتماعيا، اما البعد السياسي فقد اثاره اعضاء مجلس الامة حينما طالب بعضهم باسقاط القروض الاستهلاكية عن الافراد او التخفيف منها ووضع قواعد ملزمة للافراد والمؤسسات المالية يجب العمل على حلها.
وتمتد الظاهرة لتشمل كل نواحي الحياة واصبحت هدفا استثماريا لجميع الشركات التي تسعى الى تحقيق الربح السريع، فباستقراء سريع لمجريات الحياة الاقتصادية الكويتية في الآونة الاخيرة نجد ان التمويل الاستهلاكي اصبح في المرتبة الاولى في اولوياتها الاستثمارية وابتعدت عن التمويل الانتاجي في الكثير من المشروعات الانتاجية.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )