كانت بيروت توحي بصورة للسماء الصافية والبحر المتلألئ والمنازل المسقوفة بالقرميد الأحمر والتي تعود الى الحقبة العثمانية لكن الرافعات والمباني الجديدة تثقب الامتداد البصري للبحر المتوسط وإزعاج الجرافات حطم الصورة.
ففي جميع أنحاء بيروت ينفق المقاولون مئات الملايين من الدولارات لبناء الشقق السكنية الفاخرة ذات الثمن المرتفع وخصوصا في منطقة بوسط العاصمة يطلق عليها اسم سوليدير بعد ان أعادت الشركة بناء المنطقة التي هدمت جراء الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990.
وفي حين يصر المحللون على انه لا توجد فقاعة عقارية تلوح في الأفق فان ارتفاع السعر يجبر اصحاب الدخل المتوسط على البحث خارج عاصمة رفض البعض منهم مغادرتها في خضم الحرب والاضطرابات.
إحباط مستمر
وقال لبيب غلمية ـ وهو طبيب في الخامسة والثلاثين من العمر يحاول شراء شقة منذ عامين ـ «اشعر بالإحباط وستمر فترة من الوقت قبل ان أتمكن من أن أتحمل نفقة شيء والحصول على قرض وسداده لفترة طويلة، مضيفا مع كل المشاكل سأبقى في بيروت».
ووفقا لتقرير كوشمان ويكفيلد للاستشارات العقارية الذي صدر في العام 2010 فان بيروت تأتي في المركز الثلاثين بين أغلى مدن العالم من حيث الإيجارات السكنية مرتفعة ثلاثة مراكز عن العام الماضي وهي الأغلى بالمقارنة مع عشرة مدن في العالم العربي.
وبلغت الإيجارات في منطقة سوليدير في بيروت 1470 يورو ما يعادل 2063 دولارا للمتر المربع الواحد متخطية مثيلاتها في ستوكهولم ولوكسمبورغ وتل أبيب، وقال عدد من خبراء العقارات إنه في منطقة وسط بيروت فان خليطا من الممتلكات القديمة التي أعيد ترميمها والمباني الجديدة تباع ابتداء من 7000 دولار الى 13 ألف دولار للمترالواحد. وفي أحياء أخرى في بيروت خارج سوليدير فإن الأسعار في حدود 4000 دولار للمتر المربع.
وقد كان الدافع وراء زيادة الطلب على الشقق السكنية في بيروت هو المغتربين اللبنانيين الذين يعودون الى بلادهم ويريدون ان يكون لهم موطئ قدم في المدينة على الرغم من انهم لا يعيشون في بيروت بشكل دائم.
الخليجيون السبب
كما ان الأثرياء الخليجيين واللبنانيين الذين يشترون الشقق كاستثمار لمستقبل أولادهم تسببوا ايضا في رفع الأسعار، ومع ذلك فان محللي وخبراء العقارات يصرون على ان هذا ليس فقاعة عقارية لان المشترين هم المستخدمون النهائيون وليسوا مضاربين، وكثيرا ما يدفعون نقدا او يمكنهم تحمل المبالغ المقترضة.
وقال مروان بركات رئيس قسم الأبحاث في مجموعة عودة «لا اعتقد ان هناك فقاعة في السوق.. صحيح ان الأسعار ارتفعت بشكل ملحوظ لكنها انطلقت من قاعدة أسعار منخفضة جدا لذا فإن الأسعار اليوم هي أكثر انسجاما مع المعايير الإقليمية والدولية».
وفي الواقع فان سمعة لبنان المعروف بمرونته ترجمت الى تحقيق نمو يبلغ في المتوسط 8% على مدى السنوات الثلاث الماضية مدفوعا بثقة قوية من المستهلك، وقال بركات ان أسعار العقارات ارتفعت نحو 30% سنويا منذ عام 2007 وهذا محل إعجاب لأي مدينة ناهيك عن مدينة شهدت العشرات من التفجيرات وأسابيع من الاحتجاجات الكبرى وأياما من الاشتباكات المميتة في الشوارع وحربا مع إسرائيل في السنوات الخمس الماضية وحدها.
وانخفضت أسعار المساكن 2.3% فقط خلال الحرب التي دارت بين إسرائيل وحزب الله في العام 2006 واستمرت 34 يوما وذلك وفقا لدليل العقارات العالمية الصادر في ديسمبر عام 2009 وارتفعت أسعار العقارات السكنية في وسط بيروت بنسبة 40.7% في الربع الثاني من عام 2009.
ولكن في تقرير 2010 حذر الدليل من ان خصائص بيروت أصبحت مكلفة للغاية. وقال ان «لبنان الآن يبالغ في تقدير قيمته.. العقارات اللبنانية مقومة بأكثر من قيمتها».
وهناك الآن أكثر من 20 مشروعا قيد الإنشاء في منطقة وسط بيروت، وأحد هذه المشاريع هو مشروع «بيروت تيريسس» بقيمة 500 مليون دولار حيث يبدأ السعر المطلوب للحصول على شقة من 7200 دولار للمتر المربع الواحد ويصل الى 12500 دولار للمتر والتسليم في العام 2014.
مشروع «بيروت تيريسس» الذي يفخر بأن لديه «ساحل مارينا في الهواء الطلق» و«حدائق خضراء معلقة» بيع منها 30% على الخريطة ـ وهو الاتجاه الذي ينمو ويساعد المقاولين على تمويل البناء دون اللجوء الى الاقتراض كثيرا.
واعترفت زينة دجاني المديرة الإدارية لشركة بانش مارك المنفذة للمشروع بأن سوق العقارات الفاخرة هو اصغر من سوق المساكن بأسعار معقولة لكنها تقول ان الطلب على العقارات الراقية قوي بما يكفي للتبرير بأن مثل هذه المشاريع لاتزال قائمة.
ويقول بنك عودة في أبحاثه في يونيو العام 2010 ان مبيعات العقارات نمت 19.5% سنويا بين عامي 2004 و2009 ولكن اكثر من الضعفين في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، وقالت دجاني «أولئك الذين يبحثون عن صفقة ليسوا العملاء الذين نبحث عنهم.. في بيروت لقد ارتفعت الأسعار بما لا يكفي للسماح لك بتلبية مستوى الدخل المتوسط».
وعلى الرغم من المرونة في التعامل مع الاضطرابات السياسية فالتوترات في الشهور الأخيرة في تزايد وسط تقارير عن احتمال ان توجه المحكمة الدولية اتهامها الى عناصر من حزب الله في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري والعقل المدبر لسوليدير في العام 2005. ونما الخطاب الطائفي وحذر بعض السياسيين من العودة إلى الحرب الأهلية.
ويقول انطوني الخوري الذي استثمر 250 مليون دولار في مشروع ديستريكت اس في السوليدير ان هناك طلبا لكن المخاوف السياسية تجعل من الصعب أن يتم البيع، وقال «العامل السياسي هو اكبر خطر على السوق. اننا كمقاولين نرى الأمور هكذا».